سوريا بين أنياب التقسيم والنداء الأخير لإنقاذ وطن يحتضر
نوار الماغوط- العربي القديم
سوريا، التي كانت يوماً مهد الحضارات، تقف اليوم على حافة الانهيار الكامل. سبعون عاماً من حكم البعث، ونظام استبدادي أحكم قبضته على البلاد، لم يترك مجالاً للتغيير أو الإصلاح. منذ استيلاء حزب البعث على السلطة، تحول الوطن إلى سجن كبير، حيث قُمعت الأصوات المعارضة بوحشية، وتغلغلت الأجهزة الأمنية في تفاصيل حياة المواطنين، مما رسّخ ثقافة الخوف وأسّس لنظام لا يقبل الشراكة أو التعددية.
وعندما اندلعت ثورة الشعب السوري، التي طالبت بأبسط حقوق الكرامة والحرية، كان رد النظام عنيفاً إلى حد لا يمكن وصفه. بدلاً من الاستماع إلى مطالب الشعب، اختار الطريق الأكثر تدميراً، مستخدماً القصف والحصار والاعتقال كأسلحة لإخماد أي صوت معارض. هذا النهج الوحشي لم يقتصر على الداخل السوري فقط، بل فتح الباب لتدخلات خارجية وأدى إلى تدمير البنية التحتية، تهجير الملايين، وتحويل سوريا إلى ساحة صراع دولي لا نهاية له.
إن الكارثة الإنسانية التي تعيشها سوريا اليوم هي نتيجة مباشرة لعقود من القمع والاستبداد، وسياسة القوة التي فضلت سحق الشعب بدلاً من الحوار معه. والآن، يقف الوطن على مفترق طرق، حيث يحوم شبح التقسيم فوق أرضه، بينما تستمر معاناة السوريين بلا نهاية واضحة.
نداء لإنقاذ وطن يحتضر
سوريا ، تواجه اليوم واحدة من أخطر التحديات في تاريخها الحديث. ليس فقط بسبب الحرب المستمرة منذ أكثر من عقد وما خلفته من مآسٍ إنسانية، بل لأن مستقبلها بات معلقاً بخيوط رفيعة تهدد بتقسيمها إلى كيانات متناحرة، تعكس صراع القوى الإقليمية والدولية أكثر مما تعبر عن مصالح أبنائها.
إن الحديث عن تقسيم سوريا إلى ثلاث دول أو أكثر لم يعد مجرد تكهنات سياسية أو تخويفاً إعلامياً. بل هو خطر واقعي يتجلى في الخرائط السياسية المطروحة، وفي غياب أي إرادة واضحة لتوحيد الجهود من أجل حل شامل ينقذ ما تبقى من الدولة السورية. هذا السيناريو، إذا تحقق، لن يكون مجرد نهاية للكيان السوري الموحد، بل بداية لمرحلة جديدة من النزاعات المزمنة، التي لن تقتصر على الداخل السوري، بل ستمتد إلى دول الجوار، مع ما يعنيه ذلك من تداعيات كارثية على المنطقة بأسرها.
لا يمكن إنكار أن الأزمة السورية باتت معقدة للغاية، وأن أسبابها لم تعد محلية فقط. التدخلات الخارجية، صراعات النفوذ، وغياب أي رؤية مشتركة بين القوى الدولية المؤثرة في الملف السوري، جميعها عوامل أسهمت في استمرار المعاناة وتعميقها. لكن رغم هذا التعقيد، يبقى الحل السياسي هو الخيار الوحيد الممكن لإنقاذ سوريا من مصير التقسيم.
خارطة طريق واضحة
إن القرار الدولي 2254 يمثل خارطة طريق واضحة للخروج من الأزمة، لكنه يتطلب إرادة سياسية حقيقية من جميع الأطراف، وخاصة من القيادة السورية، التي تتحمل المسؤولية الأكبر في هذه المرحلة. إن قبول هذا القرار وتنفيذه بحسن نية يمكن أن يفتح الباب أمام مرحلة جديدة تعيد لسوريا بعضاً من استقرارها المفقود. لكن أي حل سياسي لن يكون ذا معنى دون خطوات فعلية تعيد الثقة إلى الشارع السوري.
أول هذه الخطوات هي إنهاء الملاحقات الأمنية بحق المواطنين، التي حولت حياة السوريين إلى خوف دائم، وأصبحت أحد الأسباب الرئيسية لفقدان الثقة بين الشعب والدولة. الإفراج عن السجناء السياسيين هو أيضاً مطلب أساسي، ليس فقط لأنه حق إنساني، بل لأنه يشكل خطوة ضرورية نحو بناء مصالحة وطنية شاملة.
إن معاناة اللاجئين السوريين في المخيمات هي جرح نازف في الجسد الوطني. عودة هؤلاء إلى بيوتهم يجب أن تكون أولوية، ليس فقط لأنها تعيد لهم كرامتهم، بل لأنها تساهم في إعادة بناء المجتمعات المحلية المدمرة. لكن هذه العودة لن تكون ممكنة إلا بضمانات حقيقية للأمن والاستقرار، وهو ما يتطلب حلاً جذرياً للمشكلة الأمنية في البلاد.
تفكيك الأجهزة الأمنية
لا يمكن الحديث عن استعادة السيادة الوطنية دون تفكيك الأجهزة الأمنية التي أصبحت عبئاً على المواطن والدولة معاً، ودون سحب جميع الميليشيات الأجنبية التي حولت سوريا إلى ساحة حرب بالوكالة. هذه الخطوات ليست مجرد مطالب سياسية، بل شروط أساسية لأي تسوية يمكن أن تحقق الاستقرار على المدى الطويل.
قد يبدو المشهد قاتماً، لكن الفرصة لإنقاذ سوريا لا تزال قائمة. تحقيق ذلك يتطلب شجاعة سياسية من القيادة السورية، ودعماً حقيقياً من المجتمع الدولي الذي عليه أن يتجاوز خلافاته ومصالحه الضيقة، ويركز على إنقاذ وطن بأكمله من الانهيار.
سوريا اليوم بحاجة إلى صوت العقل، إلى قيادة تدرك أن الحفاظ على الوطن يتطلب تنازلات مؤلمة، ولكنها ضرورية. ليس هناك انتصار في حرب يدفع ثمنها شعب بأكمله. الانتصار الحقيقي هو في استعادة السلام، والوحدة، والكرامة لكل سوري. العالم كله يراقب، والتاريخ لن يرحم أحداً.