العربي الآن

مؤتمر الحوار الوطني السوري: حوار ناقص في ظل تغييب الضرورات

سامي زرقة – العربي القديم

بينما كان من المُفترض أن يكون مؤتمر الحوار الوطني السوري مساحة جامعة لكل الأطراف والمكوّنات، تحول هذا الحدث إلى مناسبة أخرى لعرض صور من الانتقائية السياسية والتهميش المُتعمد.. في بلد يعاني من جراح متراكمة وصراعات لا تنتهي، يُفترض أن يكون أي حوار وطني شاملاً وعادلاً، يضم كل الأصوات، من المثقفين إلى الحركات السياسية المختلفة.. لكن ما جرى في هذا المؤتمر لم يكن إلا تكريساً جديداً للتجاهل المُمنهج والتهميش المتعمد.

تغييب الأصوات الحقيقية

تغييب المثقفين والمفكرين كان علامة فارقة لهذا المؤتمر.. كيف يمكن لحوار يُفترض أن يناقش مستقبل البلاد أن يُقصي أولئك الذين يملكون الرؤى العميقة والأفكار البنّاءة؟ بينما كانت بعض المقاعد مشغولة بأشخاص يتصدرون المشهد الرسمي، ظلت الكفاءات الحقيقية، من كتّاب وأكاديميين ومفكرين، خارج قاعات الحوار، بينما توجه كثير من الدعوات لأصحاب (كبّس.. كبّس).. هل يُعقل أن تُبنى حلول لمستقبل سوريا في ظل غياب العقول القادرة على تقديم رؤى نقدية تتجاوز الشعارات الفارغة؟

انتقائية المشاركة

المفارقة المؤلمة أن المؤتمر لم يوجه الدعوة للعديد من الأطراف المؤثرة في المشهد السوري، مثل قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية الكردية، وهي أطراف فاعلة على الأرض وتمثل شريحة لا يمكن تجاهلها من المجتمع السوري.. غياب هؤلاء كان كفيلاً بنزع الشرعية الحقيقية عن المؤتمر، وكأنه يُصمَّم خصيصاً لإعادة تدوير ذات الوجوه والأفكار التي ساهمت في تكريس الأزمة بدلاً من حلها.

شخصيات مدعوة بلا دور واضح

الأكثر عبثية في هذا المشهد أن بعض المدعوين لم يعلموا حتى سبب وجودهم هناك.. شخصيات سياسية وثقافية وصلت إلى قاعة المؤتمر وهي لا تعرف على وجه الدقة لماذا دُعيت، ولا كيف ستسهم في النقاش. هذه الدعوات العشوائية ليست سوى انعكاس لارتباك المنظمين، ومحاولة لإضفاء الشرعية على حدث يفتقر إلى الشرعية الحقيقية.

الحوار أم التلميع السياسي؟

المؤتمر بدا وكأنه مسرحية سياسية تهدف إلى تحسين صورة السلطات أمام المجتمع الدولي، أكثر من كونه محاولة جادة للوصول إلى حلول حقيقية.. التلميع الإعلامي المصاحب للمؤتمر، والاهتمام المبالغ فيه بالشكل على حساب المضمون، جعلا من الحدث أشبه بعرض بلا قيمة حقيقية. إذا كان الحوار الوطني لا يتضمن أصوات المعارضة الحقيقية أو يُقصي الأطراف ذات التأثير الفعلي، فما الغاية منه سوى إطالة عمر الأزمة؟

تجاهل القضايا الجوهرية

قضايا بحجم العدالة الانتقالية، والمصالحة الوطنية، وتوزيع الثروات، وعودة اللاجئين، لم تجد لها المكان الكافي في أجندة المؤتمر.. بدلاً من ذلك، جرى التركيز على شعارات عامة لا تسمن ولا تغني من جوع، بينما بقيت الجروح الحقيقية مفتوحة بلا حلول.. هذا التجاهل المنهجي لا يعني سوى شيء واحد: الأزمة ستبقى قائمة، وسيظل الحوار الوطني حبراً على ورق، يُعاد نسخه في مؤتمرات قادمة بنفس العقلية الإقصائية.

سوريا تحتاج إلى حوار حقيقي

ما تحتاجه سوريا اليوم ليس مؤتمرات دعائية تُعقد تحت مسميات براقة، بل حوار حقيقي يضم كل الأطراف دون استثناء.. حوار يتضمن المثقفين والمفكرين، يُنصت فيه لصوت الضحايا والمهمشين، ويُعاد فيه التفكير في بناء دولة تقوم على العدالة والمساواة.. حتى يتحقق هذا، سيظل كل مؤتمر حوار وطني، مهما كان اسمه أو شعاراته، مجرد مشهد آخر في مسرحية عبثية لا تنتهي.

في الختام.. مؤتمر الحوار الوطني السوري لم يكن سوى محاولة بائسة لتجميل واقع مأساوي يتجاهل أصوات الشعب الحقيقية.. غياب المثقفين وتجاهل أطياف المجتمع المتنوعة يُفقد مثل هذه المؤتمرات قيمتها الفعلية. إن بناء سوريا الجديدة يتطلب حواراً شاملاً لا يستثني أحداً، ولا يُبنى على سياسة الإقصاء التي أثبتت فشلها مرة بعد أخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى