التاريخ السوري

الانفصال السوريّ في أحاديث وشهادات تكشف الأسباب والخفايا

قد يكون سبباً هامشياً، لم يلتفت إليه أحد، عندما كانت السينما المصريّة في الأربعينيات والخمسينيات، تشدّ المُشاهد العربيّ، وتُقدّم إليه مصر، وكأنّها قطعة من أوربا.

كانتِ القاهرة إحدى أشهر عواصم العالم، لا ريب أنّ أحداثاً سياسية وفنية جعلت من الملك فاروق نجماً، تتناقل أخباره الصحافة العالمية والعربية، جنباً إلى جنب مع أشهر نجوم السياسة والفن، في ذلك الوقت، وكانت أفلام فريد الأطرش، ومحمد عبد الوهاب، وليلى مراد، وأسمهان، وأمّ كلثوم، وغيرهم من المبدعين تُترجَم إلى اللغات الفرنسية والإنكليزية، وتُعرَض في دور العرض الأوربية.

 كانتِ السينما في تلك المرحلة الزمنية إحدى أبرز نوافذ السوريين على العالم عموماً، والسينما المصرية خصوصاً، لكثرة مرتادي، ومتابعي الأفلام المصرية، في زمن ازدهار دور عروض السينما في سوريا، إذ كان في دمشق وحدَها ما يُقارب أربعين صالة عَرْض، ومثلها، وأكثر في حلب، يُضاف إليها العُروض المُتنقّلة، والتي كانت تتمّ في الهواء الطلق أيّام الصيف، وهو تعداد كبير نسبياً، قياساً لإحصاء سكّان مدينة دمشق وحدَها في أواخر سنوات الانتداب الفرنسي، بما لا يتجاوز 220 ألف نسمة.

كانت غالبية عُروض السينما في سوريا من السينما المصرية والأمريكية، إذ كانت مصر تحتلّ المرتبة الثالثة عالمياً في الإنتاج السينمائي، بعد الولايات المتحدة والهند.

لقد رأى السوريون مصر بالأبيض والأسود، وكأنها مُلوّنة بالخيال، قبل أن يظهر رواد الواقعية في السينما المصرية: صلاح أبو سيف، وكمال الشيخ، ويوسف شاهين وغيرهم، ليلتقطوا وقائع الحياة المصرية الحقيقية، في نهاية الخمسينيات، ومطلع الستينيات، من القرن الماضي، ويسدلون الستار على حقبة القصور الباشوية، والرومانسية المصرية المُفتعلة، أو الأفلام التي تستند إلى الموروث التاريخيّ التراثيّ الشعبي.

كلّ ذلك مُقدّمة لعنصر غاب عن أذهان الباحثين، في قوّة الجذب الشعبيّ العارم في سوريا، عند المطالبة بالوحدة مع مصر، أواسط خمسينيات القرن الماضي، لم يورده أيّ باحث، أو مُلاحظ لحراك الشعب في سوريا، أمّا في مصر، فكانتِ الصورة مغايرة تماماً في أذهان عامة المصريين، فلم تكنِ الوحدة مع سوريا مطلباً قومياً، إلا عند بعض النُّخب المصرية، إذ كانتِ النظرية الشرقية، ومصر الفرعونية، في السياسة الخارجية هي السائدة، ولا يمكن لأحد أن يُنكر أن جمال عبد الناصر قد عمل كثيراً في سبيل تعريب مصر، وبثّ فكرة القومية العربية، سواء عن طريق وسائل إعلامه، أو المناهج المدرسية، أو خُطبه المتواصلة، والتي حفظها الجيل الأقدم، وتغنّى بها من المحيط إلى الخليج تماماً كأغنيات أمّ كلثوم الطويلة.

القومية العربية حديثة العهد في مصر

وبرأي بشير فنصة في كتابه (النكبات، والمغامرات) كانت قضية القومية العربية، والوحدة العربية في مصر الشقيقة حديثة العهد على الساسة والمفكرين، وسواد الشعب، فلم تُبحَث هذه القضية بحثاً جِدّياً، ولم تحتل مكانتها في الأذهان، إلا بعد تأسيس جامعة الدول العربية، إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية، وكان الرأي العام في مصر غير مُهيَّأ تماماً، لتَقبّل فكّرة العروبة، أو القومية العربية، كما يفهمها أهل الشام. وكانت فئة كبيرة من أدباء مصر، ورجال الصحافة، والزعماء السياسيين يُطلقون على أيّ بلد عربيّ اسم البلد الشرقي، وكانت كلمة (شرقي) هي المُستعملة في لغة الصحف والمجلات، بدل كلمة (عربي). أي إن سوريا في نظر تلك الفئة كانت بلداً شرقياً مثل الصين، أو اليابان.

أنا أوقن أنّ مَن يقرأ هذه الكلمات من العروبيين العرب، الذين قدّموا تضحيات جُلّى لا يُوافق  على هذا الربط بين السينما والوحدة مع مصر، وقد يعتبره بعضهم سبباً تافهاً، مقارنة بالأحداث السياسية الكبرى، وفي مقدمتها بروز مشروع حلف بغداد، لابتلاع سوريا، كما كان يُروَّج آنذاك في مشروع الوحدة مع الهاشميين، والتحرشات الإسرائيلية على الحدود السورية، ثم وقوع العدوان الإسرائيلي على غزة، مطلع العام 1955، والحشود العسكرية التركية الضخمة على الحدود الشمالية لسوريا عام 1957، يُضاف إلى كلّ ذلك ذروة الحرب الباردة بين القطبين الأعظم، ومناداة تيّار قويّ من الساسة والعسكريين السوريين باللحاق بركْب المنظومة الاشتراكية، بعد خيبات الأمل المتلاحقة من الغرب الرأسمالي، كان أبرزها موقفه من القضية الفلسطينية، ومن ثمّ العدوان الثلاثيّ على مصر(بريطانيا وفرنسا وإسرائيل) في العام 1956 بعد تأميم عبد الناصر لقناة السويس، رداً على رفض الولايات المتحدة، والبنك الدولي تمويل القرض المصري في بناء السدّ العالي.

كلّ ذلك جعل من جمال عبد الناصر بطلاً شعبياً في أعين العرب، برغم هزيمته العسكرية، إلا أنه من الناحية المعنوية حقّق انتصاراً سياسياً وإعلامياً دولياً جعلته شخصية عربية وعالمية، بعد إنذارين خطيرين وجههما بولغانين، وخروتشوف بقصف لندن، وباريس بأسلحة إستراتيجية، ما لم يتوقّفِ العدوان فوراً على مصر. 

ولم تتأخّر  أطياف الشعب السوري كافة، بعد هذه التطورات العاصفة بالهتاف الصادق، في حينه، في غالبية المدن، والشوارع السورية:

(باكر ..باكر .. بدنا الوحدة مع الأسمر عبد الناصر)

لن أستفيض في مجريات الوحدة، فهي مُتاحة بكمّ هائل في ملفّات، ومُدوّنات، وحلقات بثّ تلفزيونية وإذاعية، في كل وسائل الميديا، وما صدر من مذكرات، ورسائل بحث جامعية، بقيت دور النشر، تُصدرها حتى اليوم.

ما سوف أختزله في النصّ الساعات الأخيرة لحدث الانقلاب على الوحدة، وما سُمّي بمؤامرة الانفصال لأوّل وحدة عربية في العصر الحديث، وملابساتها الواقعية، من خلال بعض شهودها الحقيقيين الذين قُدّر لي الاستماع إلى  شهاداتهم، وتدوين أبرز مواقفهم، خلال سنوات مضت من البحث، والتحقّق التاريخيّ، من المصادر الأصلية للشخصيات السياسية، والعسكرية التي دوّنت ذاكرتها، وشهاداتها، أو تلك التي التقيت بها شخصياً.

يقول نذير فنصة  في حديث مُسجّل: إن أوّل لقاء تمّ بينه، وبين عبد الناصر بعد بضعة أسابيع من عقد الاتفاقية العسكرية، بين سوريا ومصر في العشرين من أكتوبر 1955 والتي تقضي بإنشاء قيادة عسكرية مشتركة في البلدين، حين أعلن عبد الناصر في حفل التصديق على الاتفاقية قائلاً: “إن هذه الاتفاقية فاتحة مستقبل جديد، فالتاريخ يُرينا، إذا ما اتحدت سوريا ومصر، فإنهما ستحميان العالم الشرقيّ من كلّ الأخطار التي يمكن أن تتهدده”.

يتابع نذير فنصة: “كانت تلك أولى التصريحات الجَليّة المبكرة عن المشروع الوحدويّ القادم بين سوريا ومصر، عندما التقيت الرئيس جمال عبد الناصر بوساطة من الصديق الصحفي محمد حسنين هيكل، حيث باركت للرئيس هذه الخطوة، وأردفت بالحديث إليه: كان لي شرف طرح هذا الموضوع لأوّل مرّة، مع الملك فاروق عام 1949، بطلب من صاحب الانقلاب الأول في سوريا الزعيم حسني الزعيم، وبأنني تسرعت في حينه بأن طالبت الملك بوحدة اندماجية فورية بين مصر وسوريا، ولكنني اليوم شديد الحرص بأن أقترح على سيادتكم أن تكون الوحدة التي يجري الحديث عنها اليوم مُتدرّجة، وليست كما سبق لي أن قدمت عناوينها العريضة مع الملك الأسبق فاروق، لذلك أنا أقترح على فخامتكم، بعد أن تكون الخطوة التالية في توحيد الجيشين، توحيد القوانين الناظمة في البلدين، مع مراعاة ظروف كلّ بلد على حدة، عند توحيد الاقتصاد في خطوة تالية، إذا لم تكن الأخيرة، فالأفضل توحيد السياسة الخارجية للبلدين، وإذ كنت على وشك شرح وجهة نظري، فوجئت بالرئيس يقف منهياً اللقاء، قائلاً بصلافة: “إنت جاي من سوريا تديني مذاكرة في الوحدة العربية”.

 

الأسباب المباشرة في حركة الانفصال

بعد صدور قوانين أمن الدولة التي حوّلتِ الحياة السياسية والاجتماعية في سوريا إلى شأن استخباراتي، يُحصي أنفاس السوريين، صدرت القوانين الاشتراكية، وتأميم الشركات، والمصانع الصغيرة، والكبيرة، وكان تأميم بعضها مهزلة حقيقية، لم تُوثَّق تفاصيلها إلى اليوم، بما يُمكن وصفه بالكوميديا السوداء، مثالي على ذلك، عندما تناهى إلى مسامع المُؤمّمين أن شركة كبرى مقرها حلب كان يُطلق عليها اسم رنان (شركة الشرق الأوسط) لإنتاج علب الكبريت، وجب تأميمها فوراً، نظراً لاتساع اسم وشأن الشركة، وعند قيامهم بفحص مقرّ الشركة وجدوا أنها عبارة عن دار قديمة في إحدى ضواحي حلب، يجلس فيها صاحب الشركة وزوجته وأطفاله على الأرض ممسكين بأعواد خشبية صغيرة، ويغمسون رؤوسها في حلّة كبيرة بالمادة الكيميائية التي يتمّ تحضيرها، مثل أيّ وجبة غداء، بمنزل شبه متداعٍ، في مشهد من البؤس الشديد.

لقد حدثت في سوريا أيضاً أول كارثة اقتصادية  للبرجوازية السورية الناشئة، بوجهيها الزراعي والصناعي، إضافة إلى  تأميم البنوك، كانتِ القوانين الجائرة، القشّة التي قصمت ظهر البعير على حدّ تعبير الوزير الطبيب بشير العظمة، حين كتب يقول: “بدا حرص عبد الناصر على السعي، لتطبيق الاندماج الكامل، وشكل السعي إلى تطبيق التجربة المصرية بحذافيرها ضغطاً شديداً على السوريين، وبدأ اللغط يدور في أوساط اليمين التجاري الصناعي، أمّا المُتدينون، والأخوان المسلمون، فكانوا يتساءلون: “ما نفع مطاردة الشيوعيين، إذا كان الحكم شيوعياً يحمل لواء القومية العربية..؟”

مع ذلك جاء انقلاب العقيد عبد الكريم النحلاوي، ليكشف عن ضعف الأجهزة الأمنية للوحدة التي أُقيمت على عجل. ولم تكن الحركة العسكرية، كما روى صلاح نصر مدير الاستخبارات في مذكراته المعنونة (عبد الناصر، وتجربة الوحدة) تستهدف فصم عُرى الوحدة، فحينما قابل النحلاوي المشير عامر قال له: إن الحركة لا تستهدف الانفصال عن مصر، وإنما هدفها إجراء بعض الإصلاحات في المؤسسة العسكرية، وتقليص عدد الضباط المصريين في جيش الإقليم الشمالي.

كان العقيد عبد الكريم النحلاوي، وهو ضابط دمشقيّ مُحترَم، مُشهود له بالكفاءة، والانضباط العسكري يشغل منصب مدير مكتب المشير عامر، في قيادة الجيش في الإقليم الشمالي،  قد قام بمساندة عدد من قادة القطعات العسكرية السورية في دمشق، تدعمهم القوة الضاربة المكوّنة من حرس البادية، يقودها المقدم حيدر الكزبري بإحكام قبضتهم على دمشق، وترأس العقيد عبد الكريم النحلاوي قيادة الحركة، بحكم موقعه الشديد الحساسية، حيث أكد الانقلاب أن حركتهم تهدف إلى تأمين المجتمع السوري، والعمل على إنصافه من مظالم عبد الناصر، مع الوضع بعين الاعتبار ضرورة الاستمرار في إقامة جسور العلاقات، مع الجمهورية العربية المتحدة، وأكدوا في البيان الذي أصدروه فشل سياسة الضباط السوريين، من خلال مطالباتهم المستمرّة بالحصول على حقوقهم، نتيجة لسيطرة العناصر المصرية، مع العناصر السورية الداعمة لحكم ناصر على مقدرات الأمور في سوريا.

وبالرغم من أن هذا الحديث قد يبدو تبريرياً، فإن أسباباً أعمق كانت خلف قرار الانقلاب. كان العقيد عبد الكريم النحلاوي قد أفضى به في حديث خاص جمعني به في ديترويت بولاية مشيغان الأمريكية، خريف العام 2019، وهو يُنشَر للمرّة الأوّلى ومفاده:

شهادة العقيد عبد الكريم النحلاوي

“لم تكن في نيتنا أبداً فصم عُرى الوحدة بين سوريا ومصر، لقد كانت مطالبنا إصلاحية، وسبق لي أن تحدثت مع المشير عامر، حول مطالب عناصر وضباط الجيش السوري في الإقليم الشمالي قبل الحركة، ولكنه لم يبادر إلى اتخاذ أيّ إجراء حاسم  حيالها، وعندما قدّمنا مطالبنا للمشير عامر يوم الثامن والعشرين من شهر سبتمبر 1961 بكل الاحترام لرتبته، ودوره المُكلَّف به في قيادة سوريا، بعد حوار مع العميد موفق عصاصة، والعقيد زهير عقيل، والمقدّم حيدر الكزبري، والعميد محمد منصور وافق المشير على مطالبنا، واتفقنا على إصدار البيان رقم عشرة حولها، والذي كتبه الفريق جمال فيصل بخطّ يده، بأن تكون هناك قيادة جديدة، تقرّر فوراً إبعاد الضباط المصريين المُسيئين إلى القاهرة، مع بعض العناصر السورية والمصرية، وفعلاً تمّ ذلك، بترحيل مجموعة الضباط السابقين الذين أصبحوا في عهد الوحدة من الوزراء، فجاءت هذه الحركة بمثابة، صدمة للرئيس جمال عبد الناصر، فقام بتضخيمها، مع عدد من الدول التي كانت تؤيّد نظامه، وأصدر من القاهرة خطاباً ردّاً على الحركة جردنا فيها من رُتبنا، واتهمنا بالخيانة.

ورفض البيان العسكري رقم 9، والذي سبق أن تمّ الاتفاق عليه مع المشير عامر، بأن تعود الأوضاع إلى سابق عهدها، وتتراجع القطعات إلى ثكناتها، بإنهاء الحركة، باتفاق بين الجانبين السوري والمصري بإبقاء الوحدة، لذلك قمنا بإصدار البيان رقم 10 الذي يُلغي ما تمّ الاتفاق حوله باعتباره مناورة، لأن الرئيس عبد الناصر كان قد أعلمَ المُشير باتصال لاسلكي من القاهرة، بأنه قد جهّز حملة عسكرية  جوية من المظليين، وصلت فعلاً طلائعها إلى اللاذقية، بقيادة الرائد جلال هريدي، قوامها 120 مظلّياً، سيتبعها لواء من المظليين بقيادة اللواء محسن عبد النور، وطعمة العوض الله، وبحرية مكوّنة من خمس قطع بحرية قوامها 2000 جندي مصري، ولكن القوات السورية في اللاذقية أحاطت بكتائب المظليين المئة والعشرين واعتقلتهم، بالرغم من أن اللاذقية في ذلك الوقت قد أعلنتِ العصيان على الانقلاب، وكان المحافظ العميد الأسبق عبد الله جسومة أحد الضباط القوميين العرب، بقي رافعاً علم الجمهورية المتحدة فوق دار المحافظة، كذلك فعلت حلب، وأعلنتِ العصيان على الانقلاب، من أثير صوت إذاعتها معلنة الانفصال عن دمشق، وظلّت تبثّ خُطب جمال عبد الناصر، ودعوتها البقاء تحت راية الجمهورية المتحدة، وزعيمها الأوحد جمال عبد الناصر، ثمّ ما لبثت أن أعلنت انضمامها إلى الحركة.

  لذلك أنا أحمّل الرئيس جمال عبد الناصر مسؤولية الانفصال، والتي لم تكن أبداً نُصب أعيننا، عندما تمّ اتفاق ضباط الحركة السابقي الذكر، مع المشير عامر على تصحيح الأوضاع”.

وقبل أن يختم العقيد عبد الكريم النحلاوي، نظر إليّ بحزن السنوات التسعين من عمره المديد، قبل خمس سنوات من اليوم، وقال:

” لقد تمّ ربط الانقلاب بغايات، وأجندات غربية، ووصفونا بعملاء للولايات المتحدة الأمريكية، والرجعية العربية، كما كانوا يُطلقون عليها، باعتبارها موّلتِ الانقلاب، وكلّ ذلك غير صحيح، لقد كانت دوافعنا كرامة الشعب السوري، وجيشه بإرادة خالصة لوجه الله، والوطن والشعب”.

وعندما سألته عن سرّ خفيّ دفين، لم يُعلن عنه أبداً حول دوافع الانقلاب، وما تناقلته ألسن الساسة والناس، والإعلام اللبناني الذي شغلته الصفحات الأولى والمانشيتات الإعلانية لوقت طويل، بين مؤيد ومعارض لحركة الانفصال، قال قائد الانقلاب: ” قبل أسبوع واحد من الحركة وَرد إلى مكتب المشير من القاهرة أمر صادر من مكتب الرئيس جمال عبد الناصر يأمر القيادة في الإقليم الشمالي، بنقل مخزون البنك المركزي السوري من احتياطي الذهب إلى القاهرة، باسم الوحدة بين البلدين، أدركت بأن هذا الأمر قد يؤدّي بالاقتصاد السوري إلى الإفلاس بكارثة محققة، بعد قرارات التأميم المرتجلة، فراعني هذا الأمر، وتيقنت أن هذا القرار ليس في مصلحة البلاد، ولن يوافق عليه الشعب السوري، إذا علم به، لقد كان بمثابة عملية سطو كبرى باسم الوحدة”.

كلمة أخيرة أختم بها هذا النصّ المُقتطَف من أحداث مغيّبة، لازلت أعتقد أنها بحاجة إلى المزيد من الصفحات، والإضاءات حولها، قد لا يتحملها مقال في صحيفة، ولكن ما يؤيد بقوّة في ما ذهب إليه انقلاب الانفصال أن الغالبية الساحقة من الساسة الوطنيين التاريخيين في سوريا، الذين دعوا بحماس وصدق لمشروع الوحدة العربية، وقّعوا في ما بعد على وثيقة الانفصال عن مصر، وكان من أبرز الشخصيات الذين لم يُوقّعوا، لكنهم دعموا بيان الانفصال، في مقدمتهم الآباء المؤسسون للجمهورية السورية المستقلة: الرئيس شكري القوتلي، وفارس الخوري، وسلطان باشا الأطرش.

_________________________________________

من مقالات العدد الثالث من صحيفة (العربي القديم) الخاص بذكرى مرور 62 عاما على الانفصال-  أيلول/ سبتمبر 2023

زر الذهاب إلى الأعلى