العربي الآن

عن العلمانية والمجتمع المدني ومتظاهري القنينة

الموضوع هو نزول فلول وأيتام النظام لميادين ما كانوا ليدخلوها لولا الثورة

كاظم آل طوقان – العربي القديم

ما بين سائلٍ ” مع الأسف النظام الحالي ما بيعمل تماثيل محتارين شو حنخلع” ورادٍ متهكمٍ: “نكسر جوامع مثلاً”، تنوعت أفكار وردود “مثقفين سوريين” وفق ما سُرب من محادثات مشتركة بينهم على الواتساب، بعد فشل جولتهم الأولى، في ساحة الأمويين ولا أظنها الأخيرة. محاولتهم للإعداد لطريقة جديدة في الطرح والاستقطاب، بعدما كشف السوريون أن من تصدروا الحديث في المظاهرة هم من فلول النظام الساقط، من إعلاميين وعسكريين، أي ذات الوجوه التي أولغت في دماء السوريين، خرجت تحاضر علينا بشعارات ظاهرها “العلمانية” و”المدنية”، وباطنها أهداف رأى السوريون خطرها، حين اتضح هوى وهوية المتظاهرين، اللذين لم ينددوا بإجرام الأسد ولم يثمنوا تضحيات السوريين ولم يحملوا صورة معتقل واحدٍ، ولم يرفعوا علماً للثورة (تنبه الرفاق العلمانيون وفق التسريبات للسقطة وقرروا المرة القادمة رفع العلم وتشغيل أغاني الثورة حتى يمرروا أفكارهم)!

 والمفارقة اللافتة أن أحد دعاة “العلمانية” قرأتُ له منشوراً يشيد فيه بـ “العلماني الكبير” قاسم سليماني، الذي هندس ونفذ مخطط إيران التوسعي الثأري الماضوي، فتخيلوا مستوى العلمانية التي يرفل بها الرفيق، ولا تقف المفارقة عند “كنة” أيمن زيدان التي لوحظ أيضاً أنها من أشد المعجبين ببراميل الأسد التي كانت تسحق حيوات السوريين في المساجد والأسواق والمشافي، والكل يعرف أن البرميل المتفجر سلاح غبي لم يُستخدم في المواجهات العسكرية ولم يحسمها بل كان يستهدف التجمعات المدنية حصراً، بمعنى أنها -أي كنة أيمن زيدان- تمجد أداةً للموت قتلت السوريين وكثيراً ما كان يكتب عليها عبارات طائفية وأخرى انتقامية فتخيلوا أن من يحب هذه البراميل شخص يحاضر بالعلمانية ، كعلمانية أيمن زيدان، الذي تجول يوماً وسط الولائيين في كربلاء، على وقع عبارات طائفية صريحة ولم يخجل حينها من تصرفه، بل هاجم المنتقدين وشنعهم!

ماسبق من أمثلة ليس إلا النزر اليسير من طرح مثقفي مظاهرة “القنينة”، التي كانت قليلة في أشخاصها وربما أصغر عددا من طوابير الذل التي كان الأسد يحشرهم بها، لكنها كبيرة في دلالاتها، ومن ذلك أن نظام الأسد ومشروع إيران سقطا إلى غير رجعة، لكن مخلفات الأسد وأيتامه بيننا، يطلون تحت شعارات “العلمانية ” و”المدنية” و”حقوق المرأة”، يرفضون ما يسمونها “أسلمة الدولة”، وكأن بشار الأسد كان “نيتشه” عصره، وهو الذي جعل سوريا مسرحاً لشذاذ الآفاق المتطرفين المؤدلجين، من مزار شريف في أفغانستان إلى حزب الله جنوب لبنان، نشروا التشيع في سوريا، ودنسوا مساجد السوريين وقبور الأمويين وحواضرهم، وحاولوا تغيير هوية دمشق، من مدينة عريقة جميلة بتنوعها وإرثها التاريخيّ، إلى مدينة للطم والطين وتجسيد خرافات، “أسد كربلاء” وغيرها من طقوس، لم يرها “متظاهرو القنينة” بأنها أدلجةً وتطرفاً ، لكنهم يرون أن عودة السوري لبيته بعد تهجير دام نحو عقد ونصف العقد والصلاة في المسجد الأموي هي “أسلمة وتطرفاً”، علماً أن الأموي له رمزية عند السوريين على مر العصور، حتى فارس الخوري “المسيحي”، خطب فيه ذات مرة، وقبل أيام زاره وألقى كلمةً فيه الشيخ ليث وحيد البلعوس من السويداء، في إشارة ودلالة على رمزية المسجد في المخيال السوري.

لا تزاودوا علينا بالعلمانية، التي لا تعرفونها أبداً إلا في الاستخدام اللفظي، في سبيل الأجندة والشيطنة، فنحن لسنا ممن تستفزه الكلمات، كمن هاجم نجيب محفوظ بسبب رواية لم يقرأها أصلاً، نعرف العلمانية جيداً، وكذلك المدنية، و”حقوق المرأة” التي سخرتم من مأساتها على يد الأسدين الأب والابن، نعرف أيضا موضوع المجتمع المدني وطبقناه، حينما خرج السوريون في اليوم الثاني لسقوط حبيبكم بشار، جماعات وأفرادا، لتنظيف الشوارع، وتوزيع الحلويات على رجالات الشرطة والدفاع المدني، ورسموا لوحات فنية جميلة هادفة على الجدران مزيلين صور الخميني ونصرالله ،التي لم تستفزكم يوماً، نعرف المجتمع المدني ودور المرأة حين استقبل أهالي إدلب كل السوريين وفتحوا لهم البيوت والقلوب، نظموا المبادرات الخيرية “العفوية” من جيوبهم وهم بهم “خصاصة” للإيواء والدعم، ويحضرني هنا حرائر حوران اللواتي قدمن ذهبهن خدمةً لقضية السوريين، ولا ننسى دور المرأة السورية التي ماتت قصفاً وتجويعا وتهجيراً، وأجزم أنكم لا تعرفون الشهيدة سعاد الكياري التي قضت وهي تدافع عن إدلب حين هاجمتها ميليشيات إيران قبل عدة أعوام، هذا هو دور المرأة التي لا تريدون حريتها بل حرية الوصول إليها، وأنتم الذين شمتم بمأساتها عندما قدمتم لوحة تسخر من السوريات اللواتي فقدن أولادهن بمجزرة الكيماوي  بالغوطة الشرقية، وطعنتم بعرضهن حينما جلبتم على إعلامكم القذر، الفتاة الحرة ابنة درعا (روان قداح) حتى تتحدث عن “جهاد النكاح “، وحين استنطقت إحدى “إعلامياتكم”، امرأة تحتضر في داريا بعد مجزرة جنود بشار “العلماني”، حتى تقول إن من طعنها هم المسلحون، فانظروا إلى حجم القعر الأخلاقي الذي وصلتموه.

فالقصة صراحة ليست صراعاً بين العلمانية وشيء آخر كما يروج متظاهرو القنينة، أصلاً هم يريدون تصدير هذا الخطاب حتى يشيطنوا الآخرين كما فعل كبيرهم بشار الذي كان يعرف نفسه للغرب بأنه علماني وحامي الأقليات يواجه “إرهابيين ودواعش وظلاميين”، الموضوع هو نزول فلول وأيتام النظام لميادين ما كانوا ليدخلوها لولا الثورة، تظاهروا وعبروا عما بداخلهم دون قمع كما كان يفعل المدني فيهم قبل المسلح، ثم إن ألف باء العلمانية تقتضي احترام حرية ودين ومعتقد الآخر، فقط انظروا للمحادثات المسربة، التي تسخر من “معتقد محدد بعينه” وشتم الذات الإلهية.

وأنتم يا أيتام النظام الساقط هنا وهناك، يامن تغمزون حتى الآن على سوريا أنها أصبحت تورا بورا وتحولت لـ “الأفغنة”، قبل أن تحاضروا علينا بالعلمانية والمدنية، ساحترم رأيكم عندما تتوقفون عن انتخاب زعماء الحرب الأهلية وقادة الفساد، نحن في سوريا رفعنا أكبر شجرة لعيد الميلاد، وأنتم ما زلتم ترفعون راية الخميني وأعلام تنظيمي حزب الله و”جنود الرب”، يامن توقف التاريخ عندكم منذ ١٤ قرناً، ومازال جناحان منكم الأول يريد بلدكم مزرعة تابعة للولي الفقيه، والآخر لم يتردد علناً بطلب “المشرقية”، لذلك وبصريح العبارة وفروا نصيحتكم في بناء الدولة لأنفسكم.

لن يمر على سوريا أسوأ من حقبة الأسدية، والشعب الذي اجتث شجرة الأسدية رغم كل إجرامها، لن يوقف هدير تطلعاته علمانيو “الولي الفقيه”، ولاشك أن القادم أجمل رغم أن التحديات كبيرة، ليس أقلها متظاهرو القنينة وأشباههم وامتداداتهم وداعميهم، وهم ليسوا إلا قمة جبل الجليد العائم في جملة مخططات تستهدف حلم السويين وتطلعاتهم، فكم من حبر سال ومخطط نفذ في سبيل سحقهم، وفجأةً يفشل كل ذلك وينطلق السوري من أصغر رقعة محاصرة لقلب دمشق، إنها لصدمة كبيرة، نتفهم هول وقعها صراحةً على تنظيم الأسد وأزلامه وأيتامه.

الخلاصة، إن كشف حقيقة متظاهري القنينة، ما كان ليحدث لولا  المغرد السوري، في رصد منشوراتهم القديمة، ونشرها على ضوء صراخهم الأخير، دور يحسب لكم أيها السوريون ويضاف لنضالكم الذي يجب أن يستمر ويتضاعف خاصةً أن معركتكم الإعلامية كانت رديفة للحرب العسكرية، وما يشدد الأهمية على دوركم أن تستقبل قناة سورية معينة ، واحدة من ممثلي متظاهري القنية لا لمناقشة شبهاتهم والرد عليها، بل كانوا بدور المستمع، وهذا يؤكد المؤكد على حروفكم أيها الأحرار في المحافظة على مكتسبات ثورتكم والذود عنها، في الواقع وفي المواقع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى