رحلت أورينت وبقي الأسـد
يحيى الحاج نعسان * – أورينت نت
منذ البداية كنت أخشى كثيراً من قيام ثورة، أو انتفاضة ضد سلطة الأسد في سوريا؛ لأنني دائماً كنت مؤمناً بمسألتين، وما زلت، الأولى: إن السلطة في سوريا مرتبطة عضوياً بإسرائيل، والثانية: في سوريا ليس لدينا أحزاب أو نخب، أو قادة رأي يمكن أن يقودوا الانتفاضة أو الثورة لما فيه خير السوريين في النهاية، مما سيجعل فاتورة الثورة باهظة جداً جداً، وهذا ما حصل ويحصل.
إذاً لماذا وقفت في صف الثورة؟ سؤال أجبت عنه منذ عام 2012، عندما سألني بعضهم في الغوطة الشرقية: “الآن جئت وتركت وظيفتك ومكانك هناك، عندما رأيت نظام وجيش أبو شحاطة ينهار، فأردت القفز من السفينة”، فكان ردي، أن العالم كله وأولهم أمريكا وإسرائيل سيدافعون عن الأسد، ولن يتركوه يسقط.
إذاً لماذا تركت كل شيء وجئت؟ فقلت باختصار كصحفي وكإنسان مسلم، أحمل قيم الدين الحنيف لا أستطيع أن أقف إلى جانب من يقتل أهلي السوريين، وأعتقد أن آلافاً، أو عشرات الآلاف من السوريين مثلي، لم يترك لهم النظام سوى هذا الخيار- نعم، كنت لا أتمنى أن تصل الأمور إلى هنا، ولكن بعد أن أمعن النظام في القصف والقتل، فقد وقع الفأس بالرأس ولا مفر، حتى إني قلت حينها لأبناء الغوطة، وهناك زملاء صحفيون شهود على ذلك: إن النظام لو فعل مع أهلنا المدنيين العلويين ما يفعله اليوم مع السوريين السنّة، لما بقيت في مؤسساته، ووقفت إلى جانب الضحية.
وحتى لا أطيل على القارئ، فإن علاقة كل ما تقدم بالعنوان، هو أني أردت القول: إنه منذ أن عملت بالأورينت في سنواتها الأخيرة، كنت أعلم، أنه سيأتي يوم سترحل فيه الأورينت، ويبقى الأسد، وهذا لا يعني أن الأسد هو المنتصر، أو أنه على حق، فقد رحل عمر المختار رغم أنه على حق، وبقي الطليان غير أنهم لم ينتصروا في النهاية، ولكنهم دمروا الكثير، وهو ما يفعله اليوم نظام الأسد الذي رفع منذ اليوم الأول شعاره المدمر “الأسد أو نحرق البلد”، وهو فعلاً ما حصل ولم ينتهِ بعد، فقد حرقها معارضة وموالاة، وحتى رماديين، مؤسسات وأفراداً وأخلاقاً وعلماً وتعليماً، وكل شيء.
نعم، إنه المستبد، الذي يفسد كل شيء تماماً، كما قال عبد الرحمن الكواكبي، قبل أكثر من مئة عام: “يضغط على العقل فيفسده، ويلعب في الدين فيفسده، ويحارب العلم فيفسده (…)، والغالب أن رجال الاستبداد يطاردون رجال العلم، وينكلون بهم، فالسعيد منهم من يتمكن من مهاجرة دياره”.
زبدة القول: إن أورينت كانت الفضاء الحر لأولئك السوريين الذين هُجّروا من ديارهم، إضافة إلى من بقي في مناطق محاصرة، تحت صواريخ الأسد وبراميله المتفجرة، وكذلك ميليشياته الطائفية، ليوصلوا صوتهم المخنوق إلى العرب والعالم، حالهم كحال أخوتهم في غزة المكلومة اليوم، ولكن يبدو أنه لا أحد يريد أن يسمعهم أو يراهم، كي لا يلوثوا بصرهم وسمعهم بأشلاء وأوصال أطفالنا المقطعة وأرواحنا المنهكة.
ورغم أني اعتقد بأن أورينت كتجربة إعلامية في زمن ثورات الربيع العربي، كان لها أخطاء عديدة، بعضها تم تصحيحه، وبعضها الآخر لا، غير أن أخطاء الصوت الحر تبقى أهون ألف مرة، مما لاقاه ويلاقيه السوريون من استبداد النظام، الذي ما ينفك يرفض الحلول السياسية، وكل القرارات الدولية التي قد تعيد لنا بقايا وطن وأخوة وسلم أهلي واجتماعي.
*مدير موقع أورينت نت سابقاً.
_________________________________________
من مقالات العدد السابع عشر من (العربي القديم) الخاص بتلفزيون أورينت – تشرين الثاني/ نوفمبر 2024