العربي الآن

مطبخ الاستبداد | طبق اليوم.. مجدرة الدولة البعثية!

نص كتبه: محمد زاهر حمودة

من المعروف أن لكل ثقافة طبخاتها المعروفة والمحببة بين أهلها، يتفنن الناس في صنعها مرة بعد مرة وهم يواظبون على تناولونها طوال عمرهم بمنتهى الرضا والقبول، تتوارثها الأجيال، لا يتنازلون عن قيمتها بينهم مهما تعرفوا على أكلات جديدة، الحال ذاته في طبخ نظام الحكم، طبق اليوم هو مجدرة الدولة البعثية، والمجدرة أو الكشري عند أهل الشام ومصر هي أكلة مقدرة، ومجدرة الحكم البعثي أيضاً يجب أن تكون مقدرة للغاية لا بل في أعلى مستوى من التقدير لدى الرعية، فإن أردت تحضير الدولة ليكون حكمها لك دائماً مهما تقلبت الأزمان، فعليك أن تجيد طبخها على النحو الأمثل، كي تحصل على طبق من الرعية ذي مكونات منسجمة، أناسه مطلقو الولاء، ملتزمو الصمت والطاعة لك أبداً. مجتمع من المحكومين له قوام متماسك ومهضوم، ورائحة شهية وطعم لذيذ، لن نطيل الكلام ولنبدأ بالشرح..

تحضير طبق مجدرة الدولة..

المقادير.. عدس (المرأة)، أرز أو برغل(الرجل)، ماء (المال)، سمنة أو زيت نباتي (مشاهير للخداع والتأثير من شيوخ دين وإعلاميين وشعراء وفنانين وما شابه)، بصل (صورة القائد)، ملح وبهارات (الشعارات)، وبالطبع لا ننسى أهم شيء في عملية الطهي وهو وجود النار (المخابرات والعسكر وكل ما يخيف ويرعب ويجبر)، إذ بدون النار لا طبخ ولا بطيخ، فالنار هي التي ستغير بحرارتها الشديدة بعد مدة من الوقت طبيعة المكونات في الأكلة من الصلابة إلى اللين والإستواء.

طريقة التحضير..

١– يوضع العدس (المرأة) في الماء فوراً للغلي تحت النار (ما تفرضه القوة المرعبة من مسالك إجبارية).

العدس لا يحتاج إلى نقع مسبقاً بالماء، فالمرأة بطبيعتها كائن حالم جداً، تتخيل غدها المشرق متوجاً بالحظ السعيد دائماً وتتفاءل بالرغد والهناء حتماً، وتريده بأبسط الطرق ودونما كثير عناء، إن كان بالزواج الحلال أو بالعهر الحرام، فبكلا الحالتين الهدف واحد، تدرك دورها البيلوجي الذي لا يتعدى استثمار جسدها في جذب الرجل لممارسة الجنس، ومن ثم الإنجاب والرضاعة والأمومة والحنان على أطفال زوجها الصغار ريثما يكبرون، وبما ستبذل من وسيلة ستطلب الغاية، لذلك هي حتى عندما تتابع تعليمها فهي غالباً لا تطمح للعلم بقدر ما تطمح أن تحسن مواصفاتها بالنسبة للزوج المحتمل، أما فكرتي التكافؤ الثقافي مع الرجل والحب المتبادل النبيل فإن جلبا الفقر في النهاية فعليهما اللعنة، ما الفائدة من ذلك الكلام الفارغ؟!، تريد رجلها سلماً لحياتها تصعد عليه للحصول على المال من خلال تلك الخدمات البلوجية وبالتالي الوصول إلى النعيم والتفاخر أمام أقرانها والإستهزاء بالحمقاوات اللواتي لم ينلن حظاً وسعادة بقدر ما نالت هي، تنافسها هو بين أبناء جنسها فقط، وعليه، ينتظر العدس رزه أو برغله، وتنتظر المرأة العريس الذي سيطلبها جالباً معه المهر، والبيت الفسيح وفرشه الراقي، تقبله لأنه سيتعهد أن يكون مسؤول الإنفاق عليها لتأمين كل ضرورات وكماليات الحياة لها، بل وستعتقد أن حتى تأمين مستقبل الأولاد ليس عليها الإسهام مادياً فيه البتة بل هو أيضاً عليه وحده، كل تلك المكاسب ستحصل عليها ولن يكلفها الأمر شيئاً سوى أن تحسن استثمار مفاتنها المتعددة، فتستجلب العروض، ومن ثم فالمفاضلة والإختيار، ستختار من لديه مال أكثر، وسترتدي لأجله النقاب إن طلب، ستسايره في كل شروطه السطحية، إذن، فالعدس أمره يسير وسيطهى دونما صعوبة، ليس لدى المرأة أي مصلحة في تحدي النار، بل ستسرضي أهل القوة والرعب وستلقن أولادها لاحقًا كيفية محاباتهم، فضلاً عن أنه إن جائها عريس من بينهم فستسارع للقبول به دونما تردد، فهدفها السامي هو الإنغماس في صنوف الرفاه والسعادة، إذ تحلم المرأة بشراء كل شيء، بالأكل في أفضل المطاعم، وباقتناء كل صيحات الموضة، بوضع كل أنواع المكياج، وبعمل كل عمليات التجميل كلما تقدم بها العمر، وذلك كله يحتاج إلى الماء المغلي، أي المال الشريك والمحابي لشروط المخابرات.

٢– طهى الأرز أو البرغل.

الرجال نوعان إما كالأرز أو كالبرغل، كلاهما يحتاج للنقع بالماء قبل الطهي، مع فارق أن الأرز يجب أن ينقع في الماء الساخن لمدة أطول، الأرز هو الرجل الذي يبحث عن قيمته من خلال التعلم والثقافة، أما البرغل فهو الرجل الذي يعلم أن قيمته كامنة فيه، في بروتيناته، أي بفحولته وجيبه الممتلئ، لذلك فهو لا يكترث كثيراً لمتابعة تعليمه، ولكن كلاهما سيحتاجان بعد النقع إلى الطهي في الماء تحت النار، أي، سيبحران في طلب المال من خلال الاسترضاء والرضوخ لأهل القوة والجبروت، الأرز سيبحث عن وظيفة يبرز فيها مواهبه المعرفية والنقدية، ولذلك فقط هو يحتاج إلى مدة من النقع أطول قليلاً ليدرك في أثنائها حقائق الأمور وليتخلى عن اعتداده بمعرفته، بعد تلك المراجعة سيصبح جاهزاً للخضوع، أما البرغل فهو بطبيعته يبحث عن التجارة وكل أشكال الربح غير المعقد، لا مشكلة لديه مطلقاً في استيعاب الواقع، المهم أن يدخل سوق العمل بسرعة وأن يبدأ بجني الأرباح وبعدها سوف ينتفخ حجمه حتماً، لأنه برغل، ومن ثم سوف يلج مرحلة التفاخر والتكبر على الآخرين والتغني بأنجازاته الفهلوية والإستهزاء بمن هم دونه من الحمقى المثقفين بملئ فيه ضاحكاً منتشياً، إذن، فهو مستعد للطهي تحت النار بدون طول نقع وجدال..

٣– وضع مقدار من السمنة أو الزيت النباتي (مشاهير الخداع من شيوخ دين وفنانين) مع العدس والأرز أو البرغل أثناء الطهي..

المادة الدهنية المشبعة هي وحدها التي تعطي الدسم والوزن للطعام، كل الأكلات الشهية وقت الغداء تحتاج حتماً لهذه الدهون لتستحق الإعجاب ولتجذب الآكلين برائحتها، وبدونها فأن أي طعام هو عبارة عن تصبيرة مؤقتة وليس وجبة غداء رئيسية معتبرة، لذلك فأننا نستطيع أن نقول أن قيمة أي دولة تتظهر بكثرة وجود الشيوخ والفنانين والمشاهير وبكثرة نشر أعمالهم وفتح المنابر والشاشات لهم، وبالتالي تتعاظم شهرتهم ويزداد بريقهم ولمعانهم، هم الذين سيتغلغلون في ثنايا حبات العدس والأرز أو البرغل، سيبثون بين النساء والرجال ثقافة الحكم الموالية التي تجعل من طاعة الدولة واجباً مقدساً، وأخلاقاً فاضلة، ومبادىء وطنية سامية، وليست رغبة بالمصلحة المادية ورضوخاً للقوة المسلحة المرعبة، ستعطي السمنة رائحة معنوية دسمة وطعماً مشبعاً وازناً لعلاقة الناس بالدولة، وليس لأحد أن يستطيع فعل ذلك غيرهم، أنهم محظوظون جداً بتلك المواصفات الإستثنائية، الشيوخ والفنانين وشعراء البلاط هم وحدهم من يستطيعون تحويل أي عصابة حكم مارقة إلى دولة وطنية مبجلة.

٤– تقلية البصل (صورة القائد) بالسمنة ووضعها على واجهة الطبق..

لتحصل طبخة الحكم على اللمسة النوعية فلا بد من تواجد العديد من صور الزعيم على كل واجهة مكان أو صدر مكتب، هي صور له بمفرده ولكنها ليست كأي صورة، فما فعلته السمنة بالبصل هي أنها حولت رائحته الكريهة وطعمه اللاذع إلى رائحة زكية وطعم مستساغ، السمنة مع النار فعلا ذلك، قد تنفر من أي صورة لشخص عادي آخر كما تنفر من البصل بادىء الأمر قبل الطهي، ولكنك لن تنفر بعد التقلية من صورة الزعيم أبداً، علاوة على أن الصور المشتركة بين البصل والسمنة، أي بين مشاهير زبانية القائد من الشيوخ والفنانين وبينه وهو يصافحهم تكسب الطرفين كل الفائدة، ستجد الفنانين والشيوخ يتباهون بأغلى صورة لديهم ألا وهي صورتهم بجانب السيد القائد، أما القائد فهو نفسه يبرز نفسه في هذه الصور مهتماً بالشيوخ وداعماً للفنانين والمبدعين، فيتحصل كلا الطرفين على المزيد من التقدير والإعجاب بين الناس، هكذا وبالرغم من أن  البصل المقلى بالسمنة هي إضافة ثانوية على الأكلة الرئيسية، إلا أنه مع الوقت والتعود سيصبح الأمر عادة مكرسة وشيئاً لازماً.

٥– إضافة الملح والبهارات (الشعارات).

يوضع الملح أثناء الطهي أما البهارات فترش بعد سكب الأكلة في طبقها، الملح هو الشعارات الداخلية ولذلك فهو ضروري جداً لأي طبخة حكم، بدون ملح الأكلة دلعة، لن تؤكل إلى النهاية، قد تستغني عن البهارات لكنك لن تستغني عن الملح، أما البهارات فهي شعارات القضايا الخارجية، بعض الحكومات قد لا تحتاجها كثيراً ولكن بعضها الآخر قد يكثر منها حسب الحاجة، وفي مطلق الأحوال هي ستعطي نكهة محببة لأي نظام الحكم، تجعل له في أعين الناس هدفاً نبيلاً لمسائل خارج حدوده، ما يزيد الإعجاب به، وهنا، لا بد أن نذكر بدور المقبلات كالمخلل والسلطات أيضاً، فدورها يتأتى من أن الحكومات تكون مضطرة بحكم الجغرافيا للدعم من بعيد لشعارات البلد الصديق في الإقليم الآخر، وبالتالي تتبادل الدعم دبلوماسياً وإعلامياً عن بعد ويحصل كل طرف على المقبلات لنظامه، المقبلات رخيصة، لن يتكلف أي نظام سوى إبداء التضامن بالكلام أو إرسال المساعدات وتقديم التسهيلات من طرف الجيب ليس أكثر، فيتحصل على المزيد والمزيد من الشعبية بنظر أهل الداخل، فمن اللذيذ جداً أكل المخلل والسلطات مع المجدرة، بمكوناتها من عدس وأرز أو برغل، إذ كل حبة منهم هو شخص محابي وطامع بخير الماء الساخن وخائف في الوقت ذاته من أن يحترق بشدة النار إن تمادت ولم تنطفئ عند بلوغ لحظة الإستواء.

أخيراً، لا يفوتنا التذكير بفضل أستاذنا وشيخ كارنا الشيف نيكولو ميكيافيلي قدس سره، وصحتين وعافية.

زر الذهاب إلى الأعلى