العربي الآن

صديقات الشمس في منبج

لا تستطيع أعتى إيديولوجيات العنف تبرير هذا التفجير الإرهابي الجبان

مصطفى عبد الوهاب العيسى – العربي القديم

أمهات فقيرات يُلخِصن تعقيدات هذا الكون بضحكاتٍ بريئة تُخفيها ملافعهن، وقلوبٍ طيبة تُبديها بساطتهن، ولم يكن أمامهن سوى السعي وراء لقمة العيش بشرف وتعب يوفر لأطفالهن أدنى مقومات الحياة الإنسانية.

لم تكن شهيدات منبج مقاتلات عسكريات، ولم يعرفن يوماً ما هي السياسة، ولا علاقة لهن بطموح الإعلاميات وفضول الصحافيات، ولا يشغل بال إحداهن سوى القوت اليومي الذي يضمن لهن آخر النهار وجبة غذاء مع العائلة، وسقف أحلامهن الصغيرة لا يتجاوز أثواباً جديدة لشهر رمضان الذي لم يكتب الله لهن صومه في هذه الدنيا.

لا تستطيع أعتى إيديولوجيات العنف تبرير هذا التفجير الإرهابي الجبان الذي يتَّمَ الأطفال، وزرع الخوف والقهر والحزن بقلوب المساكين في وقتٍ يُحاول فيه الجميع النهوض بالمجتمع، وتخفيف تبعات الحرب الطويلة بالحب والعمل.

مهما بحثنا في المراجع، ومهما تابعنا وقرأنا عن المؤتمرات التي تُعرِّف الإرهاب وأشكاله، ومهما أقمنا من ندوات، وأياً كان مشربُ المثقف وأسلوب الكاتب في طرحه لمعاداة هذه الوحشية، فإننا لن نكون أبلغ في إيصال الحقيقة بإيجاز من حادثة همجية كهذه التي راح ضحيتها صديقات الشمس اللواتي خرجن من بيوتهن في البرد القارس لمحاربة ظروف الحياة القاسية بالمجارف والفؤوس.

لا بُدَّ أن تتضافر الجهود، وتتعاون جميع القوى على الأرض لكشف ملابسات هذا التفجير الإرهابي، وملاحقة مُرتكبيه ومُنفذيه، ومعرفة الداعمين لهم والمستفيدين من أفعالهم الإجرامية الساعية لتهديد السلم الأهلي، وبث الفرقة وإثارة النعرات الطائفية والعرقية، وزعزعة الاستقرار والأمن، ولا بُدَّ أن تتعاون جميع الجهات التي استنكرت الحادث الإرهابي، وتتكاتف مع بعضها بعضاً بغية تحقيق العدالة لذوي الفلاحات والعاملات بأسرع وقت ممكن دون تسويف أو تهاون في ذلك، ويجب أن تكون الجهات المختصة ومنظمات المجتمع المدني على قدر المسؤولية التي تفرض عليهم توفير تكاليف الدفن والعزاء والعلاج للمصابين بشكل إسعافي عاجل، فضلاً عن التعويض المادي والمعنوي للأسر المتضررة، وبشكل خاص الدعم النفسي للأطفال ومساعدتهم على بدء مرحلة التعافي من الألم، وخوض حياة جديدة كلها أمل.

صديقات الشمس في منبج شهيدات نبيلات كتبن بدمائهن الطاهرة فصلاً آخر من فصول المأساة السورية، ونعل حذاء مطاطي رخيص لإحداهن سيبقى أعلى قدراً ومكانةً من خسة ونذالة الفاعل الجبان.

زر الذهاب إلى الأعلى