يوحنا العاشر: بطريرك الكنيسة الأنطاكية أم بطريرك الأسد؟
فارس حلو من أوائل الموقعين على البيان وعلى صفحته في فيسبوك كتب: "الرعية الأرثوذكسية تثور على راعيها الانتهازي".
سيلفا كورية – العربي القديم
تصدّر اسم البطريرك يوحنا العاشر بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس المشهد السوري في الأسبوع الأخير لاسيما بعد بيان حركة التغيير الأنطاكي المطالب إياه بالتنحي لفقدانه الشرعية الروحية والشعبية كما يقولون.
الشارع المسيحي انقسم الى ثلاث فئات، البعض سارع للانضمام والتوقيع فور نشر البيان على منصة آفاز حيث تجاوز عدد الموقعين سبعمائة إلى الآن والعدد في تزايد مستمر، بينما تولت صفحات كثيرة على الفيسبوك مهمة الدفاع عن شخص البطريرك معتبرين أنه مستهدف لتشويه سمعته بعد العظة التي ألقاها في الكنيسة المريمية بدمشق صبيحة الأول من العام الجديد.
فريق ثالث وقف ضد البيان منطلقين من وجهة نظر تقول “على الرغم من عدم الاتفاق مع شخص البطرك يوحنا ومواقفه قبل وخلال وبعد الثورة لكن اللحظة الراهنة حساسة جداً وليس من المناسب التعرض للرموز الدينيةK فربما تكون النتيجة إسقاط الكنيسة لا إسقاط الأشخاص فقط”.
انتخاب قانوني أم باطل؟
بعد رحيل البطريرك أغناطيوس هزيم في أواخر عام 2012، انعقد المجمع المقدس لاختيار من سيخلفه، وحسب المادة ٣٢ من النظام الداخلي للكنيسة يشترط على من سيتولى سدة الرئاسة البطريركية أن يكون عضوا في المجمع المقدس لمدة لا تقل عن خمس سنوات
الشرط الذي كسره مطران فرنسا يومها هاني يازجي الذي سيصبح اسمه فيما بعد يوحنا العاشر معلناً ترشحه على الرغم من وجود ثلاثة مرشحين مستحقين للمنصب أحدهم شقيقه المطران بولس (المخطوف إلى يومنا هذا).
يستند بيان حركة التغيير الانطاكي على هذا الخرق معتبرين أنه وصل إلى الكرسي الأنطاكي بطريقة غير مستحقة مدعوماً من المخابرات السورية التي اختارته بالاسم لهذه المهمة.
يقول الدكتور وديد سلبود: كان بشار الأسد يحتاج إلى شخصية مسيحية تدعم نظامه مع تأجج الثورة السورية فوجد فيه الشخص المطلوب فجاءت تعليمات القصر الجمهوري بضرورة تعيينه، انسحب اثنان من المرشحين هما مطران حلب بولس يازجي ، ومطران أبرشيه حوران سابا إسبر، وقام أعضاء المجمع المقدس السوريون بأغلبيتهم بإعطائه أصواتهم بعضهم خوفاً والبعض تواطؤاً لقطع الطريق أمام المرشح الثالث المطران أنطونيوس شدراوي اللبناني. تم الاستهتار بالقانون الكنسي وخرقه ببساطة يضيف الدكتور سلبود: هو باطل وغير قانوني.
علاقات متباينة وحفل تنصيب
لم تكن علاقة البطريرك الراحل اغناطيوس الرابع هزيم مع آل الأسد علاقة انبطاحية بل على العكس تماماً، فبطرك العرب كما يسمى حفظ إرث الكنيسة الانطاكية بقوة شخصيته وانفتاحه وتوازن علاقته مع القادة السياسيين، وفي الموروث الدارج على لسان رعيته يحكى أنه هدد يوماً حافظ الأسد بنقل كرسي البطريركية من دمشق الى بيروت إذا استمرت المخابرات بالتضييق عليه وفرض العظات الدينية.
توفي البطرك عن عمر تجاوز التسعين في دير البلمند الذي أسسه في لبنان معتكفاً وعازفاً عن المشاركة بأي تصريح يخص الثورة السورية ومغضوباً عليه من قبل بشار الأسد.
تشير المعلومات المتوفرة أن علاقة البطرك الحالي مع عائلة الأسد نشأت من زمن توليه رئاسة دير مار جرجس الحميراء، حيث جمعته علاقة شخصية بداية مع أسماء الأسد التي كانت تتردد كثيراً لزيارة الدير مع أولادها.
في شباط 2013 تم تنصيب البطرك الجديد في ظل إجراءات أمنية مشددة حيث كانت البلاد تغلي، قناصة اعتلوا كنيسة الصليب في دمشق والأسطح المجاورة، وتم تفتيش المدعوين بشكل دقيق.
تنصيب حضره ممثل شؤون الرئاسة يومها منصور عزام ونائب وزير الخارجية فيصل مقداد، ليقوم بشار الأسد فيما بعد باستقبال البطرك الجديد في قصره مهنئاً له.ومنذ ذلك التاريخ ارتفع صوت الكنيسة في خدمة رواية الأسد حامي الأقليات وتوالت التقارير الصحفية في وسائل الاعلام المحلية والغربية ومن أبرزها الصور من الكنيسة المريمية في دمشق لبشار الأسد وبوتين يتوسطهم يوحنا العاشر.
عظة السنة الجديدة والملفات الشائكة
غبطة البطريرك يوحنا العاشر مع وفد الائتلاف الفاقد للشعبية: التم المتعوس على خايب الرجاء!
في صبيحة اليوم الأول من السنة الجديدة ترأٍس يوحنا العاشر قداس العيد، وألقى عظة هنأ فيها أحمد الشرع قائد الادارة الجديدة، مطالباً إياه بزيارة الصرح البطريركي منوهاً أنه لم يتلق بعد أي دعوة لحضور الحوار الوطني، ليتوالى ظهوره مرة مستقبلاً وزراء الخارجية الفرنسية والألمانية، ومرة وفد الائتلاف الوطني وثالثة مع ممثلي الطائفة الشيعية، تحالفات أثارت ردود فعل بين مرحب بها معتبرين ما يقوم به البطرك بادرة إيجابية في ظل تخوف كثير من المسيحيين من إدارة اللون الواحد ورغبتهم بالانخراط والمشاركة في مستقبل البلاد وألا يكونوا مهمشين، وبين من اعتبرها تحركات غير بريئة الأمر الذي دفع بالكثيرين لفتح الباب للحديث عن ملفات قديمة.
المحامي ميشيل شماس كتب يقول: من المعيب هذه التحالفات معتبراً أنه لا يحق لمن صمت عن جرائم بشار الأسد أن يطالب بتمثيل المسيحيين، بل هي محاولات للحفاظ على المكانة واستقواء بالغير، متسائلاً: ” ماذا فعل البطرك إزاء تغلغل الإيرانيين في أحياء باب توما وباب شرقي وشرائهم بالترغيب أو الترهيب بيوت المسيحيين؟
أما بسام معلوف فأكد على ضرورة الإطاحة بالإكليروس المتورطين مطالباً الإدارة الجديدة بعدم تعهيد شوون المسيحيين للسلطات الروحية بل للمجتمع المدني المسيحي المطالب بالمواطنة والحقوق المتساوية مع باقي السوريين.
الفنان فارس الحلو الذي كان من أوائل الموقعين على البيان وعلى صفحته في فيسبوك نشر يقول: “الرعية الأرثوذكسية تثور على راعيها الانتهازي”.
ملف التبرع لميليشات الأسد
وفي ظل الانقسام في الآراء تبرز ملفات كثيرة قد يكون من أبرزها ملف الأموال التي وصلت إليه من منظمات يمينية مسيحية وتم التبرع بها إلى ميلشيات دعمت الأسد، اتهامات لا يمكن لهذا التحقيق تأكيدها أو نفيها، لكن التقارير الصحفية السابقة تشير ‘لى علاقة واحدة مؤكدة مع نائل عبد الله أحد أمراء الحرب المحليين، الذي تم تكريمه عدة مرات من قبل وزارة الدفاع الروسية وتقليده وسام الإخلاص والشجاعة في محاربة الإرهاب عامي 2018 و 2021.
قائد الدفاع الوطني هذا برز اسمه بعد إنشائه كنيسة حملت اسم آيا صوفيا على قطعة أرض تبرع بها في مدينة السقيلبية بحماة، كانت ساحة الكنيسة تحوي تمثالاً لعسكري بالعتاد الكامل وعلى جدرانها الخارجية ارتفعت صورة ضخمة لكل من بشار الأسد وفلاديمير بوتين، إلى جانبهم البطريرك يوحنا العاشر، في سابقة تتناقض مع القيم الكنسية الداعية للسلام.