من أهل الخيام إلى السوريين في كل مكان: خطاب الشرع يختصر الطريق إلى المستقبل
لم يكن خطاب الشرع مجرد كلام، بل كان إعلاناً عن مرحلة جديدة، حدد فيها الأولويات بوضوح
بلال الخلف – العربي القديم
“أحدثكم كخادم، وليس كحاكم.” بهذه الكلمات افتتح الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، خطاباً استثنائياً، لم يتجاوز خمس دقائق وثلاث عشرة ثانية، لكنه حمل في طياته ما لم تستطع خطابات الأسد الطويلة والمتكررة أن توصله في عقدين من الزمن. كان خطابًا بلا لف ولا دوران، بلا نظريات مؤامرة ولا أوهام الانتصارات الزائفة، بل حديثًا مباشرًا إلى السوريين في كل مكان، من أهل الخيام والنازحين، إلى من شُرّدوا في أصقاع الأرض.
التحرر الحقيقي… لمن يعود الفضل؟
“تحررت سوريا بفضل الله أولاً، ثم بفضل كل إنسان ناضل في الداخل والخارج، كل إنسان ضحى بروحه ودمه، ومنزله وماله، وأمنه وأمانه.”
بهذه العبارة، وضع الشرع النصر في موضعه الصحيح، بعيداً عن الزيف والاستعلاء. لم يقل كما قال الأسد الهارب يوماً: “سوريا لمن يستحقها، وليس لمن يحمل جنسيتها”. لم يمنح نفسه البطولة، ولم يجعل الوطن ملكية شخصية، بل أعاد الفضل إلى من دفعوا الثمن الأغلى: الشهداء، المعتقلون، المعذبون، والمفقودون، وأهاليهم الثكالى.
على النقيض، كان الأسد يقف في قصره ليخاطب شعباً يعاني الجوع والبرد، مكرراً كلماته عن “الصمود”، بينما كان السوريون يسقطون تحت القصف أو يموتون في السجون. أما الشرع، فخاطب السوريين بلغة مختلفة: “تحررت سوريا بالشهداء، والمعتقلين والمعتقلات، والمعذبين والمعذبات، والمفقودين والمفقودات، وجميع أمهاتهم الثكالى وأهلهم المكلومين. بسبب تضحياتهم وتضحياتكم جميعاً أقف هنا اليوم، لنفتح معاً فصلاً جديداً في تاريخ بلدنا الحبيب.” ثمة اعتراف بالبشر العاديين الذين لم يكن الأسد يراهم أبداً.
خطاب الإنجاز لا الاستعراض
لم يكن خطاب الشرع مجرد كلام، بل كان إعلاناً عن مرحلة جديدة، حدد فيها الأولويات بوضوح:
• تحقيق السلم الأهلي من خلال عدالة انتقالية تلاحق المجرمين، سواء كانوا مختبئين داخل البلاد أو فروا خارجها.
• إتمام وحدة الأراضي السورية تحت سلطة واحدة، بعيدًا عن التقسيم والميليشيات.
• بناء مؤسسات قوية قائمة على الكفاءة والعدل، لا على الفساد والمحسوبية.
• إرساء اقتصاد متين يعيد لسوريا مكانتها، ويوفر فرص عمل كريمة، ويستعيد الخدمات الأساسية.
كل هذا في خطاب قصير مباشر، بلا حشو ولا تكرار، خلافًا لخطابات الأسد التي كانت تمتد لساعات، يدور فيها حول نفسه، يكرر العبارات ذاتها بطرق مختلفة، وكأن الشعب مطالب بالبقاء مستمعًا حتى يملّ وينسى أصل الحديث.
دعوة للعمل… لا للشعارات
في النهاية، كانت رسالته واضحة: “يا أبناء سوريا الحرة، بناء الوطن مسؤوليتنا جميعًا، وهذه دعوة لجميع السوريين للمشاركة في بناء وطن جديد، يُحكم فيه بالعدل والشورى.”
ثم ختم بجملة تحمل الأمل: “معاً، سنصنع سوريا المستقبل، سوريا منارة العلم والتقدم، وملاذ الأمن والاستقرار.”
كانت خمس دقائق كافية ليشعر السوريون بأن زمن الاستبداد قد انتهى، وبأن زمن الشعارات الجوفاء قد ولى، وأن سوريا أخيراً بدأت تتحدث بلغة الفعل، لا الوهم.