معركة (ردع العدوان) طفر النشوة وهواجس المجهول
حسن النيفي – العربي القديم
لقد استطاعت الفصائل العسكرية المنضوية تحت مُسمّى (الجيش الوطني) وكذلك بعض فصائل هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) أن تباغت قوات نظام الأسد في صبيحة يوم الأربعاء، السابع والعشرين من الشهر الجاري بهجوم واسع النطاق شمل عدة محاور في ريف حلب الغربي، وقد أفضت هذه المباغتة إلى تقدّم الفصائل العسكرية المعارضة واستيلائها على العديد من البلدات والقرى ونقاط الرباط التابعة لقوات النظام، بل تؤكّد الأخبار الواردة من جبهات القتال على وصول الفصائل العسكرية إلى مشارف حلب من الجهة الغربية، الأمر الذي أنعش آمال الكثيرين، وخاصة الذين شرّدهم نظام الأسد وهجّرهم من بيوتهم وبلداتهم، فهؤلاء دون أدنى ريب باتوا يتطلعون إلى أن تكون هذه المعركة فاتحة خير لعودتهم إلى ديارهم وأرزاقهم.
وبعيداً عن تفاصيل أسباب هشاشة قوات النظام وانهيارات دفاعاته أمام فصائل المعارضة، فإنه يمكن التأكيد على أن قوات الأسد بمفردها ودون دعم من حلفائها الروس والإيرانيين لم يكن بمقدورها تحقيق أي منجز عسكري، ليس في هذه المعركة فحسب، بل منذ أن كانت المواجهات العسكرية في أوجها عام 2012 ، ولعل هذا ما يدعونا للتساؤل: هل ستبقى قوات الأسد تقاتل وحدها؟ ولماذا لم يتدخل الطيران الروسي كما هو معتاد؟ وأين موقع التفاهمات التركية الروسية السابقة من هذه المعركة؟ وما هو حقيقة الموقف التركي من هذه المعركة؟ ثم الأهم من ذلك كله ما هي الأهداف الحقيقية من هذه المعركة من وجهة نظر الفصائل المعارضة؟ هل هي مجرّد (ردع للعدوان) فحسب؟ وأين ستنتهي حدود هذا الردع؟ وهل ثمة هدف سياسي معلن لهذه المعركة؟ الأسئلة كثيرة بلا شك، ومعظمها يبقى دون إجابة كافية في ظل التعتيم على معظم أهداف تلك المعركة، وفي هذه الحال لا يظهر للمتابع سوى المزيد من التحليلات والتأويلات التي غالباً ما تغدو ضرباً من التكهّنات الرائجة بين الناس، وفي هذه الحال أيضاً ربما يبدو من المفيد الوقوف عند ما هو مهمّ، أعني ما له صلة مباشرة بسيرورة المعركة الراهنة وما له تأثير مباشر عليها.
المنطقة التي انطلقت منها المعركة هي تحت النفوذ التركي، والفصائل التي تقاتل على الأرض هي تحت إشراف مباشر من تركيا أيضاً، وقيام تلك الفصائل بمعركة بهذا الحجم والاتساع دون تنسيق أو دراية تركيا على الأقل هو ضرب من الوهم، أما عدم ظهور موقف تركي معلن وصريح فهو بحد ذاته موقف شديد الوضوح، فأنقرة إذ تغضّ الطرف فهذا يعني أنها توافق على مبادرة الفصائل دون ان تتبنّاها لتتخفّف من الحرج أمام شريكيْ أستانا (روسيا وإيران)، ولعل ما تريده تركيا من هذه المعركة هو غير بعيد عمّا تريده من نظام الأسد، لقد كانت أنقرة بالأمس القريب تناشد نظام الأسد وتوجه له الدعوة تلو الأخرى من أجل إعادة العلاقات بين البلدين واستكمال خطوات التطبيع كاملة، ولكن نظام الأسد أصر على التمنّع ، مشترطاً انسحاب تركيا من جميع الأراضي السورية كشرط سابق لأي خطوة تفاوضية، فهل أدّى تمنّع الأسد ونزعته الاستعلائية إلى تعاظم النزق التركي الذي أراد أن يباغت الأسد بهذه المعركة؟ وهل المراد هو ممارسة المزيد من الضغط على الأسد لمراجعة مواقفه حيال التفاوض مع أنقرة؟ أم هي رسائل تركية ضاغطة على الأسد وحلفائه معاً لأجل التفاوض على منطقتي (تل رفعت ومنبج)؟ على أية حال، حتى لو كان الأمر كذلك فلا ضيرَ أبداً ، طالما أن المصالح مشتركة بين السوريين وتركيا، فتحقيق تركيا مكاسب عسكرية أو سياسية مقابل عودة مئات الآلاف من السوريين المهجرين إلى بيوتهم وبلداتهم موازاة مع اندحار قوات الأسد وطردها من المناطق والبلدات التي اغتصبتها هو أمر إيجابي طالما أنه يأخذ بعين الاعتبار مصالح الطرفين، ولكن بالمقابل ثمة تساؤلات تنطوي على هواجس جدّ مقلقة، لعل أهمّها: ماذا لو تدخّل الطيران الروسي من جديد وبدأ باستهداف الفصائل العسكرية المعارضة، هل ستقوم تركيا بتأمين الحماية الجوية لتلك الفصائل كي تبقى محافظة على تقدّمها، أم ستتركها هدفاً سهلاً بمتناول الصواريخ وقاذفات الطيران؟ علماً ان تركيا ما تزال تحرص على عدم الاصطدام مع الروس على الجغرافيا السورية نظراً لمصالح متشابكة وعديدة. وماذا أيضاً لو شنّ الطيران الروسي حملات إبادة على المدن والبلدات مستهدفاً المدنيين والبنى التحتية وأدّى ذلك إلى نزوح جديد لعشرات البلدات والقرى كما حدث في شباط 2020 حين استهدف الروس سراقب وخان شيخون والمعرة وشمال حماة وغربي حلب؟ فهل ستوقف أنقرة توحّش الروس أم ستكتفي بإبرام تفاهمات انطلاقاً من الوقائع الميدانية الجديدة وحسب؟
المعركة لا تزال في يومها الأول، ولا شك أن درجة التفاؤل مرتفعة جداً في أوساط جمهور الثورة وخاصة أصحاب المعاناة من المهجرين وساكني الخيام، وهذا حقهم ولا يستطيع أحد لومهم أو المزايدة عليهم، ولكن الذين يتوجسون ويقلقون وتؤرقهم الأسئلة التي لا أجوبة لها، على الأقل في الوقت الراهن، فهؤلاء أيضاً من حقهم هذا التساؤل الذي ينبع من حرصهم على تحاشي الخيبات، وتبقى تساؤلات كثيرة، ربما يمكن تأجيلها، ولكن بكل تأكيد لا يمكن تجاهلها، لعل واحداً منها : دور ومشاركة هيئة تحرير الشام في هذه المعركة، وما أدراك ما (جبهة النصرة).