قصتي الجميلة مع أورينت من الشاشة إلى موقعها الصاخب
أحمد صلال – العربي القديم
تلفزيون “أورينت”، ذلك التلفزيون العريق والمتجدد، التلفزيون الذي بدأت علاقتي معه منذ اندلاع الثورة السورية، حينذاك كنت عضواً في لجان التنسيق المحلية، ومنسق عام تنسيقيات الرقة، ثلاث سنوات من عمر الثورة، كانت أورينت متنفساً تحريرياً لأخبار الرقة، الرقة التي كانت لها مظلوميتها البالغة من التهميش، بينما كانت القنوات السورية والعربية تقول إن الحراك الثوري فيها لا يرتقي لسخونة بقية المناطق، كانت الأخبار والفيديوهات عن الرقة يومية، ناهيك عن استضافة ضيوف من الرقة عبر الهاتف والإستديو. ثلاث سنوات من العمل اليومي مع مدة نوم لا تتجاوز بضع ساعات، وأحياناً كثيرة لا يوجد نوم، ولكن كحراك ثوري في الرقة، كنا في قمة السعادة من الخط التحريري، الذي تنتهجه الأورينت مع مدينتنا.
عقب تلك الثلاث سنوات الخيرة، استكتبني الصحافي والناقد السوري محمد منصور في صحيفة “أورينت نت”، منصور الذي كنت قد تعرفت عليه في دمشق، عقب اعتقال سويعات في الخامس من شباط عام 2011 في الاعتصام أمام مجلس الشعب السوري، الذي كنت قد شاركت فيه، وكان هذا اللقاء في بيت حكم البابا .
بدأت قصة جميلة، ليس فقط لأنها نقلة مهنية من وسائل إعلام النظام لضفة أخرى على النقيض تماماً، ولكن من الناحية الشخصية كان رئيس تحرير أورينت نت محمد منصور داعماً أساسياً لي، ومعي في كل خطوة، يعلم ويضبط ويشجع حتى بدأت أحبو. العدد صفر بدأ، وحينها كنت أنتقل بين بيروت والقاهرة وإسطنبول لظروف العمل في الشأن العام السوري، كتبت آنذاك مواد عن السوريين، تغطيات أخبار ومقالات رأي وحوارات، كان يضفي عليها منصور بصمته التحريرية العبقرية، كانت فترة ثلاثة شهور حافلة بمركزيتها وأبعادها الداعمة للثورة السورية.
بعد ثلاثة شهور من خروجي من سوريا، كان يتوجب علي الاستقرار في باريس كون الفيزا الفرنسية شارفت على الانتهاء، شجعت محمد منصور على أن أكون مراسل الصحيفة في باريس، ووافق على ذلك.
باركني الله وحالفني الحظ وتشجيع رئيس التحرير المؤمن باكتشاف الجميل في كل نص يصله، وتعزيز كل ما يمكن تنميته من أفكار خلاقة، واستطعت تسجيل جهد لافت، لم أستطع في كل الصحافة السورية والعربية أن أصل له، حينها كنت لا أنام تقريباً، وكان الحصاد على مدى عقد تقريباً، عشرات من الحوارات مع شخصيات ثقافية وسياسية، وعشرات من التحقيقات، والتغطيات والتقارير والأخبار. ولقد استمعت بالثقة التي أغدقتها أورينت علي، ومكنتني من بلوغ مكانة مهنية مهمة.
لا مجال هنا في المقال لسرد سيرة مهنية طويلة، أو للحديث عن علاقة عائلية جميلة مع موقع (أورينت نت). فلقد أجريت عشرات الأحاديث الحصرية مع صنّاع الحدث، وصنّاع القرار على الصعيد الرئاسي والوزاري، ومنها لقاء مع الرئيس التونسي الأسبق منصف المرزوقي، ومع السفير الهولندي فان دام، ومع المصور السوري العالمي عمار عبد ربه ومع كثر سواهم… ولقد استمتعت بالثقة التي أغدقت (أورينت نت) بها علي، وأظنها فعلت ذلك مع العديد من الصحفيين الشباب، فهناك بحق جيل لم تقدم له أورينت الرعاية الكاملة، بل قدمت لها الفرصة والتشجيع، ومكنته من أن يكون فرداً من أفرادها، في أسرة كانت تتسع يوماً بعد يوم، وكان ينضم لها أسماء بمقدار ما تغادرها أسماء… حاملة معها حالة من الجرأة والإقدام الذي كان يختلط بالتهور أحياناً، والذي كانت تزرعه أورينت في نفس كل من يتعامل معها. وكانت (أورينت نت) واجهة أورينت التلفزيون، وحديقته الخلفية حينا آخر… الحديقة التي غدت نادياً صاخباً للصحفيين، يكتبون ويتشاجرون ويتحاورون في فضاء أفقها التحريري الواسع، وأحياناً التحريضي.
أورينت نت، لها فضل عليّ، لا يمكنني سوى أن أكون في غاية الامتنان لأصحابه. أمضيت عقداً ونيف من عمري في صحيفة، رفعت الرأس عربياً وعالمياً، وكانت دوماً سبّاقة إلى التجدد بمهنية وصدقية عالية… فكلي فخر بأن أمضيت13 سنة كجزء أساسي من عائلة “أورينت”، أتردد عليها، وأغادرها لأعود وأشتاق إليها.
أريد في هذا المقال الذي تحاول فيه (العربي القديم) أن ترسم لوحة لأورينت بألوان وأقلام سورية، مرت على تلك المؤسسة، وكانت جزءاً منها، أن أتوجه بالامتنان وبصورة خاصة، لكل قارئ رافق مسيرتي في «أورينت نت»، وأغدق علي الثقة والتشجيع على الاستمرار في الجرأة والصدقية. فوجود القارئ في أورينت مختلف عما سواها؛ لأن قارئ أورينت هو ابن وطنك السوري، شريكك في التشرد وفي القهر، وفي الهم وفي القضية. لكل قرائي الذين قالوا لي دوماً: ننتظرك كل يوم في (أورينت نت)، أقول: كنتم رصيدي ومرجعيتي وزينتي، وأنا الآن وقد أغلقت المحطة أبوابها، وتوقفت (أورينت نت) عن التحديث اليومي، أنا في غاية التقدير لكم. وسأشتاق لكم كثيراً. سأشتاق إلى اقتران اسمي بصحيفة (أورينت نت).
قرّاء (أورينت نت) مدرسة بحد ذاتها؛ لأنهم من خيرة العقول، وهم يرفعون الفضول إلى عتبة عالية. لقرائي أقول: أنتم من كان لي بالمرصاد خفية، كلما جلست لكتابة سطر أو طرح سؤال لأنكم أنتم ميزان الصدقية التي استحققتها، أو لم أستحقها، كل مرة كتبت فيها مقالاً أو أجريت حديثاً. تواصلي معكم كان لي الحافز، لأتعلم منكم، ولأوصل إليكم ما تتوقعون مني إيصاله من معلومات وتحليل ورأي واستجواب. فلكم كل الشكر يا أعزائي، وأتمنى عليكم أن تتابعوني لتعرفوا أخباري وتخبروني عنكم.
_________________________________________
من مقالات العدد السابع عشر من (العربي القديم) الخاص بتلفزيون أورينت – تشرين الثاني/ نوفمبر 2024