في الطريق إلى دمشق: أكرم خزام… خواطر لا تسر الخاطر
كم إدلبي في دمشق؟ سألت صديقي الدمشقي. وكان جوابه "العلم عند الله"!!!

العربي القديم – متابعات:
نشر الإعلامي السوري البارز أكرم خزام حصيلة مشاهداته بعد أول زيارة له إلى دمشق إثر سقوط نظام الأسد، وبخلاف الكثير مما يكتب، مزج أكرم خزام بين إحساسه بالمكان والأشخاص وتفاصيل الحياة العامة، وحواراته الذكية والبسيطة مع الناس التي تكشف خفايا المشهد العام وتناقضاته. وفيما يلي نص الحلقات الأربع التي خص بها دمشق (العربي القديم)
-1-
بعد غياب قسري عن بلدي سورية بلغ 13 عاما، حانت اللحظة، لحظة العودة السعيدة، وألحّت علي ذاكرتي وروحي وقلبي ومخيلتي بضرورة التوجه إلى دمشق أولاً والى حمص (مدينتي التي ولدت وترعرعت فيها) ثانيا. في مركز الحدود قال لي موظف الامن مع ابتسامة خبيثة: “يبدو أنك خطير جدا “!!!
أنا – لا يبدو أنك تمتلك فراسة في عينيك، قل لي لو سمحت من أين اتيت بالمعلومة؟
هو – كل شيء عنك مكتوب امامي في شاشة الكومبيوتر.
أنا – هل لي بنسخة عما كتب؟؟؟
هو – للأسف لا أستطيع. أقول لك باختصار إن أكثر من جهة أمنية كتبت عن ضرورة اعتقالك لحظة القدوم إلى سورية. لكننا، في سورية الجديدة نقول لك “أهلا وسهلا بك، تفضل أنت في بلدك”.
أخذت جواز سفر واتجهت إلى سيارة صديقي الذي أقلني إلى دمشق. وفورا توالت الصور في مخيلتي وتساءلت، ماذا لو قدمت إلى سورية في عهد العائلة الأسدية البائد؟؟؟
فاجأني صديقي وقال لي :
انظر إلى أعلى الجبل. ها هو قصر الأميرة موزة زوجة الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وإلى جانبه قصر حمد بن جاسم آل ثاني.. وبعد 100 متر تقريبا قال لي: في أعلى الجبل طريق يمتد من مطار المزة العسكري وينتهي بقصر الليالي الحمراء حيث يتناوب على زيارته بشار الاسد وأخيه ماهر لقضاء الليالي الحمراء مع عشيقاتهن!!!!

وصلت إلى ساحة الروضة فوجدتها مزدحمة بشكل هائل بالسيارات وبدا لي أن الفوضى تتسيد المشهد. لا شرطي مرور ينظم السير ولا إشارات مرورية تعمل. بصعوبة بالغة وصلت إلى شقة صديقي د. هشام الذهبي الذي استضافني في بيته الذي يتسع للكثير من الأشخاص!!!
هو- ماذا تريد أن ترى؟
أنا – أريد الذهاب إلى مطعم الكمال في شارع ٢٩ أيار لتناول أكلة الشاكرية!!!
اتجهنا إلى هناك. منظر الازدحام لا بل الاختناق المروري تكرر في شوارع حديقة السبكي والشعلان والحمراء والمزرعة وصولا إلى المطعم!!!
رحب بي من يعمل في المطعم ورددوا عبارتي الشهيرة “أكرم خزام الجزيرة موسكوووووووووو”.
– 2 –
بعد أكلة الشاكرية الدسمة و اللذيذة قلت لصاحبي: أريد ان أتمشى إلى سوق الحميدية و إلى باب شرقي و باب توما وصولا إلى برج الروس حيث ينتظرنا الصديق د رزق إلياس رئيس مركز البحوث الاستراتيجية التابع لأمن الدولة بدمشق (علما أنه كان على خصومة مع بشار الأسد)…
مظاهر الفوضى والاختناق المروري تزايدت، وبدأت المح الكأبة في وجوه الناس …
ثلاثة أشهر لم يتسلم الناس رواتبهم ووعدهم الشرع بأنهم سيحصلون على زيادة 400 بالمائة… الوعود تبخرت وبدأ الوضع المعيشي للناس يتفاقم…
منظر كثرة الشحاذين خيم على المشهد. ومنظر الموتورات الادلبية في تزايد مستمر…
كم إدلبي في دمشق؟ سألت صديقي الدمشقي.
وكان جوابه “العلم عند الله”!!!
أنا – ولماذا قدموا إلى دمشق؟
ضحك صديقي من سؤالي وقال: إنهم في دمشق وحمص وحلب لحراسة الثورة.
استغربت وسألته: أين رجال الشرطة؟
قال لي: لقد تم تسريحهم من العمل
أنا – وهل تريد السلطة الجديدة ان يتحولوا إلى لصوص ضمن عصابات منظمة للحصول على المال بعد نفاذ مدخراتهم؟؟؟
هو – استمتع يا صديقي بمنظر حارات الشام وكف عن طرح الاسئلة المحرجة التي لا يملك احدا جوابا عنها بمن فيهم احمد الشرع .
– 3 –
وصلنا صديقي وأنا إلى منزل الصديق د. رزق إلياس. رحب بنا ثم انخرطنا في نقاش معمق لتشكيل منصة تضم أعضاء من كافة الطوائف والأعراق السورية…
خلصنا إلى ضرورة الإسراع في الإعلان عنها والتقينا بعد الجلسة بممثلين عن الدروز والكرد والعلويين والسنة والمسيحيين.
ثمة اجماع على ضرورة ان تكون المنصة جرس تنبيه للسلطة الجديدة لكي لا نكرر كوارث العهد البائد وخاصة في مجال الحريات السياسية والعامة والشخصية بالرغم من خطاب الرئيس العرش والذي قال فيه ان أسوء مرحلة مرت بها سورية هي مرحلة التيه أي فترة الحكم الوطني الديمقراطي في خمسينات القرن الماضي!!!!
وخلال جلسات مكثفة ناقشنا كيفية إيصال رأينا إلى السلطة الجديدة وخاصة ما يتعلق بتشكيل لجنة الحوار الوطني التي تألفت من خمسة شخصيات معروفة بانتمائها الإسلاموي، وامرأة قريبة من تلك الشخصيات فكرياً، وأخرى مسيحية إلا وهي السيدة هند قبوات!!!
استغربنا من جلسات المؤتمر التي تم عقدها بشكل سريع ناهيك عن النقاشات التي افتقرت إلى الجدية في طرح المشكلات التي يعاني منها الشارع السوري. لاحظنا ان المؤتمر انتهى إلى لا شيء . وكان استعراضيا لا أكثر…

في اليوم التالي اجتمعت في مقهى الهاڤانا بصديقي محمد منصور الإعلامي المتميز ورئيس تحرير العربي القديم .
كنا قد اتفقنا هاتفيا على ضرورة تنفيذ أفلام وثائقية عن العائلة الأسدية وفضح ممارساتها الشنيعة لكن محمد قال لي إن الوقت غير مناسب في هذه المرحلة نظرا للفوضى الهائلة في مجال الإعلام واتفقنا سوية ان الأبواب مشرعة في المرحلة الراهنة للتهريج الإعلامي و الاستعراضات على طريقة الصحافة الصفراء.
سألته : هل ستغادر إسطنبول نهائياً وتعود إلى دمشق؟
بكل تأكيد أجاب محمد.!!!
التقينا فيما بعد بالإعلامي المخضرم صبري عيسى واتفقنا ان المرحلة الحالية مليئة بالأخطاء في مجال الإعلام الذي على ما يبدو ان السلطة الجديدة لم تنتبه إلى تحويله إلى قوة ناعمة تساعدها في نشر برامجها وكيفية تنفيذها .
– 4 –
في دمشق التقيت بالكثير من الأصدقاء القدامى والمعارف الجدد
النقاش الرئيس الذي دار بيننا هو مستقبل سورية. ولم يكن مفاجئا أن يتفق الجميع على المساهمة الحثيثة في النقد البناء لمظاهر عديدة، تتعلق في شكل الدولة ومضامين الدستور، وتشكيلة الحكومة الجديدة، وإعادة الإعمار، وضرورة إعادة النظر بحل الشرطة والجيش.
طبعا كنا نراقب التضليل الإعلامي وخاصة ما يتعلق بنشر أسماء رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة الجديدة، ولم يكن صعبا علينا جميعا أن نؤكد أنها أخبار مفبركة…. على أن البعض طرح سؤالاً جديا: أليس من الوارد أن السلطة الجديدة تنشر هذه الأخبار كبالون اختبار؟

تبديد هذا السؤال يتطلب الإعلان عن تشكيلة الحكومة الجديدة كما وعد الرئيس الشرع بأنها ستعلن في الأول من مارس اذار لكنه لم يفِ بوعده…
وبانتظار هذا الحدث تستمر النقاشات بخصوص تقسيم سورية والفيدرالية والتشاورية أمام غياب تام لإعلام جدي يمنع الشائعات التي تغص بها سراديب دمشق.
اجتمعت مع الصديق نور الأتاسي في فندق الشيراتون لحضور مؤتمر المستثمرين السوريين. وكان لي كلمة خاطفة فضحت فيها أساليب العهد البائد، وتمنيت لنا جميعا أن ننجح في بناء سورية الحرة الجديدة.. وبعد انتهاء أعمال المؤتمر توجهنا إلى حمص العدية.
+| يومياتي في دمشق
سألت أحد المسؤولين من حكام سورية الجدد عن التسويات التي يجريها الحكم مع كبار الجنرالات وكبار التجار .كمية الأموال التي يدفعها كل جنرال أو تاجر؟؟؟ إلى أين تذهب الأموال المقبوضة؟؟؟
كوّع و انتقل بي إلى حديث آخر.