أين أخفى نظام الأسد الفنان زكي كورديللو ونجله؟
منع من دخول مبنى التلفزيون قبل أن تنقلب حياته رأسا على عقب ويختفي تاركا وراءه زوجة طرقت كل الأبواب
عادل العوفي – العربي القديم
بعد انعتاق الشعب السوري من النظام المستبد الجاثم الكاتم على أنفاسه منذ عقود، والهبة الشعبية المنتظرة نحو السجون والمعتقلات حيث أميط اللثام عن مآسٍ يندى لها الجبين، تكشف بجلاء خسة ووضاعة القابضين على زمام الأمور في البلد المنكوب؛ توالت القصص والحكايات عمّن قضى زهرة شبابه في أقبية التعذيب، ومنهم من قضى نحبه ويصر أهله على معاينة ما بقي من ذكريات وراءهم، حتى لو كانت مجرد صياغة أسماءهم على جدران السجون المظلمة.
ولعل من القصص التي توجهت لها الأنظار وشخصيا نبشت وبحثت عن الخبر السار المنتظر حولها ولا من اثر لحدود اللحظة ؛ والامر هنا يتعلق بالفنان زكي كورديللو ونجله مهيار الذي اعتقل بتاريخ الحادي عشر من آب/ أغسطس سنة 2012 برفقة شقيق زوجته عادل صادق برازي وصديقه إسماعيل حمودة في مداهمة امنية لمنزله في العاصمة دمشق ومنذ ذلك التاريخ انقطعت أخبارهم كليا .
وزكي كورديللو فنان مميز له باع طويل في مجال المسرح تحديدا ؛ ويصنف بأنه أحد من حفظوا مسرح “خيال الظل” بعد جيل الرواد، وقد ساهم بشكل كبير في حماية هذا الإرث الفني من الاندثار مواصلا على طريق استاذه الراحل عبد الرزاق الذهبي الذي حمله أمانة حفظه من الضياع حيث طور الدمى والأدوات وابدع بنصوص جديدة مواكبة للمسرح الحديث ؛ واصر على زكي على نشر هذا التراث بين الأطفال والأجيال الجديدة عبر سلسلة ورشات وعروض متنقلة جاب خلالها القرى والمناطق النائية المنزوية مخلصا لهذا الطريق الصعب الشائك .
لم يكن زكي مكترثا للأضواء كما يفعل الكثير من زملائه وظل وفيا لرسالته الفنية الصادقة ودفع ثمن إيمانه بمبادئه غاليا بداية من تهميش موهبته الفذة في القطاع الذي يفضي للشهرة والانتشار والمقصود هنا بالطبع التلفزيون حيث اقتصرت مشاركته على أدوار لا تعكس حجم مخزونه المذهل الذي تابعه الجمهور في أبي الفنون وحتى على مستوى الدوبلاج .
وحين اندلعت شرارة الثورة كان من المنطقي لشخصية صريحة لا تحب السكوت عن الظلم الاصطفاف في خندق الحق وعكس العديد من زملائه الذين يحملون لواء “المشي جنب الحيط” لم يهادن زكي ولم يخفي قناعاته وانتقد فظاعة الجرائم التي ترتكب بل وانخرط في العمل الإنساني بشتى الطرق الممكنة؛ ومنع من دخول مبنى التلفزيون قبل أن تنقلب حياته رأسا على عقب ويختفي تاركا وراءه زوجة طرقت كل الأبواب من اجل الوصول لخبر واحد عن مصير شريك حياتها وفلذة كبدها الذي كان طالبا في المعهد العالي للفنون المسرحية قبل ان تهدم كل الاحلام في وجهه في ليلة واحدة .
المؤكد أن قضية الفنان زكي كورديللو ونجله بحاجة لجهود إعلامية اكبر للبحث عن مصيره المجهول حتى بعد انهيار النظام المجرم ؛ حيث مازال الغموض يكتنفها وعشرات الأسئلة تدور في مخيلة أسرته ومحبيه؛ هل مازالوا على قيد الحياة ام تم التخلص منهم كما فعلوا مع الالاف غيرهم في السجون المنتشرة في كل بقاع البلد؟
كما يتم الاحتفاء اليوم بالفنانين الثائرين في وجه الديكتاتورية وعادوا محملين على الأكتاف لدمشق؛ لابد من مضاعفة النداء لمعرفة مصير هذا الفنان المبدع صاحب المواقف المشرفة الذي جاهر بالحقيقة وسط غابة من الوحوش الضارية ولم يغادر تراب بلده وفضل المواجهة وجها لوجه ووضع النقاط على الحروف دون مواربة؛ لذلك وكي تصبح الفرحة فرحتين لابد من إنصاف الرجل وتحويل قضيته لقضية رأي عام كي تكشف كل الملابسات وبالتالي إعطاء كل ذي حق حقه .
ختاما خلال مواكبتي الشخصية للثورة السورية منذ صرحة درعا الأولى وتوثيق حوارات مع شخصيات فنية رفضت الإذعان للظلم، هناك الكثير من القصص البطولية الجديرة بأن تروى وتنصف أصحابها الذين كابدوا عراقيل جمة، سواء بالخروج من سوريا وحتى التأقلم مع قساوة الغربة وغيرها من التفاصيل الأخرى؛ وسيأتي الوقت لسردها كلياً.
بانتظار الخبر المفرح عن الفنان زكي كورديللو وابنه مهيار..