نص لأسامة أنور عكاشة بتوقيع خالد يوسف: فيلم “الإسكندراني” صراع الهوية والمدنَية
الصراع حول هوية مدينة الإسكندرية بموازاة خلطة التمسك بالمبادئ هاجس في دراما الراحل أسامة أنور عكاشة
عن قصة وسيناريو وحوار الراحل أسامة أنور عكاشة وإخراج خالد يوسف وبطولة أحمد العوضي، لقاء كان ينتظره عشاق السينما المصرية بالتخصيص والعربية بالعموم، إنها تفترض نفسها وجبة سينمائية دسمة ستعلو معها الأصوات في قاعات السينما علواً وهبوطاً. خالد يوسف الذي بقي يعتز طويلاً بكونه تلميذ للراحل يوسف شاهين، الذي أهدى العمل لروحه، ليصبح نفسه أستاذاً لمخرجين شباب جدد… ونص لأسامة أنور عكاشة نجم الكتابة الدرامية المصرية الراحل الذي أثرى الدراما التلفزيونية بروائعه بدءا من (الشهد والدموع) و(الراية والبيضا) و(قال البحر) وليس انتهاء بـ (ليالي الحلمية).
القيمة والمادة والهوية
تتناول القصة والسيناريو والحوار؛ قصة الشاب بكر(أحمد العوضي) الوكالة الشعبية لبيع السمك هي الحلبة من الصراع والتمرد تتالى اللكمات العائلية والاجتماعية والاقتصادية مع أبيه علي الإسكندراني (بيومي فؤاد) يرفض الأخير منح ابنه مبلغ من المال، ليشق طريقه بنفسه في التجارة فيقوم الثاني بسرقة المبلغ من خزنة الوكالة، وما زاد الطين بلة أن التجارة باءت بالفشل، وما كان من والده سوى تأديبه بالصفع والتهزيء أمام أهالي الحي، فيقرر برفقة صديقه زكي (عصام السقا) الهجرة إلى أوروبا، تاركاً خلفه خطيبته قمر (زينة) ويطول غيابه عشر سنوات تتغير خلالها الكثير من الأمور.
تتحرك كاميرا الفيلم في كوادر البدايات لتعرفنا على نجم أهل الحي علي الإسكندراني وابن أخيه يونس (محمود حافظ) الذي يعتبر مساعده، ويده اليمنى، ويدير أمور الوكالة، بينما يتفرغ هو لأحزانه ووجعه وألمه وقهره مع فسحة أمل تأتي من مكالمة هاتف يبلغ فيها بكر يونس أنه عاد لمصر، فتعم الأفراح.
عاد بكر غنيا وواصل صدامه مع والده الذي يتمسك بمبادئ سياسية ترفض تغيير معالم وهوية مدينته التي تربى فيها، ليقرر الابن شراء المحال والبيوت القريبة من متجر والده بأمواله، وهنا يبرز الصراع حول القيمة والمادة والهوية.
هناك خيط آخر للصراع بين بكر وابن عمه (يونس) ويجسد دوره الفنان محمود حافظ حول الفوز بقلب الفتاة الجميلة (قمر) وتؤدي دورها الفنانة زينة ورغم حبها لبكر إلا أن يونس نجح في الزواج منها وأنجب طفلا أسماه علي وهو اسم والد بكر كي يتودد إلى عمه أكثر، في إشارة إلى أن قطاعا من المصريين لم يكن لديهم الترحيب الكامل بفكرة الانفتاح الاقتصادي، وارتكنوا إلى ما كانوا يعيشونه من واقع في هذا التوقيت.
غياب الكيمياء والهارموني
إن الهاجس المرعب والمحفز في نفس الوقت-لأي ممثل تأتيه الفرصة أن يكون هو البطل الأوحد أمام الكاميرا، مثلما كان الحال عليه مع أحمد العوضي في”الإسكندراني”؛ أن يفكر بما سيقدمه وبأنه ربما تكون هي المرة الأخيرة.
إن العوضي في هذا العمل لا يحمل لا عقلاً ولا موهبة يديرها رغم أنه يمتلك حضورا وكاريزما بالطبع واسماً مما قد يحقق للفيلم الإيرادات، وهو برأيي لا يملك شيئاً من الالتزام بقراءة حساسية العلاقة بين الدراما والجمهور في عصر جديد ومختلف، خارج كونه “مفتول العضلات” وهو هنا على الأقل لا يخرج عن سكة أحمد السقا وباشا مصر أمير كرارة وبلطجة محمد رمضان في سباق “أكشنة” و”أمركة” السينما المصرية. العوضي قدم وجبة من فرط العنف والكثير من المشاهد التي قد تثير حفيظة المشاهد المصري بالتخصيص والعربي بالتعميم.
العوضي حضوره خافت مع بطلة غير جذابة جداً، لا توجد كيمياء بينه وبينها مما يمكن أن يملأ معها المشهد والكادر السينمائي الخلاق بمشاعر ودلالات، إذ ليس هناك شيء يمكن الحدس به وأنت تشاهد العوضي ولا شيء بين منعطفات الحكاية يستطيع النهوض به وأنت تراقب الهارموني المفقتد في تلك العلاقة.
الصراع حول هوية مدينة الإسكندرية بموازاة خلطة التمسك بالمبادئ… موضوع قديم في دراما الراحل أسامة أنور عكاشة… يعبر به خالد يوسف إلى أزمان وعصر جديد، لكنه برأيي لا يأتي بجديد مضاف سينمائيا لا للمخرج ولا لأسامة أنور عكاشة التلفزيوني الأصل والهوى، والمتعثر في السينما.