بين الخبز والتهجير.. طفولة ضائعة في شوارع دمشق
مخلفات الحرب في سوريا لا تشمل الألغام والذخائر غير المنفجرة فحسب، بل أزمات اقتصادية واجتماعية لا نهاية لها

تقرير: محمد الموسى – العربي القديم
تقف على قارعة الطريق، بثياب رثة تغطي جسدها الصغير وابتسامة ساحرة، تحمل بين يديها الناعمتين العشرات من أرغفة الخبز الساخنة. في زحام مدينة دمشق الكبيرة، تنتظر أميرة بفارغ الصبر أن تبيع تلك الأرغفة وتعود إلى منزلها بعد يوم عمل شاق.. على الرصيف المحاذي، تستلقي أختها عبير، بعدما نال التعب منها، و”بَسْطة” خبز بَانَ عليها القدم، تنتظر أيضاً شارٍ يمر صدفةً من أمامها.
مخلفات الحرب في سوريا لا تشمل الألغام والذخائر غير المنفجرة فحسب، بل أزمات اقتصادية واجتماعية لا نهاية لها. ويعتبر الأطفال الفئة الأكثر تضرراً في خضم ثورة شعبية لاقتلاع نظام استبدادي دموي، استغرقت أكثر من 13 عاماً، وتسبب خذلان هذه الثورة من قبل المجتمع الدولي لسنوات طويلة، بحرمان أكثر من مليون طفل من حقوقهم الجوهرية كالالتحاق بالتعليم، والحصول على الرعاية الصحية، وممارسة اللعب، والعيش بكرامة. وقد فرضت هذه الأزمة عليهم تحديات إنسانية واجتماعية واقتصادية بالغة الصعوبة.
وتُعد عمالة الأطفال من أبرز الإشكالات التي تواجه المجتمع السوري وتستبيح الطفولة السورية، وتهدد حياة ومستقبل مئات الآلاف من الأطفال، نظراً لانخراطهم في أنشطة لا تتناسب مع أعمارهم، وتنعكس سلباً على صحتهم ونموهم الجسدي والعقلي، وتحول دون تمتعهم بحقوقهم الأساسية.
وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، فإن أكثر من 2.5 مليون طفل سوري خارج المدارس، بينما يعمل واحد من كل ثلاثة أطفال في سوريا لمساعدة أسرهم. كثيرون مثل عبير وأميرة يتحملون أعباء لا تتناسب مع أعمارهم، بدءاً من التسول في الشوارع، وصولاً إلى العمل في مهن خطرة مثل ورش التعدين أو النفايات.
تعتلي الابتسامة محياها وتقول بصوت خافت: “عمو، اشتري مني الربطة بس بـ 8000، واقفة عليّ بـ 5000”. فتنهض عبير من مرقدها على الرصيف، ثم تتقدم بضع خطوات وتقول: “اشتروا منا ربطتين، الواحدة بـ 7500”. تحاول أن تقنعنا بشرائهما كي تذهب رفقةَ أختها إلى المنزل مبكراً. عبير وأميرة أُخْتَيْنِ من مدينة الباب بأقصى شمال حلب، ظروف الحرب وسيطرة داعش على المدينة في 2014، أجبرت والدي الطفْلَتَيْنِ على التوجه إلى دمشق بحثاً عن أمل، كانتا لم تُولَدا بعد.
تقول منظمة اليونيسف إن 85% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، مما يدفع العائلات إلى إرسال أطفالهم للعمل بدلاً من التعلم. “نحن نحاول النجاة فقط”، تقول أميرة، بينما تمسك بيد أختها عائدتين إلى منزلهما المتواضع في أحد أحياء دمشق الفقيرة.
رغم كل شيء، لا تزال عبير وأميرة تحلمان. “أريد أن أصبح طبيبة”، تقول أميرة، بينما تضحك عبير: “وأنا سأكون معلمة”. لكن حلمهما يبدو بعيداً، فالحرب، حتى بعد نهايتها، لم تترك لهما أي خيار سوى مواجهة قسوة الحياة يومياً.
في النهاية، تعود الاثنتان إلى المنزل، حاملتين معهما قليلاً من الطعام وأملاً ضئيلاً بأن الغد قد يكون أفضل. لكن في شوارع سوريا، ما زال هناك آلاف الأطفال مثل عبير وأميرة، يكافحون من أجل البقاء في بلدٍ لم يعد يعرف إلا الدمار.