نبيل سليمان بين إنكار طائفية النظام و"زلزال" الثورة: التناقض المغرض!
العربي القديم – عادل رجب
حين يتأرجح الروائي بين الزلزال والطائفية، لا بد أن يثير التساؤل، فالأدب إذا كان على صلة وثيقة بالواقع، فلن يحتاج إلى هذا التحايل، إذ لا قيمة لما ينتجه المثقف من ثقافة إن لم تكن حقيقية وتعبر عن الواقع. من هنا استدعى حدث الثورة السورية التي انطلقت في 18 آذار 2011 أن يكون الروائيون السوريون من أوائل المثقفين الذين كتبوا عن هذه الثورة متأثرين بشعاراتها العظيمة المنادية بالحرية والكرامة وإسقاط الديكتاتورية، فزخرت المكتبة الروائية السورية بكتابات أرخت لأحداث الثورة منذ انطلاقتها في العام 2011 وحتى يومنا هذا تُظهر ما كابده المواطن والوطن من تدمير وتخريب وقتل وتشريد على يد جيش النظام والميليشيات المساندة له، متوقفة عند بنية النظام الأمنية والطائفية وانعكاساتها على الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للشعب السوري.
روايات فككت طائفية النظام!
من خلال قراءتي للعديد من الروايات التي صدرت، يلاحظ أنها امتازت بالعمق في طرح رؤاها السياسية التي كانت تقصد النظام والمعارضة في آن واحد، فضلا عن تفكيكها لبنية النظام الطائفية وهي من المسلمات التي لا يمكن انكارها لمن يعيش على أرض سوريا. وقد توقفت بعض هذه الأعمال عند موضوع استغلال النظام الطائفة العلوية في تثبيت حكمه وترسيخ العداء وتأجيج العداوة والحقد بينها وبين “الأكثرية السنية”. وقد برع فواز حداد أيما براعة في تصوير ذلك بروايته “السوريون الأعداء” وربما نستطيع أن نعده من أوائل الذين تعمقوا في موضوع استخدام النظام الطائفية لقمع السوريين بمختلف انتماءاتهم. ومع ذلك نستطيع أن نرصد موضوع الطائفية في أكثر من رواية كتبت بين عامي2011 و2020، كرواية “عين الشرق” لإبراهيم الجبين و”مسها السحر” لروزا حسن و”الغلس” لماجد رشيد عويد و”مدن اليمام” و”لعنة الكاديوم” لابتسام تريسي و”ليل العالم” و”تحولات الإنسان الذهبي” و”مدائن الأرجوان” لنبيل سليمان.
نستطيع القول أن للكاتب نبيل سليمان رأي مختلف عن بقية الروائيين حين أنكر أن هناك طائفية في سوريا، وذلك بوصف الثورة السورية على أنها “زلزال”، يريد بهذه التسمية طمس جوهر الحدث السوري، وتمييع الثورة، والتغطية على أسباب قيامها من خلال محاولاته العديدة لتسويق هذا المصطلح في لقاءاته الصحفية، كان أبرزها حين سئل في موقع رمان بتاريخ 7/11/2019.
– لماذا تطلق اسم زلزال على ما حدث ويحدث في سورية وليس ثورة أو انتفاضة؟
فأجاب، وجدت أن هذا الوصف يحتمل معنى التغيير ومعنى التخريب ومعنى الدمار.
مراعيا ألا تحمل إجابته أية قيمة سياسية، أو معنى يفسر ماهية هذا المصطلح الغامض المستعار من علم الجغرافيا، والذي يبتعد عن الواقع كثيرا. ولو سلمنا بما قال ألا ينبغي له أن يبين لنا ما معنى هذا التغيير، ولماذا كان التخريب والدمار، ومن الذي قام بهذا الزلزال، ومن الذي أخمده؟ بالتالي بدل أن يتهم سليمان وهو ناقد وروائي غيره من الروائيين بالطائفية، ويصفهم بأنهم “ممن أوقعتهم الثأرية من النظام بضباب النظر” على حد قوله، بينما أنعم عليه بحدة النظر، وسلام الرؤية.
رؤى طائفية في روايات نبيل سليمان
من قرأ بعض روايات سليمان، ولا سيما الصادرة بعد عام 2011 كـ”مدائن الأرجوان” و”تحولات الإنسان الذهبي” و”ليل العالم” سيجد فيها الكثير من الرؤى الطائفية التي يبثها في هذه الروايات ويؤكد فيها على طائفية النظام منذ تسلمه الحكم، وحتى قبل ارتكابه لمذبحة حماة 1982، ففي رواية ” ليل العالم” يشير إلى انحياز محسن عضو قيادة فرع الحزب بالرقة قبل عام 1970 إلى أبناء الساحل، ولا سيما أبناء طائفته العلوية وحتى بعد 1970 حين يتولى منصبا أعلى في دمشق يقول سليمان على لسان بطل الرواية منيب من خلال مقتطفات:
“الرفيق محسن زار الرقة في هذه الفترة وكل من هو من الساحل، لابد أن تشمله رعايته – ليس هذا التعصب الوحيد – أضف إليه التعصب الطائفي الرفيق محسن لا يخفي علويته ولا رعايته لمن في الرقة من العلويين، ويزيد على ذلك في رؤيته أن العنف الذي جرى ليس سببه الديكتاتوريات وحده بل الإسلام السياسي”.
كما حين يبدي الأب باولو رأيه (كان النظام يؤسس للطائفية بتمييز الساحل على ابن الداخل العلوي على السنة تأتي داعش لتفرق بين المسلم والمسيحي). وكانت رواية “ليل العالم” برأي من كتب عنها أقرب إلى اليوميات والمذكرات والرسائل والخواطر، وإلى أبعد من ذلك، ذهب الناقد المغربي نزار الغراوي حين وصفها بأنها “سيرة ذاتية لا تخفى تكشفها اللغة الحميمة التي يكتبها سليمان بحواسه”- موقع الجزيره بتاريخ 13/1/2016- مما يؤكد أنه كان واعيا لما أشار إليه في الرواية عن طائفية النظام كواقع لمسه عندما كان مدرسا في مدينة الرقة لمادة اللغة العربية منذ عام 1967 وحتى بداية انقلاب حافظ الأسد عام 1970 بمعنى آخر أنه كان شاهدا على بدايات التمييز الطائفي للعلويين من قبل السلطة. هل المقصود وجود الطائفية قبل الحركة التصحيحية، لكن ماذا عن حكم الأسدين الطويل بعدها؟ أما روايته “مدائن الأرجوان” المنشورة سنة 2012 فيقول عنها خليل صويلح في مقال له بالأخبار في 3/9/2013 :(ليس ما كتبه سليمان في مدائن الأرجوان تأريخا لمرحلة بقدر ما هو شهادة عما حصده العنف الطائفي قبل عقود وربما أراد أن ينوه إلى ألا تتكرر المأساة اليوم بالأدوات ذاتها وإن بمسميات جديدة. وهي مذيلة بتاريخ آب 2012 وأراد أن يوحي لقارئه أن ما يحدث في هذا التاريخ سبق وعشناه فعلا ويصعب كتابة هذه اللحظة من دون ترميمها بالنسخة الأولى منها) بمعنى ما أنها كانت متوافرة، وما حدث أنها اخذت مجراها. وفي “تحولات الإنسان الذهبي” يذكر على لسان بطلها كارم حالات ومواقف بعينها تسلط الضوء على أحداث الثمانينات الصراع بين النظام والسنة (الإخوان المسلمين) وحادثة المدفعية ومذابح حماة، وقد أظهر الصراع عن أنه كان فعل ورد فعل، أي أن النظام لم يكن السبب، فلم تتوقف الرواية عند الفاعل الأول للمظلومية المجتمعية، ودون تحميله مسؤولياتها، لكن ماذا عن سرايا الدفاع التي كانت تسرح وتمرح في البلد، وماذا عن علونة الجيش وتسريح الضباط؟
إنكار وإعراض عن تحليل الأسباب
يعترف سليمان بالطائفية وينتقد غيره عليها، كما رأينا في بعض رواياته التي تحدث فيها عن النظام وعلاقته بالطائفة العلوية وتمييزهم عن بقية الشعب. إلا أنه كان أكثر بعدا عن تحليل أسباب ما جرى في سوريا من قمع واضطهاد من نظام اتخذ الدكتاتورية الشمولية أسلوبا للحكم، وإشاراته لتلك الأحداث أراد أن تكون تاريخا لزمن الرواية. وفي مقالة لأنور محمد بعنوان (في التباب ونقضه لنبيل سليمان نحو هوية ثقافيه سورية) ((ضفة ثالثة )) بتاريخ7/6/2020 يقول “إن السوريين على اختلاف إثنياتهم وعقائدهم تعايشوا بسلام كما أنهم عائلة واحدة حين نزحوا حين الزلزال من حلب وإدلب إلى طرطوس واللاذقية، لم تسجل أية حادثة اقتتال طائفي طائفي” ولم يقل لماذا لجأوا، أليس هربا من الجيش العقائدي والشبيحة والبراميل المتفجرة؟ أراد نبيل سليمان أن يخلط الأوراق ويقنعنا بأن لا طائفية في سوريا من خلال ما ذكره لأن التآلف بين الناس كما ذكر كان إنسانيا، لكن أصلا، لا طائفية تستحق الذكر بين السوريين إلا الذين جندهم نظام المخابرات للاعتداء على مظاهرات الاحتجاج.
إن ما ذهب إليه سليمان في وصف الثورة السورية المعاصرة (2011). بالزلزال ومحاولته تسويق وتأكيد هذا المصطلح لهو برأيي تزييف لهذا الحدث السوري، وتعمد رؤية سياسية مضللة، لأن الشعوب حين تنتفض فليس هدفها التخريب والدمار والقتل، بل تنشد الدفاع عن حرياتها وكرامتها المغتصبة والعمل على بناء وطن يعيش فيه الجميع متساوون أمام القانون لا فرق فيه بين علوي، أو سني أو درزي او إسماعيلي أو مسيحي إلا بقدر تفانيه في حب وطنه.
إن الكتابة الروائية التي ترى أن النظام طائفي بامتياز، انما ارادت أن تبين للقارئ مدى عمق وتجذر ذلك في بنيته السياسية، وتصحيح لمقولات كانت السلطة السياسة تخدع بها جماهيرها، إنها كشف للحقائق أمام الأجيال التي تتعرض عقولها لتشويه ممنهج من خلال تزوير الواقع الاجتماعي والسياسي لسوريا. إن ما قام به الكثير من الروائيين من طرح رؤيتهم عن طائفية النظام، لم تحركهم كراهية طائفية، وانما خط عداء سياسي تنحو إلى محاولة تغييره، وكما تبين من خلال استعراض بعض روايات نبيل سليمان أنه فعل كغيره من الروائيين الذين اتهمهم بالطائفية حين أشار إلى تجذر الطائفية، ومنح النظام العلويين امتيازات خاصة لا نلمسه عند باقي الطوائف، بل على العكس من ذلك اضطهد السنة حين اجتاح مدينة حماة ودمرها وقتل الآلاف من سكانها وشرد واعتقل من بقي حيا منهم، وكذلك نراه استكمل ما بدأه من قتل وتدمير وقصف واجتاح المدن السورية منذ بداية الثورة 2011لاسيما مناطق ومدن محددة بوحشية غير مسبوقة بتاريخ الحروب مستخدما جميع الأسلحة الحديثة وحتى المحرمة منها دوليا مستعينا بميليشيات وجيوش أجنبية ولايزال يدمر ويقتل ويخرب حتى اللحظة متهما الجميع بالإرهاب!
أخطاء شخصية والنظام بريء!
ليس المثقف الحقيقي طائفيا حين يشير إلى وجود الطائفية في بنية النظام ولا ينكرها، يدل على الداء الذي ابتليت به سوريا.
وإذا كان سليمان يتباهى بأن رواياته تمنع في سوريا، ما يعني أنه حتى هذا النزر اليسير الذي يكتبه، لا تقبل به الرقابة، لكنها تتفهمه لأنه يخدم النظام تماما، والالفت أن سليمان لا يوجه الاتهام إلى النظام نفسه الذي يمنع رواياته، بالعكس يبرئه منه، ويلقيه على عاتق مسؤولين صغار يفكرون بعقلية طائفية، أما الجرائم فيصورها نبيل سليمان – كما نراها في المسلسلات التلفزيونية – انها أخطاء شخصية من رجال المخابرات، لكنه لا يوجه الانتقاد إلى النظام الذي هو أصل الشر، اما عدم قبوله بوصف ثورة أو انتفاضة، فلأن هذين التوصيفين لا يروقان للنظام. وإذا كان هذا رأيه، فلا يجوز له ان يوزع انتقاداته على الروائيين، ويتهمهم بأنهم طائفيون، هذا تضليل، وكأنه يحق له تشويه رواياتهم لتنجو رواياته، إرضاء للنظام، وخلط الأوراق بتوجيه الاتهامات للمعارضة على أنها الفصائل المتأسلمة، وإلحاق الدواعش بهم، ووصمهم بالإرهاب، ليس هناك أفضل من هذه الوصفة تناسب سردية النظام.