العربي الآن

 أسلوب الهيئة في التعامل مع الخصوم بين تجربة إدلب وحكم سوريا

يبدو أن الهيئة تعيد تطبيق أسلوبها السابق ولكن على مستوى سوريا بأكملها.

جميل الشبيب – العربي القديم

لم أتفاجأ كثيراً بإعلان العفو العام الذي أصدره قائد العمليات العسكرية أحمد الشرع. كسوري من إدلب، غادرت البلاد في عام 2020، وعشت جميع الصراعات التي خاضتها هيئة تحرير الشام ضد خصومها قبل مغادرتي سوريا، بدءًا من معاركها ضد “جبهة ثوار سوريا” وانتهاءً بمعاركها ضد “الجيش الوطني” على تخوم عفرين. أصبحت على دراية كافية بأسلوب الهيئة الذي يتكرر بعد كل انتصار تحققه على الفصائل التي كانت نِدّاً لها.

أسلوب الهيئة: الوقت كعامل حاسم

يمكن اختصار أسلوب الهيئة في تعاملها مع خصومها بعد النصر بالاعتماد على “الوقت يعالج الحدث والتدريج خير من الاستعجال”. فعند كل اقتتال، كانت أصوات الإعلام والعامة تعلو بالتذمر والانتقاد والامتعاض من الاقتتال بين أبناء القضية الواحدة، هذا القتال الذي غالباً ما كانت الهيئة تقف وراءه. وبعد لحظة النصر مباشرة، كانت الهيئة تبادر إلى طمأنة الناس والعناصر بأن ما جرى كان ضرورة لمصلحة الأمة، وأن الأمور قد انتهت ولن تكون هناك توابع أو ملاحقات.

لكن ما إن تمضي الأيام والأسابيع حتى تبدأ مذکرات القضاء بالوصول إلى العناصر والشخصيات التي عارضت الهيئة، او دعمت الفصيل الذي حاربته، يليها تنفيذ دوريات أمنية مداهمات لاعتقال المطلوبين. كان هذا الأسلوب يهدف إلى التعامل التدريجي مع الخصوم، لتجنب أي ردود فعل مباشرة، وللتحكم الكامل بالساحة دون خلق حالة فوضى فورية.

استراتيجية مكررة

اليوم، يبدو أن الهيئة تعيد تطبيق أسلوبها السابق ولكن على مستوى سوريا بأكملها. بعد إعلان العفو على من لم تتلطخ يداه بدماء السوري، والعمل بلغة التسامح التي روجت لها الإدارة الجديدة، باشرت دوريات الأمن العام بملاحقة كل من له صلة بالنظام السوري، مستخدمة الأسلوب التدريجي نفسه. فالمرحلة الحالية تقتضي جمع عناصر النظام الذين ارتكبوا جرائم بحق السوريين، وخاصة أولئك الذين لم يخضعوا للتسوية التي أعلنت عنها الإدارة.

الجدل حول الأسلوب

بالرغم من ذلك، فإن هذا الأسلوب لا يحظى برضا جميع الأطراف. البعض يطالب بحملات أمنية أكبر وأكثر شمولاً ضد فلول النظام، بينما تشعر بعض الطوائف بأنها مستهدفة بشكل خاص وتطالب بوقف هذه الحملات وإصدار عفو أوسع.

لكن الإدارة العامة والهيئة تعملان على طمأنة المدنيين من جهة، ومتابعة عملهما في القبض على مجرمي النظام السابق من جهة أخرى، في محاولة لتحقيق توازن دقيق بين الحفاظ على الأمن والاستقرار، وتلبية تطلعات الأطراف المختلفة.

وفي النهاية، يبقى أسلوب الهيئة في التعامل مع خصومها قائماً على مبدأ “التدرج واختيار التوقيت”، وهو ما يبدو أنه يتكرر اليوم في سياق أوسع على مستوى سوريا. ولعل نجاح هذه السياسة سيعتمد على قدرة الهيئة على تحقيق الأمن دون إثارة المزيد من الانقسامات أو فقدان ثقة المدنيين سواء ممن ينشدون تطبيق العدالة فورياً، أو ممن ينتظرون طي صفحة الماضي نهائياً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى