سير ذاتية ومذكرات

من ذاكرة طفولة مقهورة: حين قال مدرس لآخر "هذا أبوه ميت"

عبد الرزاق الحسين – العربي القديم

غيب الموت والدي مبكرا كنت في الصف الثالث الإبتدائي  فقد عانى اجهادا قبل وبعد حرب تشرين  كون مكان عمله  مقسم الاتصال  تحول الى مركز عسكري  فزاد مرضه  حتى اتاه القدر . يدخل إلى الصف أحدهم ويهمس في أذن المدرس  ويخرج. يقف المدرس ويخرجني من الصف ليصطحبني من جاء  إلى البيت وألقي نظرة وداع عابرة  في  وسط صامت انفجر في البكاء لحظة وصولي . كنت في جلسة سمر مع صديقي دكتور أسنان يصغرني كثيرا . في لحظة صمت وقال: علاقتي بأمي  قوية لكنها علاقة معقدة يصعب تفسيرها ، توقف الزمن  ودقاته  وارتفعت دقات القلب وتسارعت: بينما كنا في أحداث الثمانينات في القبو  أثناء القصف على حماة,   كنا رجالا واطفالا  نساء وبنات  كل في زاوية منه.

لقد ولدت امي اخي الأصغر وهي في القبو  ولم أتجاوز الثلاث سنين.

دخلت قوة عسكرية . القبو . اخذو الاولاد و الشباب  واصطحبوا ابي  وكان ذو بنية صغيرة. صرخت امي  بهم انه كبير. لم يستمعوا، أخرجوهم  بعد دقيقة اخذتني امي وصعدت بي خارجا.

كل ما اذكره  رجال وجهوههم إلى الجدران . في لحظة لم أميز بها ضمتني امي إلى صدرها  واغلقت عيوني  وسمعت إطلاق الرصاص.

نزلت بي إلى القبو  صامتة وضلوعي تخترق  جسدها،  وغبت في ظلام القبو وظلام الصمت القاتل.

لم أعِ ما جرى. وكلما سألت أمي عن أبي تقول: سافر  ليعمل. مرت سنون وانا انتظر أبي  في المدرسة  حصل شجار كنت في الصف الرابع، أصيب سني اخذوني إلى الطبابة  وعدت، فإذا بمدرس يقول لمدرس الصف: خبر أبوه ليأتي يأخذه، رد المدرس المدرس: أبوه ميت. كان خبرا صاعقا عندي… خرجت مسرعا من المدرسة دخلت البيت، كنت أدفع لأمي وأقول: لماذا تكذبين  علي…  أبي ميت أبي ميت . ساد صمت ثقيل شعرت بعدها بضلوعي تخترق جسد امي وهي تضمني. عادت بي إلى ٦ سنوات مضت حين اعتصرت اضلاعي صدرها.

في تكويننا  النفسي والاجتماعي  أزمات، عقد، اضطرابات تحتاج  علاجا. لسنا طبيعيون  إننا نتاج كوارث ومأسي وإجرام.

لا نفهم  ولا نعي ما هو الأمن  والأمان. اليوم أفعالنا  وردود افعالنا قد لا تجد تفسير  لمن يراها من الظاهر. في عمقها انعكاس طبيعي لما حدث.

حياتنا رعب وذل وقهر. نحاول الحياة او الهروب منها  حلا لما نعاني. قرأت تقريرا  ألماني لأزمات  ما بعد هتلر  . نفسية واجتماعية جعلت اكثر من نصف ألمانيا يحتاج مصحات نفسية. أقارن ما حدث في ألمانيا   وكأنه نقطة في كأس مليء بما حدث لنا.

أفتش عن نهاية، عن أمل، عن سابق وعن لاحق.

فلا أجد الا  من أشرف على معتقلاتنا  وبناها  الا خبراء هتلر، وكره وإجرام النظام للوطن والمواطن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button