الرأي العام

المقال | وزير الإعلام محمد العمر الذي أجبر جمال سليمان أن يبدو طائفياً

سأتهم وزير الإعلام في الحكومة الحالية بأنه هو الذي أرغم جمال سليمان أن يكون طائفياً، واضطره لأنه يخرج مفزوعاً مستنكراً ما يجري لأبناء طائفته في ريف حمص.

محمد منصور- العربي القديم  

أصدق أن انزعاج جمال سليمان من سؤال المذيعة له أمام بوابة مطار دمشق الدولي عن انتمائه للطائفة العلوية كان انزعاجاً حقيقياً، وأن ما قاله حين وصف هذا المنطق بـ”الانتحار” هو كلام ناجم عن قناعاته الوطنية، وأنه يريد أن يكون مواطنا سوريا بالمعنى الوطني لا ابن طائفة بالمعنى الأقلوي، وأن علينا أن ننسى أن اختياره الزواج من إحدى بنات طائفته، أمر مرده القسمة والنصيب التي لا شأن لنا بها، حتى لو كان اختياره  وقع على ابنة رجل أمن سابق ومحافظ سابق ووزير إعلام  سابق هو محمد سلمان، أحد أبرز من عملوا على علونة الإعلام السوري، وحتى لو كان عديله هو نضال بن علي دوبا أحد أشرس مجرمي المخابرات تاريخياً من الضباط العلويين… فهذا كله مصادفة قد تُتيحها لك المصاهرات عادة، كأن تستفيق يوماً فتجد أن زواجاً جديداً في بيت حماك قد أتى لك بعديل لبناني أو عراقي أو فلسطيني، بالطريقة نفسها ستجد عديلك ابن علي دوبا أو سواه!

لكن جمال سليمان العلوي أطل برأسه قبل أيام عندما انتقد – في فيديو مصور له – ما رأى أنها انتهاكات قامت بها عناصر “يظنون أنهم يبيضون وجه الثورة” على حد تعبيره، بريف حمص.

طبعا لم يذكر جمال سليمان أن الانتهاكات طالت  المكون العلوي، واكتفى بالقول “في ريف حمص” وهذا أمر فيه ترّفع يجعل من لا يعرف ماذا في ريف حمص من غير السوريين، يظن أن جمالا ينتقد ما رأى أنها انتهاكات عناصر الإدارة الجديدة، ضد السوريين بشكل عام، وليس ضد أبناء الطائفة التي ينتمي إليها، والتي حركت المداهمات في مناطقها انزعاجه فانبرى يصور “فيديو” يحذر من مغبة عدم الانضباط والاحتكام للقضاء…  أما السوريون فيعرفون جيداً أن جمال سليمان لم يخرج بفيديو لا في عهد هذه الإدارة الجديدة القصير، ولا ما قبله لينتقد أي انتهاك مس أي مكون آخر… وأن الانتماء العلوي تحرك فيه فهب ليحذر وينذر ويذكر إن كانت الذكرى تنفع المؤمنين!

وشخصيا سأتهم وزير الإعلام في الحكومة الحالية السيد محمد يعقوب العمر، بأنه هو الذي أرغم جمال سليمان أن يكون طائفياً، أو أن يبدو بهذا المظهر، واضطره لأنه يخرج مفزوعاً مستنكراً ما يجري لأبناء طائفته في ريف حمص. لماذا؟ لأن وزير الإعلام لازال مصراً  – ومعه رئيس الحكومة طبعا – على أن يكتم صوت الإعلام الرسمي، وأن يتركنا نهبى لليوتيوبرية والتكتكورية ومنصات السوشال ميديا غير الرسمية، ورعايا لاجئين لدى إعلام قطر والسعودية الذي يسرح ويمرح في سوريا وينبى استوديوهات ويطلق نوافذ بث يومي مباشر… ووسائل إعلامنا الرسمية مكتومة الأنفاس لا يخرج لهل صوت، ولا تقول لنا ما جرى في مداهمات فاحل بريف حمص أو غيرها… ولا توضح لنا ولجمال سليمان هل هناك انتهاكات بحق المدنيين والأطفال وإحراق وتنكيل بالجثث كما تزعم صفحات السوشيال ميديا، أم أن الأمر طال ضباطاً سابقين من كبار مجرمي النظام السابق، رفضوا تسليم أسلحتهم وإجراء تسوية، ولأنه كان لديهم أسلحة جرت معهم اشتباكات وقتلوا أثناء تلك الاشتباكات التي تستهدف حصر السلاح بيد الدولة، وهو أمر تدعمه كل الدول العربية والأجنبية التي تقر بأن هذا مطلب استقرار لسورية ولدول الجوار وليس انتهاكات حقوق إنسان.

لا يوضح التلفزيون الرسمي الغائب هل صحيح الخبر الذي نسبته قناة (الميادين) الممولة إيرانياً  لوكالة سانا من أن: “مسلحون مجهولون يرتدون الزي العسكري اقتحموا قرية فاحل في ريف حمص الغربي وأعدموا ميدانياً 13 شخصاً كما اعتقلوا 53 آخرين” أم أنه كاذب… وينبغي على هذا التلفزيون أن ينوه لكذبه ويدعم نفي سانا كي يصل إلى الناس؟

وهل الأخبار المزعومة والمنتشرة والمتناقلة عن اختطاف شبان من ريف حمص وفقدان التواصل معهم وهم يذهبون بحثا عن العمل صحيحة، أم أن أصحاب الصور التي يكذبونها يجب أن يستضيفهم الإعلام الرسمي كي يكون صوتهم في نقل الحقيقة إلينا؟!

لا أخفيكم أنني شخصيا تأثرت بكلام جمال سليمان للوهلة الأولى، لولا أنني شاهدت فيديو التشييع الجماعي في قرية فاحل، وسمعت كلام المتحدث الذي يصف من أسماهم بـ “استشهاد ورود فاحل” ويعدد 15 اسماً فقط ليس بينهم طفلا أو امرأة، وأنقل منه حرفياً أسماء هذه الورود البضة التي تحمل رتبا عالية كضباط سابقين في جيش الأسد:

النقيب محمود فيصل سليمان

العميد حسان محمد موسى

العميد سليمان إبراهيم حميّد

العقيد جميل أحمد برير

اللواء علي توفيق ضاحي

العميد سميح شريف مرعي

النقيب يوسف أيمن ناصر

الملازم أول محمد أيمن ناصر

المهندس علاء غصن  إبراهيم

الأستاذ دريد نزيه أحمد

المقدم رامي محمد عيسى

العميد منيف عبد الرحمن إبراهيم

عبد الكريم خليل محمد

وسام شوكت محمد

المساعد عيسى فريد درويش

وبلا شك أن من استنجدوا بالنجم اللامع من أبناء الطائفة طالبين منه أن يغيثهم إعلامياً ولو بفيديو، لجأوا إليه لأنه علوي، وإلا لم لم يلجأوا لرشيد عساف أو أيمن زيدان مثلاً… وربما صوروا له الأمر بوصفه انتهاكات بحق مدنيين عزل، أو انتقاما جرى على مزاج عناصر منفلته وليس اشتباكات مع مجموعة رفضت تسليم أسلحتها ولم يكن هناك بد من الاشتباك معها أمام هذا الرفض والتعنت… فانبرى – وأنا أعرف جمال شخصيا طيب القلب وسريع الانفعال- يحذر من مغبة ما يجري، مادام الإعلام الرسمي لم ينقل لجمال حقيقة ما يجري… وما دامت مواعيد إعادة إطلاق التلفزيون السوري الرسمي، لا تَصدُق للأسف، رغم أن آخر موعد كان على لسان معاون مدير عام هيئة الإذاعة والتلفزيون محمد السخني هو يوم العشرين من الشهر الجاري، وبرؤية جديدة وبث اتش دي… ومضى يوم العشرون من الشهر الجاري ولم يقل أحد للأخ السخني ما أحلى الكحل بعينك… وما أحلى التصريحات التي لا تَصْدُق أو لا تخرج لتنفيها إن نسبت إليك كذباً!

يدرك جمال سليمان أنه بالديمقراطية التمثيلية الحقيقية لن يحلم بأن يكون رئيسا لسوريا لا في مواجهة السيد أحمد الشرع ولا غيره، لأنه لا يمكن لسوري اليوم (على الأقل من الأكثرية السنية التي وصفها جهاد مقدسي بأن عدد ضحاياها أكبر من عدد الأقليات مجتمعين) أن ينتخب علوياً حتى لو كان من نسل الملائكة لا البشر، بعد التجربة المريرة والقاتمة لحكم العلويين. لأنه بصراحة وخلال نصف القرن الذي مضى لم يكن سلوك العلويين على المستوى الشعبي بأفضل منه على مستوى السلطة، فجميعهم – إلا من رحم ربي – شوهتهم السلطة وباتوا يستغلونها لإذلال إخوانهم السوريين أو سرقة فرصهم في العمل والتوظيف والابتعاث إلى الخارج، أو التنمر عليهم أو تهديدهم بشحطهم إلى الفرع، دون أن نغفل بالطبع أن هناك ضحايا من العلويين دفعوا أحيانا ثمن معارضتهم لهذا النظام المجرم… لكن الناس للأسف يسترشدون بتجاربهم المريرة لا بالاستثناءات المضيئة، حين يريدون أن يضعوا معايير لمستقبل لا تتكرر فيه تلك التجارب أو المقابر أو المسالخ البشرية التي كان حرف القاف المقلقل يلعلع فيها مصحوبا بالشتائم والكفريات والسياط!

 وسواء رفض جمال تصنيفه طائفياً على المستوى النظري والوطني معولا على وعي السوريين وثقتهم  ووطنيتهم،  فإن الواقع العملي يقول أنه سيقى منتمياً للطائفة رغماً عنه، يستشعر الخطر كلما جرت مداهمات في مناطقهم وكلما كان هناك مطلوبون ممن ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية ووقع في تلك المداهمات قتلى، ولا يشفع له القول أن أمه دمشقية من بيت الزعيم وأن ابن خالته هو وفيق الزعيم، وأنه قضى طفولته في حي باب سريجة الدمشقي، وأن أولى الأعمال التي عمل بها هي عمله في مطبعة بشارع خالد بن الوليد بدمشق… فالتجربة المرة التي عاشها السوريون خلال نصف قرن من المجازر وجرائم الإبادة والمقابر الجماعية، والتي لم تدفع بعلوي واحد ليخرج ويعتذر بفيديو مماثل، أو يشعر بالخجل أن أكثر من 90% من المطلوبين على لوائح العدالة الدولية اليوم هم من أبناء الطائفة العلوية… هذه التجربة المرة يا أستاذ جمال أقوى من آمالك الوطنية المتسامية ومن آمالنا التواقة للتسامي مثلك أيضاً.  ولهذا أدعوك أن تصبر معنا مرتين:

صبر مرحلي: على غياب الإعلام الرسمي وتغييبه، فيما الزمن يمضي والمشاكل تتفاقم، والذرائع والحجج التي تبدو مقبولة ومفهومة تصبح دلالة على العجز وقلة الحيلة وتضييع الفرص.

وصبر استراتيجي: على المدى البعيد عل هذا الجرح الطائفي الغائر عميقا يندمل أو يلتئم أو يُنسى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى