العربي الآن

يوميات صحفي متجول تحت النار في إدلب: نيام على الأرض بين مصابٍ وشهيد

ثلاثةُ أيامٍ مضت منذ أن بدأت ميليشيات الأسد أكبر حملة قصف ممنهج على الأحياء والتجمعات السكنية في مناطق محافظةِ إدلب وريفها منذ سنوات، إضافةً لقرى وبلدات ريف حلبَ الغربي.

وعلى خلفيةِ تفجير حفل تخريج الضباط بالكلية الحربية في حمص، والذي أشار فيه نظام الأسد أصابع الاتهام نحو الفصائل الثورية في الشمال السوري، بدأت راجمات الصواريخ والمدفعيات الثقيلة والطيران الروسي بالانتقام من المدنيين الآمنين في بيوتهم.

وخلفت حملات القصف الممنهجة في بعض الأحيان والعشوائية في البعض الآخر عشرات الضحايا بين شهداء وجرحى ومشردين، بالإضافة لحركة نزوح مستمرة منذ يومين تجاه المناطق القريبة من الشريط الحدودي مع تركيا، وسط تخوف من قبل الأهل، من اشتداد وتيرة القصف وتوسّعِ رقعتها الجغرافية.

الخميس: 5-10-2023

قد يكونُ يوماً من الصعب نسيانه. بدأ كيوم عادي، وانتهى كمحرقة في مناطق الشمال السوري، قذائف وصواريخ لم تشهد تلك المناطق مثلها منذ أشهر بل ربما منذ سنوات.

ابتدأ الأمر باستهداف مسيرات مجهولة لحفل تخريج ضباط لميليشيا أسد في الكلية العسكرية بحمص، والذي خلف 89 قتيلاً وأكثر من 200 جريح بين الضباط وذويهم، لكن وبالرغم من كل الأدلة غير المنطقية قرر “الأسد” كالعادة تحميل مسؤولية ذلك التفجير إلى المدنيين في إدلب، وعلى الفور بدأت المدفعية وراجمات الصواريخ بشن وابل من الهجمات على المدنيين بريفي إدلب وحلب، حولت المشهد إلى أشبه ما يكون بالمحرقة.

انفجار الكلية العسكرية وقع في تمام الساعة الثانية وعشر دقائق، وأول قذيفة أطلقها في تمام الساعة الرابعة إلا ربع من عصر ذلك اليوم، استهدف فيها السوق الشعبي في مدينة جسر الشغور بريف إدلب الغربي وقرية الموزرة بالريف الجنوبي، مخلفاً بذلك عددا من الشهداء والجرحى في صفوف المدنيين.ز

أتبع النظام قرى (معربليت) و(آفس) و(دير سنبل) و(بينين) و(محمبل) وبلدة (البارة) ومدينة (أريحا) بريف إدلب الجنوبي، بوابل  من القذائف المدفعية والصاروخية ما أسفر عن وقوع شهداء وجرحى أيضاً كلهم من المدنيين

مساءِ ذلك اليوم الكارثي بامتياز، وبينما كنا في مدينة إدلب نترقب بخوفٍ مجريات الأمور، التي أعادت إلى الأذهان الحملة الروسية على مناطقنا بريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي، قبل أن تحتلها برفقة إيران وميليشيا الأسد وتهجرنا منها، بدأت إحدى الراجمات في قرية ما باستهداف مخيم للنازحين في بلدة (سرمين) الملاصقة لمدينة إدلب، وكانت تلك الرشقة الصاروخية هي البداية الفعلية للحملة.

 انقضى ذلك اليوم بأن أسفر القصف عن استشهاد 5 مدنيين بينهم طفل وإمرأة وجرحى 38 بينهم 8 أطفال و8 نساء، فضلاً عن مشهد نزوح عشرات من العوائل باتجاه المناطق الشمالية للمحافظة.

لم تنتهِ حملتهُ الانتقامية، فنباحُ المؤثرين من شبيحته والحقدُ الأسودُ في قلوبِ من والاه ربما أعطى دافعا – لا يحتاجه – للاستمرار.

الجمعة: 6-10-2023

 بينما كانت الأخبار تتوالى عن قصف قربى وبلدات أريافِ إدلبَ وحلب شرقاً وغرباً وجنوباً، كنتُ أستغل الهدوء النسبي في أجواءِ مدينة إدلب في قضاء بعض حاجات المنزل من السوق في وسط المدينة، وفي تمام الساعة الثامنة وخمسة عشر دقيقة، ودون سابقِ إنذار تلونت سماؤها بألوان الصبح وتوقفت الحياةُ هنيئة، وارتجت الأرضُ من تحت أرجلنا.  لقد استُهدفت المدفعية وسطَ المدينة برشقةٍ من القذائف الصاروخية. رائحة القصف المميزة التي أتذكرها جيداً، تلك الخلطة الفريدة من نوعها والتي مزجت رائحة الدماء برائحة البارود والدخان المتصاعد من موقع سقوط أحد القذائف والذي يبعد عني قرابة الخمسين متراً بالمناسبة، بالقرب من دوارِ الزراعة في وسط المدينة. كان المشهدُ عظيماً، الناسُ من حولي نيام على الأرض، بين مصابٍ وشهيد ومن استلقى خوفاً من أن تثقبَ جسده الشظايا. وقفتُ أنا دونَ حراك ساكناً هائماً مذهولاً من هول المشهد، أيقظتني من غفلتي صافرات الإنذار الخاصة بسيارات الإسعاف وأنات المكلومين من الجرحى. 

بدت تلك الدقائق التي استغرقها فرق الدفاع المدني في إجلاء الجرحى ونقلِ الشهداء دهراً من الزمن، شابٌ وحيدٌ لأهله وإمرأة وعروسان لم يمض على زواجهما سوى أسابيعٌ قليلة، استشهدوا، و12 جريحاً بينهم 6 أطفال وإمرأة.

لم تمضِ ساعةَ عقبَ مجزرة مدينةِ إدلب، قبل أن يجدد النظام فعلته لكن في أقصى شمال شرق المحافظة في مدينة ترمانين، وفي مدينة دارة عزة بالقرب منها في الريف الجنوبي لحلب، راجامات صواريخ وقذائف مدفعية وأخرى عنقودية، وصواريخ محملة بمادة النابالم الحارقة المحرمة دولياً انهالت على تلك المنطقتين قبل منتصف الليل وبعده، لتتسبب بمقتل وجرح عدة مدنيين بينهم أطفال ونساء أيضاً، ومن جديد لم يشفَ غليلُ القاتل بعد!

السبت: 7-10-2023

إنها إدلبُ من جديد، مسكني مدينتي وأهلي!

 على وقع رشقات صاروخية تمام الساعة التاسعة صباحا اليوم استيقظت مدينة إدلبَ كلها وأنا منها، 6 شهداء وجرحى بينهم طفلين شهيدين وطفلةٌ مصابة، وهذا ليس إلا الصباحُ فقط.

توسعت الحصيلة ظهيرةً اليوم أيضاً لتشمل 7 شهداء بينهم 4 أطفال و10 جرحى بينهم إمرأة و4 أطفالٍ آخرين، بقصف على مناطق جسر الشغور وقرية كفرلاتة ومدينة ترمانين وغيرها من البلدات والقرى في أرياف إدلب وحلب.

الحصيلة النهائية حتى هذه اللحظة شملت بحسب منظمة الدفاع المدني السوري “الخوذ البيضاء”، 32 شهيداً و167 جريحاً، كان منهم أكثر من 60 طفلٍ بين شهيدٍ وجريح، 34 إمرأة.

لم تنته مليشيات اسد من حملتها الإنتقامية الإجرامية حتى اللحظة بالرغم من إثخانها في المدنيين بعموم أرجاء المناطق المحررة، وسط حالة من التخبط والخوف والترقب التي يعيشونها، وحركة نزوح شبه مستمرة من المناطق التي تعرضت للقصف خوفاً من تكرار تجربة المآساة تلك.

زر الذهاب إلى الأعلى