
مصطفى عبد الوهاب العيسى – العربي القديم
طفلة صغيرة في ساحلنا السوري الجميل، تغارُ أحياناً من أخواتها اللواتي يكبُرنها حجماً وأهميةً وشهرةً، ولكنها لم تقبل يوماً بالخروج من دائرة المنافسة في كافة الميادين، وكان مما تفوقت به زمناً طويلاً العيش المشترك بين مكوناتها، ولكن طموح هذه الطفلة لم يتوقف حتى وصلت إلى درجة تطالب فيها بنصيبها من المجازر والانتهاكات الوحشية.
كانت بانياس من أوائل المدن التي شاركت في ثورتنا السلمية عام 2011، وخلال الأعوام الأولى سجل لها التاريخ حزناً عميقاً في قلوب كل السوريين بعد أن زفَّت الآلاف من الشهداء الأبرياء في مجازر طائفية عدة استهدفت أبناءها، ورغم القمع والتنكيل الذي تعرضت على يد مجرمي نظام الأسد له أصرَّت على منافسة أخواتها في الساحل مرة أخرى، ورحَّبت بكل حب وود بالمدنيين الفارين من جحيم الحرب وويلاتها، واحتضنتهم طيلة هذه السنوات.
في ظل كم هائل من التطورات الميدانية، والأحداث السياسية المتسارعة لرسم ملامح المرحلة الانتقالية، صرخت إحدى القرى بصوت مبحوح لتُذكِّرنا ببانياس، وتقول: أضيفوا لنا سطراً جديداً في الأرشيف الذي نويتم قراءته وتدريسه للأجيال القادمة، وقاربوا بين أحلامكم الوردية في المستقبل المشرق، وبين واقعنا الذي يُعلن أن الوجع السوري مستمر حتى إشعار آخر، وأن الأرض لم تشبع من دمائنا بعد!
في إحدى القرى البسيطة، ونحن على أعتاب شهر كريم، وقعت هذه الجريمة القاسية التي تجاوزت حدود الهمجية بمراحل، وأثارت مشاعر الألم والغضب والاستنكار في قلوبنا جميعاً.
روَّعت جريمة (الخراب) كل السوريين الآمنين في بيوتهم، وبثَّت الخوف في نفوس جميع البسطاء المسالمين برسالة مختصرة تقول: حتى المُقعد من ذوي الهمم سيكون هدفاً لأحقادِ من لا يخاف الله، ولا يردعه قانون أو ضمير.
نناشد اليوم ونطالب الجهات المعنية والمختصة بتكثيف الجهود وتوحيدها لإلقاء القبض على الجناة الفارين، وتقديمهم للعدالة بالسرعة القصوى، وإيقاع أشد العقوبات عليهم، ولا بُدَّ من أن تتنبه السلطة الجديدة في دمشق بأن استمرار وقوع هذه الجرائم والانتهاكات دون القبض على المجرمين، ومحاسبتهم سيؤثر سلباً وبشكل كبير على الأمن والاستقرار ، وقد يُسبب الفوضى التي لا تُحمد عُقباها في القريب العاجل إذا لم تكن هذه السلطة قادرة على تحمل الأعباء والمسؤوليات التي تقع عاتقها في الحفاظ على أمن وحياة المواطنين بالدرجة الأولى.
في الختام لا بُدَّ من توجيه رسالة مقتضبة للسلطة الجديدة تتلخص بدولة يسودها القانون، وضرورة العمل الجاد في ملف العدالة الانتقالية، وإجراءات تطبيقها بشكل مستعجل لأن التأخير كما أثبتت تجارب كثيرة في التاريخ القريب يزيد من احتمالية جر البلاد للفوضى، ويساهم يوماً بعد يوم بزيادة الحوادث والانتهاكات المشابهة لما حصل في بانياس، ويعطي التبريرات التي زاد تداولها على شبكات التواصل الاجتماعي بسبب بعض السفهاء والأغبياء الذين يخلقون ويروجون الأعذار لهذه الجرائم هنا وهناك، بقصد أو دون قصد لاستمرارها تحت حجج “التصرفات الفردية” وذرائع “قصاص أولي دم”.