اتفاقية اللاجئين الدولية: مطبات تشريعية وتقنية وضرائب مضاعفة على اللاجئين
حازم بعيج- العربي القديم
تمثل اتفاقية اللاجئين لعام 1951 وبروتوكولها لعام 1967 أهم وأشمل اتفاقية دولية تعنى بحقوق اللاجئين في العالم، صادقتها كثير من دول العالم، ومثلت ضرورة إنسانية منذ ظهورها وحتى اليوم بما تحمله قضايا العالم المعاصرة من موجات لجوء فاقت المعقول أو المقبول في النطاق الإنساني، وإن كان من مأساة في العصر فهي مأساة الشعبين الفلسطيني والسوري، إذ يبلغ عدد اللاجئين السوريين والفلسطينيين حول العالم أكثر من 11 مليونا تتقاسمهم دول مختلفة، خاصة دول الحزام لسورية وفلسطين، فعلى سبيل المثال تركيا تستضيف وحدها أكثر من نصف اللاجئين السوريين في العالم.
حول اتفاقية 1951 للاجئين وبروتوكولها لعام 1967
لا شك أن تعريف مصطلح اللاجئ محل خلاف في الفقه الدولي والتراكمات الاجتهادية للمشرعين الدوليين، وهذه تؤثر بشكل سلبي أحيانا على حقوق اللاجئين المشمولين بالاتفاقية الخاصة الدولية، فاللاجئ وفق اتفاقية 1951: هو كل شخص اضطر إلى مغادرة موطنه الذي يحمل جنسيته أو بلد إقامته المعتاد خوفا من تعرضه لاضطهاد على أساس العرق أو الدين أو العنصر أو القومية أو بسبب الانتماء إلى رابطة اجتماعية معينة أو رأي سياسي، ولا يستطيع البقاء في ظل حماية دولته أو لا يريد ذلك.
وهذا التعريف فضفاض وليس موسعا كما هو الحال في “الاتفاقية العربية لتنظيم أوضاع اللاجئين لعام 1994” التي نصت إضافة إلى ما سبق سبب اللجوء بسبب العدوان المسلط على بلد اللاجئ أو الاحتلال أو السيطرة الأجنبية على بلده أو الكوارث الطبيعية أو أحداث جسيمة تحدث خللا في النظام العام في البلد كله أو في جزء منه، وهذا قيد ظاهر في الشكل والاصطلاح، يخلف أزمات عديدة للاجئين حول العالم المشمولين بأبرز اتفاقية دولية.
ظهرت الاتفاقية الخاصة للاجئين عام 1951 على إثر تشكيل منظمة الأمم المتحدة عام 1945 والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عام 1949 وعلى إثر نكبتين هما الحربان العالميتان اللتان خلفتا موجات لجوء مليونية في القارة الأوروبية وعلى إثر عملية تهجير الفلسطينيين من فلسطين بعد احتلالها من قبل الكيان الإسرائيلي، فالاتفاقية بدأت خاصة مقيدة بمكان وزمان (أوروبا وشعوبها – وما قبل 1951) المكان الأوروبي لاستبعاد غير الأوروبيين، وزمان ما بعد 1951 لاستبعاد موجات اللجوء الفلسطيني والدول الشرقية من الاستفادة من الدعم والشمولية بالاتفاقية إذ يتعلق أحد قيودها بعدم شمولية اللاجئ الذي يستفيد من خدمات منظمة أممية، إضافة إلى قيد حرمان المتهمين بجرائم حرب أو ضالعين بعمليات عسكرية مثلا من الحق، وهذا بشكل عام على صعيد الحقوق الفردية والجماعية التي تمثل لب الصراعات المحلية حول حقوق اللاجئين واستضافتهم أو طردهم.
في حين لا يجب أن نغفل مبدأ حقوق الدولة المتعاهدة في اتفاقيات من تقييد توقيعها على بنود ومواد معينة في الاتفاقية، تسمح لها بالامتناع عن بعض مواد وفقرات في الاتفاقية، وأثر ذلك على الحقوق، خاصة عندما يتعلق الدرس بمسائل للجوء وحقوق الإنسان.
بالتالي شكلت استفادة اللاجئين الفلسطينيين من حماية وخدمات منظمة الأونروا قيد حرمان لهم من الحماية والاستفادة من خدمات اتفاقية 1951 كما سنرى لاحقا، لكن قيد الزمان والمكان أفضى إلى تعقيدات تمثل خطرا على بنية الاتفاقية مما دفع بالجمعية العامة للأمم المتحدة إلى إصدار بروتوكول عام 1967، الذي قيد شرط الزمان والمكان، ليصبح كل لاجئ في العالم وفي أي زمان مشمولا بالاتفاقية، ما لم يكن مستفيدا من حماية وخدمات منظمة أممية، أي أن اللاجئين الفلسطينيين ما زالوا غير مشمولين بالاتفاقية، وهذا أمر مدبر مبيت بهذا الشكل لحرمان واستهداف تمييزي لفئة من اللاجئين (الفلسطينيون)، لتتحول بذلك الاتفاقية الخاصة إلى دولية بارزة ومحل اهتمام معظم دول العالم.
آلية (مؤسسة) “الأونروا” غير كافية لغوث اللاجئين الفلسطينيين:
في الوقت الذي أوجد العالم اتفاقية الدولية الخاصة بوضع اللاجئين عام 1951 لمعالجة آثار كارثة اللجوء على الصعيد الأوروبي الداخلي، وقيدها بعدد من الشروط أهمها المكان (أوروبا) والزمان (بعد عام 1951)، نجد أن استجابة العالم للجوء الفلسطيني كان بتأسيس وكالة خاصة لرعاية شؤونهم (الأونروا). مع ازدياد الحاجة إلى إجراءات عالمية شاملة لمعالجة قضية اللجوء وخاصة أن مصطلح اللاجئ أو تعريفه فضفاض في الفقه الدولي ومحل تأويل ونزاع، وتكريسا لحقوق الإنسان من هذا الجانب كان بروتوكول 1967 الملحق بالاتفاقية واضحا في رفع قيد الزمان والمكان عن اتفاقية اللاجئين لتكون أشمل وأعم في هذا المسار، ولكن مع قيد آخر وهو استثناء اللاجئين الذين يستفيدون من خدمات وكالة أممية خاصة من أهلية تطبيق أهم وأبرز اتفاقية دولية للاجئين.
مما يعني أن الفلسطينيين يستفيدون من خدمات وكالة أممية خاصة، ويستثنون من الشمول في اتفاقية اللاجئين الدولية، لنسأل: هل كان اختيار قيد الزمان والمكان في اتفاقية اللاجئين الدولية اعتباطيا وقبل ثلاثة أعوام منها فقط كانت موجات اللجوء الفلسطيني تغزو دول الجوار؟ وهل كان قيد عدم شمولية اللاجئ في اتفاقية اللاجئين وبروتوكولها إذا كان من المستفيدين من خدمات وكالة أممية خاصة محض صدفة في الوقت الذي كانت قد تشكلت فيه وكالة الأونروا قبل الاتفاقية وبروتوكولها؟!
بالتأكيد ليست القيود هذه اعتباطية أو محل صدف، بل سياسة مدروسة بعناية، تصوب لرعاية الفلسطينيين اللاجئين ضمن اتفاقية خاصة لا تؤثر على مصالح كثير من الدول، واستثناؤهم من اتفاقية من أقوى الاتفاقيات في قضايا اللجوء، لحرمانهم من الاستفادة من مميزات هذه الاتفاقية والرعاية اللازمة المستفيضة في كل جوانب الحقوق والأمن.
بالتالي اللاجئ الفلسطيني بحاجة ماسة إلى خدمات وكالة الأونروا، كما أنه بحاجة أمس إلى اشتماله ضمن اتفاقية اللاجئين الخاصة، في الوقت الذي لا يكفي الغذاء والماء لرعاية اللاجئ الفلسطيني في دول اللجوء، بل إن الحقوق الطبيعية والأساسية لا تتجزأ، ولا بد من التركيز على أن اللاجئ الفلسطيني محروم من كثير من الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، ومعزول في كانتونات تعبر عن مدى الظلم الواقع على كاهلهم، في معظم الأحيان لا يستفيد من مسائل الجنسية والتملك ومكتسبات السلطة والعمل السياسي والاندماج والحماية المؤقتة والتنقل وغيرها! بحجة أنه يستفيد من خدمات وكالة أممية خاصة، فهو لاجئ غير اللاجئين المتعارف عليهم في السياقات المختلفة كالسورية والعراقية والأفغانية، وفي هذا تكريس للاختلاف في تعريف اللاجئ في الفقه الدولي، وتكريس للتمييز بين اتفاقية وأخرى وسماح للسياسة والمصالح أن تتدخل في شؤون إنسانية بحتة، في حين أن اللاجئ الفلسطيني يحتاج إلى رعاية خاصة وتسهيلات استثنائية نظرا للظروف التاريخية المتكدسة على حقوقه، وكلمة خاصة تعني حاجته إلى أكثر من اتفاقية اللاجئين الدولية، ليكون هو بنفسه بوابة لسن بروتوكولات ملحقة بالاتفاقية الدولية لشؤون اللاجئين تصلح جوانب الخلل في كل الاتفاقيات السابقة.
موقف تركيا من اتفاقية اللاجئين وبروتوكولها:
صادقت الجمهورية التركية على اتفاقية اللاجئين وبروتوكولها، لكن مع الاحتفاظ بقيد المكان الاختياري (الجغرافي) الوارد في اتفاقية عام 1951، فتركيا لم توقع على البروتوكول بصيغته النهائية، أي أنها تعد اللاجئ وفق الاتفاقية هو المواطن الأوروبي او غير، القادم من أرض أوروبية بسبب أحداث تقع في دول الاتحاد الأوروبي، وهذه مسألة دقيقة تتعلق اليوم بعدم إمكانية إعادة أوروبا لطالبي اللجوء الذين يعبرون من تركيا إلى دول الاتحاد الأوروبي لعدم وجود رضا أوروبي عن طبيعة مصادقة تركيا على الاتفاقية فاللاجئ وفق الاتفاقية غير وفق الاتفاقية والبروتوكول، فتركيا ليست بلد لجوء وفق الرؤية الأوروبية، في الوقت الذي تصر تركيا على عدم التنازل عن قيد المكان في الاتفاقية.
لذلك إن الأربعة ملايين لاجئ سوري في تركيا ليسوا مشمولين بصفة اللاجئ وفق معطى الاتفاقية الدولية، لأنهم ليسوا شعوبا أوروبية ولا قادمين من أوروبا، وهذا يؤثر عليهم بشكل مباشر فيما يتعلق بالحقوق الفردية والجماعية، لكنهم يحملون صفة لاجئ مقيدة بشروط (مؤقتة) وفق القانون التركي الذي ينظم الحماية واللاجئين وبالتالي حقوق أقل ينالها هؤلاء مقارنة باللاجئ الأوروبي في تركيا الذي يطلب الحماية وفق الاتفاقية الدولية، وعليه يكون اللاجئ في تركيا على عدة أنواع: اللاجئ حسب الاتفاقية ولا يشمل السوريون به، واللاجئ المقيد بشروط (حماية مؤقتة لاحقا) والسوريون مشمولون بهذا، واللاجئ بحماية ثانوية وفق قانون الأجانب والحماية الدولية لعام 2013، ليصار عام 2014 إلى تنظيم نظام الحماية المؤقتة الذي يشمل به السوريون الذين يحملون صفة لاجئ مقيدة بشروط، وهنا السؤال الأبرز والأخلاقي عن سبب عدم تحديد سقف زمني دقيق لمدة انتهاء الحماية للمشمولين بنظام المؤقتة، أي ما مصير اللاجئين السوريين في تركيا حال أنهت تركيا العمل بالنظام أو اعتقدت أن ترحيل اللاجئين إلى بلدانهم أمرا أصبح بالإمكان وخاصة مع تجاذبات وصراعات الأحزاب التركية على السلطة؟!
الضغط الأوروبي على تركيا
في الوقت الذي يعد عمل مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة بطيئا وغير أخلاقي بصورة مباشرة عند الحديث عن عملية التوطين التي تديرها المفوضية باتجاه بلد ثالث، فأعداد الموطنين السوريين في بلد ثالث قليلة جدا، بالتوازي مع ضغط أوروبي وأممي على تركيا لتحقيق أكبر قدر من الحقوق للاجئين السوريين فيها، بما يخدم الخطوات والسياسات الكيدية التي تنتهجها أوروبا على المدى الطويل ضد تركيا، وهذه المرة بورقة اللاجئين!!!
فكما على تركيا أن تحترم الاتفاقيات الدولية وحقوق اللاجئين، يتعين على الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة أن تفعل الأمر نفسه، بالنسبة لإغلاق منظمة الأونروا التي تهدر حقوق اللاجئين الفلسطينيين ليصبحوا مشمولين بالاتفاقية الدولية، وبالنسبة لرغبة أوروبا في الإخلال بنظام الحماية المؤقتة الأوروبي، وترحيل اللاجئين السوريين وفق تقديرات الحكومات الأوروبية إلى تركيا أو مناطق في الداخل السوري تعدها كثير من دول الاتحاد الأوروبي بمثابة الآمنة اليوم، فما ينطبق من خلل على نظام الحماية التركي المؤقت ينطبق مثله على نظام الحماية الأوروبي المؤقت، أو تنكر الاتحاد الاوروبي للمساعي التركية الرامية إلى إنشاء منطقة آمنة في شمال سورية بعمق 30 كيلو مترا داخل الأراضي السورية، لتوفير الحماية اللازمة للنازحين ومنع تدفق اللاجئين وإعادة اللاجئين إليها.