قصتي مع إعلام مزرعة الأسد: تشابه أسماء وتلفزيون رسمي أشبه بالوكر!
كنت يومها مشاكسة جدا أدافع عن حقي بكل ما أوتيت من قوة فانتهت المقابلة إلى نصيحة بأن أصبح أكثر مرونة وبألا أستعجل
سيلفا كورية – العربي القديم
بلغت شفافة مفعمة بالصدق والإحساس بقيمة المعاني والأشياء وإدراك التحولات ومرارة الخيبات وألق النجاحات التي سارت فيها تجربتها الإعلامية، روت الإعلامية السورية سيلفا كورية على صفحتها على (فيسبوك) وعلى حلقات… جانبا من قصتها مع الإعلام الذي درسته في الجامعة، وحاولت ممارسته في مزرعة الأسد التي كان يرتفع فيها الفساد والمحسوبة والفوضى… إنما دون جدوى… حتى غارت سوريا وعملت بجد وإخلاص في خدمة إعلام الثورة من خلال (أورينت) لتكون واحدة من أكثر الإعلاميات إخلاصا لهدفها…
ويسرنا أن نقدم للقراء هذه النصوص الرائعة، لأن فيها ما يستحق التوثيق والتأمل، لا القراءة والاطلاع وحسب (العربي القديم).
1- مجرد تشابه أسماء ووالدي وميكانيكي
في ظل الحديث عن مظاهرة يوم السبت المقبل للمطالبة (بالحقوق) من قبل العاملين في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون الذين تم منحهم إجازة مدفوعة ٣ أشهر تمهيدا لإعادة الهيكلية. سأحكي قصتي مع الإعلام في مزرعة الأسد.
تخرجت عام ٢٠٠١ من كلية الإعلام بدمشق، كنت من أوائل دفعتي تقاضيت يومها مكافأة مادية مقدارها ١٥ ألف ليرة في السنة الجامعية الأولى ومثلها في السنة الثالثة، و٥٠ ألف في نهاية السنة الرابعة….كان طموحي الذي عملت بكل اجتهاد لأجله هو إكمال دراساتي العليا والحصول على درجة الدكتوراه.
ثلاث سنوات من المطالبة بالحق المسروق…
مضت السنة الأولى بعد التخرج في انتظار مسابقة المعيدين، أو البعثات التي لم يكن يطلب فيها قسم الإعلام أي معيد. كنتُ أيضا أتقدم لجميع مسابقات التوظيف في الوزارات المختلفة، كانت أسماء الناجحين تثير استغرابي في كل مرة من زملاء أعرف مؤهلاتهم تماما. بعد عام بدأت أشعر بالظلم الشديد فتوجهت إلى نقابة الصحفيين وطلبت مقابلة السيد صابر فلحوط وتمكنت بعد عدة مرات من لقائه وأخبرته عن الظلم وعن معايير التوظيف التي تعتمد الواسطة لا الكفاءة، كان رده يومها أنه يتوجب علي أن أطالب بحقي دون التلميح لأشياء أخرى وبأن رب العالمين خلقنا على درجات، قلت له كنت أظن أنه خلقنا سواسية كأسنان المشط.
كنت يومها مشاكسة جدا أدافع عن حقي بكل ما أوتيت من قوة فانتهت المقابلة إلى نصيحة بأن أصبح أكثر مرونة وبأن لا أستعجل فلم يمر إلا عام بعد على التخرج.
بعد مدة قررت التوجه إلى مكتب وزير الإعلام كان يومها عدنان عمران وكنا متفائلين به كإصلاحي وبأنه سيفتح أفاق جديدة للعمل الإعلامي، وكان يستقبل في مكتبه كل يوم أحد المراجعين.
على مدى ٣ أشهر كنت أنتظر على باب مكتبه أسبوعيا حتى تكرمت السكرتيرة وأدخلتني. صبية لم أتجاوز الثانية والعشرين أحمل شهادات التفوق ومعدلاتي الجامعية ومتسلحة بما وجه به الأب المؤسس باني سورية الحديثة بضرورة الاهتمام بالمتفوقين الأوائل.
كان سؤال الوزير الأول ماهي صلة قرابتي ب جبران كورية الناطق الرئاسي لحافظ الأسد. أجبت مجرد تشابه أسماء فنحن من عائلة كبيرة ليس بالضرورة أن تجمعنا صلة قرابة. سألني ماذا يعمل والدي فأجبته ميكانيكي. الدقائق التالية بعدها لم تكن تختلف عما جاء مع فلحوط، ما اختلف فقط هو إصراري أن لي حق سأدافع عنه، طلب مني يومها أن أثبت أن هناك آخرين من ذات الدفعة قد تم تعيينهم وأن أعود إليه مرة ثانية.
المهمة اكتملت بعد شهر وعدت من جديد لأطلب مقابلته ومعي قائمة بكل المسابقات التي تقدمت عليها ورسبت وأسماء من نجحوا. يومها وقع لي بالقلم الأخضر محولا طلبي إلى مؤسسة الوحدة للإعلام والنشر (يرجى النظر في حال توفر شاغر).
2- الطلب الضائع في الديوان
حملت توقيع الوزير عدنان عمران وذهبت بالملف كاملا لأقابل مدير مؤسسة الوحدة – اعتذر لم أعد أتذكر الاسم – كان اللقاء فارغاً من أي قيمة لاسيما بعد أن سألني عن صلة القربى بجبران كورية وحصل على ذات إجابتي للوزير.
الخلاصة أنه قال لي توقيع الوزير مثل عدمه فلا يوجد شاغر، واخبرني المدير هل تعرفين (فلان) قلت له نعم هو من الزملاء في الدفعة، قال لي هو أحد أقربائي ويعمل الان معنا في المؤسسة لكن بعقد يقول أن طبيعة عمله (مستخدم).. وإذا أردت ولأني زميلة فلان يمكنني التقدم بطلب توظيف.
تم وضع طلبي في الديوان وأخذت الرقم وبدأت أتابع…. بعد عدة زيارات للمؤسسة يبدو أنه قد مل مني فقال لي أنت من حمص إذا أردت الوظيفة في جريدة (العروبة) يمكنك ذلك.
وافقت بعد تفكير طويل فالمال الذي أحتفظ به من مكافأة التفوق قد بدأ ينتهي وكنت اضطررت للعمل في مصنع يدوي لتصنيع الشموع وفي محل بيع ألبسة في الدويلعة لأتمكن من دفع أجار الغرفة …ماذا أفعل إذا في العاصمة لأعود إلى مدينتي وحين يتم الإعلان عن مسابقة المعيدين يمكنني العودة…وهكذا تم إرسال طلب التوظيف إلى حمص بالبريد.
ذهبت إلى مدير صحيفة (العروبة) للاستفسار فقال: “ارجعي بعد أسبوع. يمكن تأخر البريد”. الأسبوع بات أشهر، ومتابعاتي بين دمشق وحمص جعلت من جرعات الغضب مستواها أعلى. قال لي في آخر المطاف مدير صحيفة (العروبة) حين تعاطف مع قصتي “عمي بصراحة نحن طالبين عمال للمطبعة في الفترة الليلية وجماعة الشام عم يضحكوا عليك لكني قررت ساعدك وأعطيك طلب موافقة بس خديه هالمرة باليد معك”.
ذهبت للشام لأتفاجأ بتغيير مديرها، في الديوان أخبروني أن المدير الجديد لن يوافق على طلبات تعيين من مدير سابق، وعلي أن أبدأ من جديد.
3- لا مكان لي في هذا الوكر
للتلفزيون بريق يجذب كل من يحب الإعلام، وكنت منهم بالطبع، لكني أدركت بشكل سريع أن لا مكان لي في هذا الوكر… حاولت مرتين وفي الثالثة هربت. أن تكون فتاة في ذلك المكان يعني إما أن تكون مدعوماً بما لا يدع المجال لأحد بانتهاك كرامتك أو أن تكون سلعة. مكان رخيص قذر مخابراتي أمني مشوه فاشل وأتمنى أن أكون قد ظلمت فيه أحد لأكون بذلك ظالمة للمرة الأولى.
دفعني عدد المرات التي تكرر على مسمعي فيها اسم جبران كورية بأن أبحث عن طريقة للتواصل معه، حصلت على رقم هاتفه المنزلي واتصلت لا اعرف لماذا فعلتها، كنت غاضبة جدا وأخبرته حكايتي. كان مستمعا باحترام وقال لي كيف يمكنني مساعدتك؟ قلت له دلني على طريقة لأصل لما أريد بقدراتي ومؤهلاتي، قال لي: “نصيحة استعملي اسمي وسأكون مسروراً”. لكني لم أفعل مرة.
في أواسط عام ٢٠٠٤ صدرت للمرة الأولى مفاضلة خاصة بقسم الإعلام ذهبت للاطلاع على الشروط والتقدم للمعيدية، فوجئت بأنهم طلبوا مواليد عام ١٩٨٠ وما دون… كنت من مواليد الأسبوع الأخير من شهر كانون الأول ١٩٧٩…ذهبت للوزارة فقالت لي الموظفة: “جربي تعملي استثناء بدك واسطة”.
كتبت رسالة بكل التفاصيل التي ذكرتها في أجزائي وعنونت على الغلاف: “إلى القصر الجمهوري” واحدة، و”إلى مكتب أسماء الأسد” واحدة أخرى. ثلاثة من المكتبات التي حاولت إرسال الرسائل عندهم خافوا ورفضوا. وضعتها في النهاية في بريد أحد الوزارات.
كنت ولازلت أؤمن بأننا نأتي إلى هذه الحياة للتجريب لا أكثر، لنخرج منها في النهاية شفافين وحالمين وأنقياء كما دخلناها، وإذا حاولت هذه الحياة أن تكسرنا من مطرح فلنهرب ولنفتح آفاقا جديدة. وهكذا فعلت مع بداية ٢٠٠٥ وقراري التوقف عن ملاحقة سراب وأن أثبت نفسي بالعمل في القطاع الخاص
4- نماذج مختلفة من السوريين
لم تكن تجربتي في قطاع الإعلام الخاص مهمة إلا في أمرين:
الأول: أنها كشفت لي آليات العمل الإعلامي وسوية أصحابه والعاملين فيه وهنا أستطيع أن أقدم شهادتي على أن تلك البلد حولت جيشا من الصحفيين إلى أبواق ومرتزقة والى راكضين خلف أي مؤتمر صحفي تعقده شركة أو مؤسسة اقتصادية للحصول في نهايته على خلاط أو مكواة أو ميكرويف أو ظرف مغلق، ولم ينجو من ذلك إلا قلة قليلة حافظت على سمعتها.
والثاني: أنه أتيحت لي فرصة التعرف على أننا نملك أكثر من سورية بل سوريات متعددة متداخلة متناحرة متباعدة وأنه بإمكانك أن تختار لأي واحدة تنتمي لكن لابد أن تدفع ثمن ذاك الانتماء…لم يكن الإعلام في أي يوم من الأيام يمثل الشارع أو يرصد همومه وتغيراته على العكس دائما.
بدأت العمل بداية في مكتب للدراسات وبحوث الرأي لصاحبه السيد سامر سلاخو ابن مدينة المليحة. في هذا المكان بدأت أتعرف على نماذج مختلفة من السوريين، كان الرجل نبيلا وكريما لدرجة لا أعرف غيره بمثلها إلى اللحظة، كان يدفع رواتبنا حتى إن لم يكن لديه عمل ولم يتخل عن موظف يوما. رحل سامر منذ أشهر قليلة ولم يتسنّ له رؤية سوريا بلا الاسد، رحل في تركيا بعد أن خسر معظم ثروته لانتمائه لثورة أهله، رحل مقهوراً ومنفياً.
التحقت في المعهد العالي للتنمية الإدارية الكائن في الحلبوني للحصول على درجة الماجستير وحصلت عليها في العام ٢٠٠٧ وبذات الوقت انضممت للعمل في صحيفة كان اسمها (قضايا إدارية) هي دورية نصف شهرية لصاحبها الدكتور حسان النوري _ الذي كان أحد المرشحين الصوريين للانتخابات الرئاسية ٢٠١٤ – وصلت العمل في الفترة التي اختلف فيها مع المدير المسؤول في المجلة، والذي كان يهدده بالاستقالة وبالتالي إيقاف الترخيص كونه المدير المسؤول، فطرح علي أن أنوب عنه بوضع شهادتي الجامعية ضمن تراخيص المجلة مقابل مبلغ مالي مقبول ووافقت، كان مركزا شكليا لا غير… فيما بعد باعها لمحمد مرتضى الدندشي واجهة رامي مخلوف الذي حولها إلى مجلة اقتصادية باسم (قضايا)
لم تستطع المجلة أن تحقق له الغاية التي يريدها من تلميع ونفوذ فقرر إغلاقها، مرسلا محاميه للتفاوض مع الموظفين للتنازل عن حقوقهم مقابل مبالغ مالية زهيدة، وافق البعض ورفضتُ متسلحة بمنصبي كمدير مسؤول الذي لم يعد صورياً بل استخدمته للحصول على تعويضاتي كاملة عن سنوات عملي الثلاث.
5- مدونة وطن: سوريا الجميلة بعيداً عن الأسد
تمَّ تأسيس مشروع “eSyria – مدونة وطن” عام ٢٠٠٨ ضمن إطار مبادرات الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية في تطوير المحتوى الرقمي العربي.
تعرفت على المشروع عبر إعلان توظيف منشور في الصحف، أرسلت السيرة الذاتية وفوجئت بعدها بعدة أيام باتصال من صبية اسمها دانا رسلان كانت جمعتني بها معرفة سابقة أخبرتني أن فريق العمل اختارني لأكون بينهم، كانت المرة الأولى ربما التي يؤخذ فيها برأي الموظفين باختيار زملائهم.
المشروع كفكرة وإدارة وتطور تقني كان غير مسبوق، نافذة واحدة تنفتح إلى ١٣ موقع لكل من المحافظات السورية..جيش من المراسلين كانت مهمتهم تدوين سوريا الجميلة في كل القطاعات الخدمية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية تحت إدارة السيد المهندس رشاد كامل الذي كان له الأثر الكبير في فتح عيوني على جمال هذه الجغرافية…أثر كان يزداد عمقاً مع مرور السنوات.
أتاح لي العمل في esyria أن أتعرف على مجموعة كبيرة من الزملاء من محافظات لم أكن أعتقد أن فيها صحفيين لديهم ثقافة وحضور وخبرة أكثر من العاصمة، بل هم أكثر بكثير، كنا نعمل على توثيق وتدوين العادات والتقاليد والأكلات والموسيقا والشخصيات المؤثرة في محيطها بدءا من بائع الفلافل الناجح في حارته وليس انتهاء بصاحب اعلى الشهادات العلمية.
لأعترف أني يومها لم أكن معجبة كثيرا بهذا العمل، على العكس كنا نخرج من اجتماع التحرير منتقدين أننا نغرد خارج المطلوب منا كصحفيين، كنا نعتقد أن مهمتنا الحقيقية هي وضع اليد على مكامن الخطأ والفساد والسرقات لا على تدوين العادات والثقافات وقصص النجاح للعاديين من السوريات والسوريين
كنا ننتقد الرجل حين كان يطالبنا بأن نختار المراسلين (ولاد العيل) ممن يعرفون كيف يلبسون ويمشون ويتحدثون، ومن المحبوبين في مدنهم وأن نستقطبهم حتى لو كانت أجورهم أعلى. لم أفهم إلا بعد سنوات طويلة أنه كان يعلمنا التمييز بين الأصيل وبين الحثالة، وأنه كان يريد لنا أن نرمم جهلنا بهذه البلد، فنبرز جمالها، ونشجع المميزين من أبنائها، وأن نتغنى بالتنوع والفرادة والأصالة، وأن نعود إلى الأرشيف ونحكي عن غرف الصناعة والتجارة كيف كانت وكيف كنا، وأن ندون الصحف القديمة وسوريا منذ استقلالها الأول. كانت مدونة وطن هي سوريا من غير الأسد. كانت فرصتي التي لم أكتشف أهميتها وأهمية تجربتي فيها، إلا حين سالت الدماء في الشوارع وكنت أعود إليها لأجدد ثقتي بأن تلك البلد التي كانت يوما ستعود أجمل.
أدعوكم جميعا إلى الاطلاع على مدونة وطن ففيها جهد سنين طويلة وفيها ملامح من سوريتنا التي نشتاق. واشكروا معي هذه القامة السورية الخبيرة السيد رشاد كامل…شكرا هذه المرة على العلن يا أستاذ.
6- الرحيل عن مزرعة الأسد
غادرت سوريا إلى دبي في تموز ٢٠١٠ إثر خسارتين تيقنت بعدهما أن طاقتي قد نفذت تماما وأن لاجدوى من البقاء فكل المعارك هنا خاسرة.
الخسارة الأولى: كانت إغلاق مكتب قناة الشرقية العراقية التي كنت أعمل مراسلة لها من دمشق دون سبب معلن، حيث قرر وزير الإعلام محسن بلال لأسبابه الشخصية أن ينهي عمل فريق كامل بشكل مفاجئ. كان العمل بالنسبة لي فرصة مهمة على كل الأصعدة لاسيما المادية حيث كنت أتقاضى ١٥٠٠ دولار على ثمانية تقارير شهرية. تم استدعاء مدير المكتب للتحقيق الأمني وتم تهديده في حال العمل مرة ثانية بشكل علني أو سري، وذهبت بدوري إلى وزارة الإعلام قال لي المسؤول يومها أننا نهين الدولة السورية عبر التقارير والبرامج التي نرسلها. استغربت لأن عملي كان العكس وسألته أن يذكر مثالاً عن عملنا المسيء فقال تقريرك عن صحافة الأحزاب، أخبرته أن هذا التقرير بالذات كان محابياً بشكل مبالغ فيه، لأن كل من زيد قطريب مدير تحرير صحيفة (البناء) التابعة للقومي السوري، ويوسف كرو رئيس تحرير صحيفة (النور) التابعة للحزب الشيوعي..كانت مداخلاتهم سطحية جداً وبسقف أقل حرية بكثير حتى من ممثل صحيفة (البعث) الذي انتقد الحريات الممنوحة للصحف الحزبية. لكن المسؤول في الوزارة كرر التحذير من أن أي محاولة لاستمرار العمل سيكون له تبعات أمنية… وخسرت وظيفتي.
الخسارة الثانية كانت رسالة الدكتوراه التي كنت أعمل على إنجازها والتي رفض المعهد العالي للتنمية الإدارية بعد أكثر من ثمانية أشهر على العمل أن يعين لي المشرف الذي أريده على الرسالة، كنت بدأت العمل مع أحد الدكاترة حين كان من ضمن ملاك المعهد لكنه غادر فطالبتني الإدارة بالانتقال إلى مشرف آخر وكانت الوحيدة التي من ضمن الاختصاص هي دكتورة من مدينة حلب في الأشهر الأخيرة من حملها واتفقنا بشكل ودي أنها لن تتمكن من الإشراف واعطتني موافقة خطية أنها تتنازل لزميلها الذي أصبح خارج ملاك المعهد…لكن الإدارة اعترضت لسبب أجهله رغم إعطائهم موافقات مشابهة لطلاب آخرين كانت لهم رتب في الجيش، وكان الحل الوحيد للاستمرار في دراستي أن أبدأ بأخذ الموافقات من جديد. كان اليأس قد بلغ مني منتهاه ..فتركت سوريا الأسد غير آسفة على شيء…على سلم الطائرة لم أنظر خلفي كنت أصلي أن لا أعود إلى تلك البلد مرة ثانية …دعوة كم ندمت على تحققها فيما بعد..
حين غادرت كان عندي مبلغ يقارب من ٢٥٠ ألف ليرة سورية كنت أضعه وديعة في بنك عودة… قلت لصديقة منذ فترة …سوريا الأسد سرقتني حرفيآ..أعطيتها كل شيء لكني محظوظة مع ذلك لأنها قتلت أصدقائي فيما بعد بينما نجوت أنا.
7- من سمع ليس كمن رأى
كانت أورينت الشاشة الأجمل والتي حملت منذ انطلاقتها حلم شباب بالتغيير. عملت في أورينت مرتين..سأتكلم عنهما من تجربة صحفية طموحة فشلت أن تجد لها مكانا في الإعلام الرسمي لبلدها….سأتكلم بعيداً عن الخط التحريري لها سواء كنتم تتفقون أم تختلفون.
في أيار عام ٢٠٠٩ حصلت على إيميل السيد غسان عبود المنشور على الإنترنت وأرسلت له رسالة شرحت فيها كيف فشلت في الحصول على عمل في المؤسسات الحكومية لأن المعيار هناك هو الواسطة لا التفوق والمؤهلات ….وتساءلت إذا كنت أستطيع إيجاد فرصتي في قناة تقول السيرة الذاتية لمالكها أنه كان من المتفوقين في ذات الكلية….جاءني الرد منه بأن أذهب لمقابلة مدير القناة وإذا كنت أستحق فسأحصل بالتأكيد. لم يكن لدي أي خبرة في الإعلام التلفزيوني وقتها فاعتذر المدير فلديهم كوادر مؤهلة أكثر.
أرسلت رسالة ثانية إلى غسان عبود وقلت أن طريقتهم لاتختلف عما عرفته مسبقا وأني أستحق الفرصة فليمنحوني إياها وسأعمل متطوعة بدون أجر… ورد ثانية لتكون المقابلة معه هذه المرة سألني ( بيت كورية من وين) فأخبرته أن الأصل من القامشلي ، فقال هل تعرفين المنطقة الشمالية الشرقية بشكل جيد، فسألته ماذا يريد بالضبط… فقال لدينا مكتب في حلب، وأريد الرقة دير الزور الحسكة.. أن أراها على الشاشة بخيراتها وثقافتها وناسها ولغاتها ….وافقت على الفور وتركت دمشق وذهبت واستأجرت بيتآ في السليمانية- عوجة الجب ودفعت الأجرة مقدماً لستة أشهر.
استمر عملي معهم ثلاثة أسابيع أنجزت فيها بمساعدة أصدقاء تقارير من الرقة ودير الزور، ليتم ابلاغنا بضرورة العودة إلى حلب لأن الأمن أغلق المكاتب وتم إحالة جميع الموظفين للتحقيق و التوقيع على تعهد بعدم العمل معهم..كان كل من في سوريا يعرف السبب هذه المرة…رامي مخلوف.
وعملت مع الأورينت مرة ثانية في تموز ٢٠١٠ بعد وصولي دبي ذهبت لزيارة مقر القناة ووقعت عقد عمل في ذات الزيارة…
أورينت… شاشة الثورة الأولى
لم أكن أنتمي إلى أي حزب من قبل ولم أشارك في أي نشاط معارض…ولا حتى شاركت في جنازة الراحل نزار قباني وكنت يومها طالبة جامعية…لم أحلم يوما بتغيير النظام لم أكن حتى أفكر أنه يمكن لعائلة الأسد أن تزول، مع بداية شهر آذار ٢٠١١ والدعوات لانطلاقة الثورة انحازت أورينت للشارع أذكر أنه تم عقد اجتماع للموظفين في بيت أحد الزملاء الذي أخبرنا انه تلقى اتصال من أحد الضباط الكبار وأنه يضمن لنا إذا استقلنا استقالة جماعية وفضحنا إدارة القناة ومؤامرتها ف سنجد فرص عمل مباشرة في قناة الدنيا… كنت مع الفريق الذي رفضنا ذلك لأننا ببساطة لانعرف عن أي مؤامرة يقصدون، فلم يطلب منا أحد بث أو حجب أي معلومة بعد ولم يتدخل أحد في كتابة تقاريرنا…اختارت مجموعة من الموظفين الاستقالة وذهبوا إلى السفارة السورية في دبي لتثبيت موقفهم وكانت المواقع السورية وعلى رأسهم موقع (سبريا ستبيس) ينشر تفاصيل كل ما يجري في القناة مع أسمائنا محرضين علينا بشكل غريب، عاد بعض العاملين فعلا إلى قناة (الدنيا) وظهروا يتحدثون عن الغرف السوداء التي نفبرك فيها المؤامرات…كنت والبقية نبحث في أروقة المكاتب عن تلك الغرف.
مع الأيام الأولى لانطلاقة الثورة كنت خائفة جدا لم أكن أعرف ما يحصل أو سيحصل…لكني انتميت إلى أصدقائي…كان جابر بكر الصحفي والمعتقل السابق عام ٢٠٠٢ في صيدنايا ..والصحفي في جريدة تشرين الشهيد فيما بعد مصعب العودة الله …كانا بمثابة عيناي التي رأت الشوارع السورية…كانا عقلي وضميري…أعرف كيف أختار أصدقائي وأصدقائي لايكذبون..نعم هناك ثورة.
بقيت خائفة إلى اليوم الذي ظهر فيه بشار الأسد في خطابه الأولى..كنا مجتمعين في غرفة الأخبار…كانت ضحكته البلهاء كافية لإشعال ألف ثورة…نظرت في عيون زملائنا من الجنسيات العربية كانت تقول لنا عار عليكم إذا أبقيتموه.
التضليل الإعلامي في مزرعة الأسد
استقلت من أورينت أواخر عام ٢٠١٣ لكن في آذار عام ٢٠١٤ ظهر الصحفي شيار خليل المعتقل يومها في سجون الأسد على شاشة التلفزيون السوري في برنامج التضليل الإعلامي، أجبروه على تسجيل شهادة اعترف فيها أنه يتعامل مع الأورينت وهو الذي لم يعمل معنا على الإطلاق، وأنني صلة الوصل مع( الإرهابيين) في ريف دمشق، وأنني دربت وزودت (الارهابيين) بالمعدات والأموال والأسلحة، سامح النظام حملة السلاح وعقد معهم المصالحات لكنه بقي إلى الأيام الأخيرة يخيفه أي صوت حر. ببساطة حولني نظام الأسد من متفوقة إلى خائنة وصدقه أقرب المقربين.
مر ١٤ عاما كنت فيها شاهدة على تضحيات عظيمة وانكسارات عظيمة أيضاً…كنت شاهدة أن الكلمة تقتل أكثر من الرصاصة …أقف اليوم على أبواب سوريا الجديدة التي فتحها لنا ملايين من الشرفاء.
الرحمة لأرواح شهداء الثورة السورية من الإعلاميين والمواطنين الصحفيين. وأخص منهم أصدقائي وزملائي ممن عملت معهم: مصعب العودة الله، زياد عرفة، براء البوشي، محمد سعيد، ناجي الجرف، يوسف أبو بلال الحمصي، عبيدة بطل وعبود حداد وحسام نظام الدين، رائد الفارس وخالد العيسى وحمود جنيد، رامي هناوي.. مؤيد السلوم وميلان جمال… وآلاف غيرهم من شهداء الكلمة… والعار كل العار لمن انتمى يومآ إلى الجلاد.