مقامات أمريكية | الخوف والتحدي
هل أصبحت من الديناصورات، متخلفاً عن ثقافة الجيل الشاب؟ هل هذا هو الذي أشعرني بالحزن اليوم رغم مناسبة تخرج ابني؟

د. حسام عتال – العربي القديم
“لا تخشى من الخوف. لأنه يشحذك، ويتحداك، ويجعلك أقوى. وعندما تهرب من الخوف، إنك تهرب أيضا من فرصة… فرصة أن تكون أفضل ما يمكن ان تكون”.
هذا ما قالته مديرة جامعة متشغان للطلاب المتخرجين من الدراسات العليا في قسم المعلوماتية اليوم، في حفلة تخرجهم. ابني نوح كان بينهم، قد أنهى ماسترز مزدوج في المعلوماتية وفي السياسة العامة.
لا أحب حفلات التخرج في العموم لأنها تحمل مشاعر مختلطة من الفرح والحزن، التفاؤل والترقب، المألوف وما هو قادم من المجهول. لكن أفكاري اليوم مختلطة أكثر من العادة، وهي لا تخلو من الحزن. حاولت أن أسلي نفسي بقراءة الاطروحات التي قدمها الطلاب المتخرجين بشهادات الماسترز والدكتوراه، وهذه أول صفحة من ثمانية في الكتيّب الذي وُزّع على الحاضرين:
– جعل التعلم غير الرسمي مفهوماً: طريقة بديلة لجعل الشهادات رقمية بديلة للجامعة.
– تعزيز الثقة في التفاعل بين الإنسان والروبوت.
– توليد البيانات وإعادة استخدامها في الأبحاث المعززة بالذكاء الاصطناعي والمتمحورة حول المستخدم.
– موازنة احتياجات المستهلكين وحقوقهم الخصوصية في ممارسات الشركات في الإعلان عبر الإنترنت، ومشاركة الوسائط، وضمان سلامة المسنين.
– تأمين السلامة النفسية: دعم التحولات الريادية بين رائدي الأعمال الطموحين ذوي الدخل المحدود.
– فهم وضع المتعلمين عند التفاعل بين الأحكام فوق المعرفية والتفسيرات المُولّدة بواسطة الذكاء الاصطناعي.
– تصور جديد لموضوع السلامة والمراقبة الاكترونية عند سكان شرق ديترويت.
– المعرفة الوسطية للبحث والتصميم التكنولوجي الروحاني.
– التحليل الحاسوبي القائم على نظريات التأطير السياسي في وسائل الإعلام الإلكترونية.
– النمذجة الحاسوبية للتواصل العلمي باستخدام معالجة اللغة الطبيعية.
– صياغة المستقبل: توفير المساحة والوقت نحو تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات المُركّز على العدالة في تحصيل العلم.
– التركيز في صحة الأطفال على تصميم التكنولوجيا: فهم سلوكيات ومنظورات الأطفال والآباء في العالم الرقمي عبر الإنترنت.
– تسخير الحوسبة لفائدة اقتصاد المجتمعات المحلية.
– تمكين دارسي علوم البيانات من خلال التعاون بين الطلاب والذكاء الاصطناعي
– كشف تأثير تعزيزات البيانات على أنظمة معالجة اللغة الطبيعية المعاصرة.
– فهم عبء المستخدم وتقبله استجابةً لطلبات النظام لتدخلات الصحة المقدمة عبر الإنترنت في جامعة متشغان.
– مناهج معالجة اللغة الطبيعية لرصد الأنشطة الصحية.
– الشروط النفسية المسبقة لمحو الأمية المعلوماتية.
– النساء في حوسبة المتاحف: تطبيق ممارسات البيانات التحويلية عند جمع المقتنيات في المتاحف.
– تصميم أدوات إنشاء للمستخدم النهائي لتجارب انعكاسية.
- تحفيز الجهد بغية الصدق في السعي نحو معلومات عالية الجودة.

من حفل تخرج نجل الكاتب (نوح عتال) من قسم المعلوماتية بجامعة متشيغان الأمريكية (بعدسة الكاتب)
فهمت غاية بعض هذه المشاريع لكن غاب عني إدراك معظمها، هل فاتني قطار العلم؟ هل أصبحت من الديناصورات، متخلفاً عن ثقافة الجيل الشاب؟ هل هذا هو الذي أشعرني بالحزن اليوم رغم مناسبة تخرج ابني؟
ثم عدت بذاكرتي لوقت الصباح… في العادة أحضر قهوتي واشربها في الشرفة الزجاجية قبل الذهاب للعمل، ولا اقرأ الأخبار أو أتصفح السوشيال ميديا حتى يستقر مزاجي واستعيد توازني الكامل. في معظم الأحيان إنه وقت الغذاء الذي أخصص فيه عشر أو خمس عشرة دقائق للأخبار (لا أكثر)، قبل الانتقال لغرف السوشيال ميديا حيث أقضي وقتاً أطول يجمع بين التسلية والتعلم والمناقشة. لكني اليوم تجاوزت العادة وقرأت صفحات الاخبار مع قهوتي في الصباح لأننا كنا سنسافر لمدينة آن آربور حيث حفل التخرج. وهذه الكآبة التي اشعر بها ربما هي مما تخّمر في نفسي منذ الصباح بعد قراءة الأخبار المؤسفة الصادرة من سوريا، ثم طاف للسطح عند المقارنة (غير واعية) بين ما تغوص به بلدي من صراعات وأحقاد وضغائن، وبين اهتمامات الناس هنا، حيث أقيم، ممثلة بمواضيع اطروحات الطلاب وبالحفل الذي أشهده.
وعندما بدأت راحتا يداي بالتعرق وتحول أثر الكآبة لعلامات الخوف، رنّت في أذني افتتاحية مديرة الجامعة: “لا تخشى من الخوف…” ربما هذا ما علي ان أتعلمه اليوم: الخوف يشحذ ويصقل… إنه تحد ومواجهة… هو تجربة واختبار.
هل أنا كفؤ لهذا الصراع؟ هل أملك ما يكفي لخوض هذا النزال المصيري؟ هل يفعل أهلي وأصدقائي وزملائي وأحبائي ذلك؟ هذا هو السؤال.