العربي الآن

الزعبرة الإسرائيلية في سوريا: الحديث عن دمشق والعين على أنقرة

أي اتفاقية عسكرية بين سوريا وتركيا قد تغير موازين القوى في المنطقة بالكامل.

جميل الشبيب – العربي القديم

منذ أشهر، نشهد يومياً تصريحات جديدة لمسؤولين في الحكومة الإسرائيلية، بدءاً من نتنياهو وانتهاءً بوزير الدفاع وقائد الجيش الإسرائيلي. وبالمجمل، تحمل هذه التصريحات تهديدات مباشرة بالتدخل في سوريا، سواء عبر إنشاء منطقة عازلة أو تحت ذريعة حماية الدروز، الذين انقسموا بين مؤيد للفكرة ومعارض لها، حيث تمثل الأغلبية الجهة الرافضة لأي تدخل إسرائيلي.

لماذا لا تتحرك إسرائيل رغم غياب العوائق؟

في ظل الغياب الفعلي للقوات الحكومية عن جنوب سوريا، نتيجة لتعقيدات المشهد هناك، ورفض الميليشيات المنتشرة في السويداء دخول القوات الحكومية، فإن إسرائيل لا تواجه عائقًا فعليًا يمنعها من تنفيذ تهديداتها. ومع ذلك، ورغم أننا اعتدنا من إسرائيل الفعل قبل التصريحات، كما رأينا في فلسطين ولبنان، إلا أنها حتى الآن تكتفي بالكلام. فلماذا؟

من الواضح أن الحكومة السورية الجديدة لا تشكل تهديداً مباشراً على الأمن القومي الإسرائيلي، لكنها ترتبط بتحالفات مع أطراف تتبنى خطاباً معادياً لإسرائيل، وتدعو علناً إلى تحرير القدس وتواجه السياسات العسكرية والسياسية الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين. لكن التهديد الحقيقي الذي يقلق تل أبيب اليوم ليس دمشق وحدها، بل أنقرة.

ماذا تريد إسرائيل؟

إسرائيل تسعى بوضوح إلى كبح النفوذ التركي المتزايد في سوريا، خصوصًا بعد انتصار الثوار السوريين قبل ثلاثة أشهر، والذي اعتبرته أنقرة نصرًا استراتيجيًا لها. هذا يشكل تهديدًا مستقبليًا لإسرائيل، التي ترى في تزايد الوجود العسكري التركي قرب حدودها خطرًا طويل الأمد، لا سيما مع تصاعد الحديث عن توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين سوريا وتركيا، خلال اللقاء الأخير الذي جمع الرئيسين السوري والتركي في أنقرة.

إن توقيع مثل هذه الاتفاقية قد يضع إسرائيل في مواجهة مباشرة مع تركيا، فضلاً عن مخاوف تل أبيب من أن تتحول سوريا إلى ساحة جديدة لنشاط الفصائل الفلسطينية المقاومة، في ظل التقارب التركي السوري والدعم التركي المستمر لهذه الجماعات.

الضغط الإسرائيلي على دمشق وأنقرة

لهذا السبب، تضغط إسرائيل على دمشق للقبول بما تمليه عليها واشنطن بشأن التواجد التركي في سوريا، وهي بذلك تمارس ضغوطًا غير مباشرة على أنقرة أيضًا. فإسرائيل ترى أن حليفها الجديد في سوريا ضعيف حاليًا وغير قادر على مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، لكنها تدرك في الوقت نفسه أن أي اتفاقية عسكرية بين سوريا وتركيا قد تغير موازين القوى في المنطقة بالكامل.

إعادة رسم المشهد الإقليمي

ما يبدو من هذه “الزعبرة” الإسرائيلية هو محاولة لتأجيج الداخل السوري، وإشعال حرب أهلية جديدة تعيد البلاد إلى دائرة الصراع، مما يؤدي إلى موجات لجوء جديدة تقلق تركيا وتدفعها لمراجعة سياستها في سوريا وفق معطيات جديدة. إسرائيل تسعى إلى إعادة تشكيل المشهد الإقليمي بطريقة تخدم مصالحها، فإما أن تضعف النفوذ التركي أو تفرض على أنقرة حسابات جديدة تجعلها أقل اندفاعاً تجاه الملف السوري. فهل ستخضع أنقرة لهذه الضغوط، أم أنها ستسعى إلى تصعيد مضاد يفرض توازناً جديداً في المنطقة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى