الرأي العام

نوافذ الإثنين | قبل سقوط الأسد: كل شيء معروض للبيع

سياسة نظام الأسدين ”قنونة“ السرقة في سورية، التي بدأت من قمة الهرم وصولا إلى أصغر موظف في الدولة لإفساد المجتمع

يكتبها: ميخائيل سعد

منذ هروب الأسد في ٨/١٢/٢٠٢٤ وأنا أفكر يوميا بزيارة سورية، وكل يوم يمضي بانتظار تنفيذ رغبتي، تتدفق ذكرياتي عن السنوات الأربعين التي عشتها في سورية، أحاول القبض عليها قدر الإمكان، ولكنني أفشل، ربما لأن ذاكرتي شاخت، أو ربما لأنني لا أريد تعذيب نفسي دون جدوى، وقد يكون الأمران معا. من ذكرياتي اليوم، أربع قصص حقيقية بقدر ما تسعفني الذاكرة، وهي تتعلق بسياسة نظام الأسدين في ”قنونة“ السرقة في سورية، التي بدأت من قمة الهرم (الأسد) وصولا إلى أصغر موظف في الدولة لإفساد المجتمع، شعارات المقاومة، وتحرير فلسطين، وبناء الاشتراكية، وتعميم الصمت، فمن ينتقد هو معادي للنظام التقدمي والاشتراكية، أو هو ”إخوان مسلمين“ ، إذا كان مسلما سنيا، أو هو ”كتائبي“، إذا كان مسيحيا، أو ”عميل إسرائيلي“، إذا كان درزيا. وهناك مئات الوصفات الأخرى، عند الضرورة.

القصة الأولى:

 كنت سجينا في فرع فلسطين أواخر عام ١٩٨٨. عندما دخلت المهجع كنا خمسين سجينا في غرفة مساحتها ١٦ مترا مربعا، وكان بين هؤلاء رجل مميز في ثيابه ولهجته، كان شيخا درزيا لبناني الجنسية، أُطلق سراحه بعد يومين من دخولي للمهجع. سألت عن قصته، فقال لي السجناء: إنه كان موقوفا قبل وصولك بعشرة أيام، وكانت تهمته أنه يأتي إلى سورية عدة مرات في السنة لمقابلة بعض السوريين الدروز، الذين تركوا الجولان بعد احتلاله من قبل إسرائيل، للتفاوض معهم على بيع أملاكهم لإسرائيليين، وفي زيارته الأخيرة تم القبض عليه. كان يقول للسجناء أنه سيخرج قريبا، لأنه قبل أن يدفع عشرة آلاف دولار لرئيس الفرع، وكان في ذلك الوقت العميد مظهر فارس. وهذا ما حصل، لقد أمضى في الفرع عشرة أيام فقط.

ملاحظة: في المهجع المقابل لمهجعنا، كان فيه ولدان عمر كل منها ١٦ سنة، عندما رأيتهما كان قد مضى على وجودهما في السجن سنتان، بتهمة أنهما من أنصار عرفات. عندما خرجت من السجن بعد سبعة أشهر كانا ما يزالان فيه.

القصة الثانية:

 أحد الشباب السوريين كان يعيش في لبنان، لأنه كان مطلوبا في سورية بتهمة الانتماء إلى حزب العمل الشيوعي، أو الرابطة. أحد الأيام كان في سيارة أجرة في طريقها إلى بعبلك، عند أحد حواجز المخابرات السورية، تم التعرف عليه فألقوا القبض عليه فورا. في مقر المخابرات في شتورة، تفاوض مع رئيس المفرزة وتم الاتفاق على إطلاق سراحه مقابل ١٢ ألف دولار، أرسل إلى والده يخبره فيها بطلب المخابرات، ولم يكن أمام الوالد من خيار سوى بيع بيته ونقل المبلغ إلى شتورة، حيث تم الاستلام والتسليم. ملاحظة: هذه القصة سمعتها في الشخص نفسه.

القصة الثالثة:

 كان الخط العسكري بين لبنان وسورية في زمن الاحتلال السوري للبنان، اسميا لتسهيل تنقل السيارات والمعدات العسكرية بين سورية ولبنان، ولكن عمليا كان خطا للتهريب، ومنها تهريب الكتب والقرطاسية إلى سورية، وكان من المعروف في سوق الكتاب أن مكتبة النوري الشهيرة عندها سيارة زيل عسكرية برخصة من وزير الدفاع مصطفى طلاس للذهاب والعودة من وإلى لبنان، كان ينقل فيها الكتب والقرطاسية، كما يقال. ونتيجة مشكلة بين وزير الدفاع وأحد أفراد عائلة الأسد، تمت مصادرة السيارة من قبل المخابرات، وإرسال لجنة من وزارة المالية للتفتيش على الضرائب المتوجبة على مكتبة النوري، وتم بنتيجتها توقيف أحد أبناء النوري وتغريمه ب ٢٠ مليون ليرة سورية عام ٨٦ على ما أظن.

في أحد معارض الكتب التقيت بابن النوري الثاني، وسألته لماذا لا يدفعون الغرامة لإخراج أخيه المعتقل، فكان رده الذي لا يمكن أن أنساه: نحن لا يمكن أن ندفع للدولة، نحن بهذا المبلغ نستطيع شراء كل العاملين في المخابرات، فيصبحوا مدافعين عنا وخدما لنا، المسألة مسألة وقت فقط لخروج أخينا.

القصة الرابعة:

خلال الحرب التي أعلنها النظام الأسدي على الشعب السوري ما بين عامي ٢٠١١ و٢٠٢٤، تاجرت أفرع المخابرات، والمحامون المتعاملون معهم بالمعتقلين من خلال ابتزاز الأهالي، وهناك مئات القصص المنشورة عن ذلك.

في الخلاصة:

تتكشف الآن كل جرائم ومخازي هذا النظام، بحق السوريين وسورية. وليس غريبا أن الكثير من السوريين لم يكونوا على معرفة بما يجري نتيجة هيمنة القمع والصمت خلال العصر المخزي، عصر آل الأسد، لذلك على السوريين ألا يسمحوا للاستبداد بالعودة مهما كانت الظروف.

مونتريال ٦/١/٢٠٢٥

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى