الرأي العام

هل نجح الحوار الوطني السوري؟!

مصطفى عبد الوهاب العيسى – العربي القديم

من الطبيعي أن تتجه الشعوب حين تضع الحرب أوزارها ، وبعد انتصار ثوراتها الشعبية إلى الحوار الوطني الذي يعد الحل الوحيد لإعادة بناء الدولة بشكلها الجديد ، وتحقيق الاستقرار السياسي من خلال إشراك مختلف القوى في رسم المرحلة الانتقالية التي تحدد هوية ومستقبل البلاد ، وعليه فقد كان بديهياً أن تُعلن دمشق قبل عدة أسابيع عن مؤتمر للحوار الوطني في سوريا .

وسط كم هائل من الأخبار في الساحة السياسية السورية ، تتسارع الأحداث الهامة والتطورات الدبلوماسية اللافتة والمتزايدة ، وعلى قدم وساق في هذا المشهد المزدحم ، تجري المفاوضات بشكل مستمر بين مختلف القوى الفاعلة على الأرض بمنطق يفصلنا عن الاهتمام بمتابعة مراحل الحوار الوطني السوري .

رفضت اللجنة التحضيرية توجيه الدعوات للأحزاب والكيانات السياسية، وأصرت على أن يكون المبدأ في الدعوة للأفراد وليس للجماعات ، وفي بعض الحالات بشرط أن تقوم هذه الجماعات بحل نفسها أولاً، كما حدث على سبيل المثال مع ” الائتلاف الوطني ” الذي حل نفسه قبل فترة قصيرة.

في المقابل شهدنا رفضاً لمثل هذه القرارات من قبل بعض القوى في المنطقة الوسطى والساحلية التي ترى تمثيلها في المؤتمر ضرورة باعتبارها تمثل مطالب شريحة لها ثقلها في أوساط المكوِّن العلوي ، أو بعض قوى المعارضة والدروز التي تمثل هي الأخرى قوة لها وزنها في المنطقة الجنوبية ، وطبعاً بعض القوى العربية والكردية في المناطق الشمالية والشرقية .

خلال الأيام الماضية حصلت بعض اللقاءات العلنية بين المجلس الوطني الكردي ورئاسة اللجنة التحضيرية ، ولم تتوقف المفاوضات والاجتماعات السرية بين السلطة الجديدة في دمشق وقوات سوريا الديمقراطية التي أسفرت عن تقارب كبير في وجهات النظر حول بعض الملفات الشائكة ، وعدد من الاتفاقيات التي دخل بعضها حيز التنفيذ ، ومن جانب آخر لمس المتابع للمشهد الكردي رغبة باقي الأطراف والأحزاب الكردية المستقلة عن الإطارين الرئيسيين رفض الأفكار الداعية لمؤتمرات موازية ، ودعم فكرة إنجاح المؤتمر الذي دعت له دمشق .

بالعودة لمؤتمر الحوار الوطني والمرحلة التحضيرية التي تسبق مراحل التفاوض وتنفيذ التوصيات لاحقاً ، نجد أن بعض المداخلات الكردية للمستقلين الذين شاركوا في هذه اللقاءات كانت تصب في بوتقة واحدة ، وتتلخص بأنهم يمثلون أنفسهم كمواطنين كرد ، وأن الممثل لتطلعات الشعب الكردي هو الحركة الكردية التي تنادي بحقوق الكرد كمكون رئيسي في شرق الفرات وسوريا منذ أكثر من سبعين عاما .

وسط هذا الرفض ، تفاعلت اللجنة التحضيرية ، وبينت وفق آخر قراراتها أنها تعمل على تعديل برامجها بناء على النقد الذي يتم توجيهه لها عبر مختلف وسائل الإعلام ، وعليه سيبقى المتابع الموضوعي في حيرة عند تقييمه قبل الدخول في مراحل التفاوض الجدي وصدور نتائج المؤتمر .

برأيي ، كان من أهم ما صدر حتى الآن من اللجنة التحضيرية هو التصريح الذي يؤكد بأن تشكيل الحكومة الانتقالية مثلاً غير مرتبط بمسار الحوار الوطني لأنه أزال الفجوة بين سقف توقعاتنا لنتائج المؤتمر مستقبلاً ، وبين الواقع الفعلي لما يمكن تحقيقه أو العمل به عن طريق لجان المتابعة المنوط بها تنفيذ التوصيات والقرارات المتفق عليها في المؤتمر .

إن التوافقات الجادة ، والخطوات الفعلية الجارية بين القوى الكردية والسلطة الجديدة في دمشق ، أو بين هذه السلطة وبعض القوى الأخرى في الساحل أو الجنوب هي أمور إيجابية ، وتحمل في طياتها الكثير من الأمل المنشود في حل شامل وعادل بسوريا ، وكم كنا نتمنى أن نشهد هذه الخطوات والتوافقات ضمن مؤتمر الحوار الوطني الذي لا تزال آلياته غير واضحة بشكل كامل حتى نستطيع التنبؤ بنتائجه بشكل دقيق.

حتى ينجح مؤتمر الحوار الوطني في سوريا ، لا بُدَّ من أن تكون صلاحياته أوسع ، وأن تكون قراراته ملزمة لجميع الأطراف ، وأن يشكل المخرج الرئيسي للحل ، وأن لا تكون جلساته أشبه بندوات ثقافية ليس لمخرجاتها الأثر الكبير ، وتوصياتها ليست بأكثر من حبر على الورق .

إن الضبابية المحيطة بالمؤتمر وآلياته منذ الإعلان عنه وحتى اليوم، ومع الضغط الزمني وضيق الوقت، وغياب نسبة جيدة من النخب الثقافية والسياسية والوطنية عن المؤتمر، وفي ظل التحديات والصعوبات التي تعيشها السلطة الجديدة في دمشق داخلياً وخارجياً ، تُشكل عوامل إضافية مع ما ذكرناه سابقاً لعرقلة ما نريده من نجاح لمؤتمر الحوار الوطني، ولا بُد أن تتمثل إرادة القائمين عليه والمشاركين فيه بتحقيق الحد الأدنى من مطالب الشعب السوري التي تتلخص بنقاشات مفتوحة تخفف من حالات الاحتقان السياسي والشعبي، وتعيد بناء الثقة بين مختلف الجماعات والقوى المتصارعة على الأرض، وتحقق توافقاً وطنياً حول المسائل المصيرية كالدستور والانتخابات وشكل ونوع نظام الحكم القادم.

شهدنا في العقود الأخيرة عدداً كبيراً من المؤتمرات الوطنية التي انعقدت بعد الحروب والأزمات الطويلة ، وفي الوقت الذي فشلت فيه بعض هذه المؤتمرات وأعادت بلدانها إلى حالات الاقتتال والصراع ، نجحت مؤتمرات أخرى في تحقيق الأهداف والنتائج المرجوة منها ، وإن كانت جنوب إفريقيا قبل أكثر من ثلاثة عقود قد نجحت بتتويج حواراتها لاحقاً بانتخاب نيلسون مانديلا لرئاسة أول حكومة ديمقراطية في البلاد، فإنه وفي الحالة السورية – ومع امتلاك سوريا لجميع مقومات نجاح الحوار الوطني من تاريخ وحضارة وعيش مشترك بين مكوناتها – كان حقاً للسوريين أن يطمحوا لمؤتمر ناجح يضمن لهم وللأجيال القادمة مستقبلاً زاهراً، وأن لا يقبلوا بأعذار الفشل أبداً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى