فنون وآداب

مسلسل “تحت سابع أرض”: دراما الحدث المتوقع والمخرج الذي ضيع مهامه!

كأنه وجه واحد بات يرتديه تيم حسن في كل الأدوار ودرجة صوت لا تتغير يقدم بها كل الشخصيات

أحمد صلال- العربي القديم

العمل الفني الحقيقي يتطلب اكتشاف مساحات جديدة، هذه المساحات سواء في السيناريو أو التصوير أو الإخراج أو أداء الممثلين، تفاصيل كبيرة وصغيرة في آن واحد، تجعل المشاهد يحصل على المتعة والمعرفة معاً. أما صناع مسلسل “تحت سابع أرض” فقد اختاروا طريق بلا مجازفة درامية للوصول لجمهور ينشد التسلية والفرجة المثيرة بلا أي أهداف أخرى، “هيك بدو الجمهور” لا أتوقع ذلك، فخلطة النجاح المضمونة  باتت “عفنة” لكثرة تكرارها وإعادة إنتاجها في أنماط درامية عرفت باسم “دراما العشرية السوداء” حيث شراكة درامية وثيقة ترسخت في أعمال “شيخ الجبل” و”الهيبة” و”الزند” وغيرها، دراما تحاكي غرائز الجمهور لا أكثر  لا أقل وتنسى أن تقول له إن الدراما الحقيقية شيء آخر.

ما يمكن تسميته “الدراما الشعبية” التي اختارها المخرج سامر البرقاوي، وقد اختارت عدسته أن تدور في الحارات والأماكن الشعبية، وتحاول تجسيد بورتريه للصرافة والفساد والمخدرات والعلاقات غير الشرعية التي تعكس صورة مجتمع القاع المتهتك في ظل الحرب، ولكن ليس عبر رؤية واقعية نقدية وإنما عبر استهلاك تجاري منمط .

مسلسل “تحت سابع أرض”؛ يمكن للمشاهد أن يتوقع ما سيحصل في أحداث الحلقة التالية، منذ الحلقة الأولى، ومع ظهور الممثل تيم حسن “موسى” وكاريس بشار “بلقيس” والمقابلة التي وقعت بينهما، يتذكر الجمهور والنقاد فيلم “المشبوه” والحب الذي جمع بين عادل إمام وسعاد حسني بنهكة سورية… ونتذكر سعاد حسني وعادل إمام وسعيد صالح أجواء الثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم، ولكن هذه المرة على الشاشة الفضية.

ولم يذكر صناع العمل الارتكاز على فيلم “المشبوه” أو الاقتباس منه، ربما لإبعاد شبح التناص مع العمل الأصلي، ظنا منهم أن الجمهور لن يربط بين العملين. وهذه سمة في عمل الكاتب عمر أبو سعدة الذي دائما ما يقتبس بلا إشارة ولا أمانة!

ضابط شرطة في الأمن الجنائي، يجسد تدحسن قيم العدالة والشرف والنبل والإخلاص، “روبين هنود سوري” من مال التجارة بالعملة المزورة يساعد أهله وجيرانه. “العجان” تيسر إدريس رجل من القاع الاجتماعي يجسد قيم الشر والموت والقهر والقتل، منفلت من عقال القانون. بينما الممثلة الرائعة “بلقيس” النجمة كاريس بشار حال موسى من غمس أرجلهم بالطين أهلهم، وحضور لطيف لسيدة الشاشة الدرامية الأولى النجمة منى واصف والتي تتزعم عصابة للاتجار بالعملة.

من الواضح من خلال متابعة إيقاع الحلقات التي شاهدناها حتى الان، وهو إيقاع بطيء، أن أحداث المسلسل بها الكثير من التطويل لتتم الحلقات الثلاثين، ولكن ليس التطويل والأحداث التي تفتقر للجدة والمفاجأة هما فقط سبب تحول مسلسل الحركة والإثارة إلى عمل فني ممل متوقع الأحداث، ولكن اختيار الأبطال أيضا لعب دورا كبيرا. لا أحداث جاذبة بل عنف منفرط وثيق الصلة بتسويق نجومية تيم حسن كممثل آكشن وإثارة يخوض المعارك والصراعات ويتحفنا بقدرته الجسمانية على ضرب الأشرار!  

مخرج يضيع مهماته!

البراعة التكنيكية للمخرج وحدها لا تكفي، وهي ليست مهمة المخرج الوحيدة في الإخراج… بل هي الموهبة في اختيار الموضوع أو القضية التي يريد المخرج فيها التعبير عن براعته وموهبته، أو يعبر عن رأيه ورؤيته… قربها أو بعدها للموضوع والقضية؛ تفصيلات يتضح معها قيمة العمل ورسائله وتأثيره الاجتماعي أو الفكري مهما كان تكنيك المخرج ناجحاً.

 طوال عقد ونيف بقي المخرج سامر برقاوي يشكل ثنائية مع تيم حسن دراما القتل والنهب والسطو والخطف وتجارة السلاح والمخدرات؛ وصفة وخلطة يظنها برقاوي أنها تشكل أسطورة من الأساطير.

كاميرا برقاوي في سابع أرض “بتاع أكشن وحركة” وبس، ورأيي أن الإخراج عكس ذلك تماماً، وهذا أمر مفروغ منه، هذه هي أبجديات الإخراج الدرامي، أما لحظة الولادة البصرية قد تكون قبل دقيقتين من التصوير، وحتى يقول الناس عن مخرج أنه “مخرج كويس” ليس دور المخرج فقط تعليق الكاميرا في السقف، أو أن ألفت نظر الناس في اختيار زوايا معقدة، هذه أصول الشغل الدرامي الطازج والجذاب ولكنها ليست كل شيء.

يجب أن يكون المخرج هو “مصمم المشروع” من أوله لآخره؛ وهنا يمكن القول بلا مبالغة أن سامر برقاوي من نوعية مخرجي “هات حلقات” وأنا أقول أكشن، بينما القصة الإخراجية تبقى ضعيفة الصلة وبعيدة عن الأصالة والحميمية، والعوالم لا تخرج من المخرج، الإخراج الحقيقي هو أن أنتج صورة وكل صناع العمل منضبطين على إيقاعها وهدفها وماذا تريد أن تقول “بدها تعب”، أشبه بحلم للمخرج يشترك الجميع في تنفيذ.

تيم حسن وصورته العكسية

يفترض البناء الدرامي تقديم ضغوطات متنامية على البطل تجبر الشخصية على الدخول في مأزق أكثر صعوبة وأكبر، نتيجتها تصرفات خطرة ليكشف تدريجياً عن طبائعها الحقيقية حتى تلك الموجودة في اللا الشعور، وهذه التفصيلات كانت ضعف وهشاشة درامية بالعمل من العيار الثقيل. ظهر تيم حسن في ثوب ضابط شرطة فاسد، يتوب عن أخلاقه السابقة، ويتحالف مع أخيه “زين” أنس طيارة من أجل حياة أفضل؛ كأنه وجه واحد يرتديه حسن في كل الأدوار ودرجة صوت لا تتغير يقدم بها كل الشخصيات، دون مراعاة للخلفيات المختلفة للشخصيات التي يقدمها. وظهرت شخصية موسى بصورة سطحية وغير مقنعة، وجاء حسن غير مقنع وغير واقعي، وغير قادر على خطف أنظار المشاهدين في كل مشهد يقدمه، خاصةً اللازمة البصرية؛ معانته من شظية في الرأس تضغط على العصب البصري، هذا المشهد التعيس والتافه الذي يحوز على وقت كبير”للحشو”و:المط”و”العلك”، الذي قدمه بضعف درامي كبير، والذي توارى خلف هذا المشهد طيلة الحلقات السبع  التي شهدتها من العمل.

الأدوار النسائية

تنوعت الأدوار النسائية في المسلسل بين شخصيات وأعمار متباينة، قدمت النجمة منى واصف دور الأم القوية المتسلطة والتي تتزعم عصابة، ولكن عبر مكياج فاقع وملابس مبالغ فيها، ولم تكن موفقة في الأداء، وفشلت في إنتاج الشخصية الشعبية. بقيت منى واصف وغابت الشخصية التي تريد تقديمها

الممثلة كاريس بشار التي تعتبر البطلة الأولى للمسلسل جاء أدائها ثابتاً ونمطياً، قدمت دور الفتاة الشعبية بطريقة مبالغ فيها بين التدخين والعلكة واستعمال كلمات من اللغة الفرنسية والإنكليزية؛ أداء افتعالي لا يشبه ما تقدمه بشار في العادة، ربما لم تكن موفقة لظروف الفشل على مستوى الإخراج الشكلاني اللاهث وراء الكوادر والآكشن والسيناريو الهش والفقر البصري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى