تاريخ العالم

يوم الوحدة الألمانية: ماذا يقول أحد سفراء ألمانيا عنه للقرّاء للعرب؟

العربي القديم – متابعات

بمناسبة يوم الوحدة الألمانية الذي يصادف يوم الثالث من تشرين الأول/ أكتوبر من كل عام، نشر السفير الألماني في الكويت،  السيد (هانس كريستيان فرايهير فون رايبنتس) مقالة في عدد من الصحف الكويتية، تحدث فيها عن تاريخ الوحدة بين شطري ألمانيا وما يمثله بالنسبة للألمان اليوم، ناهيك عن العلاقات التجارية وجذورها الأولى بين الكويت وألمانيا.

ونظرا لأهمية المعلومات التاريخية التي أوردها السفير، تعيد (العربي القديم) نشر نص المقال لما يمثله توحيد شطري ألمانيا السلمي قبل أكثر من أربعة عقود، من دروس تاريخية بليغة لكل الشعوب التي تبحث عن النهوض  من جديد. (العربي القديم)

الحدث الأكثر أهمية في تاريخنا المعاصر

لقد أصبح يوم الوحدة الألمانية عيدنا الوطني باعتباره الحدث الأكثر أهمية في تاريخنا المعاصر، والذي ساهم بشكل لا مثيل له في تكوين وصياغة ألمانيا الحديثة، فبعد عقود من الانفصال المؤلم، تم أخيرا وفي سلام تام توحيد المانيا الشرقية والغربية تحت راية واحدة.

سبقت الوحدة الأحداث التي وقعت عام 1989، عندما بدأ مواطنو ألمانيا الشرقية، وخاصة في مدن لايبزيغ ودريسدن وبرلين، في تنظيم مسيرات أسبوعية سلمية للاحتجاج على النظام القديم، والمطالبة بالمزيد من الحرية والديموقراطية.

وانتشرت ما كانت تسمى بـ «مسيرات الاثنين» كالنار في الهشيم، وأرسلت رسالة قوية في كل أنحاء البلاد. بعد فترة وجيزة، بلغت هذه الأحداث ذروتها لتصبح ثورة سلمية، أدت إلى انهيار أسس دولة ألمانيا الشرقية القديمة في غضون أشهر قليلة.

وتلا ذلك مفاوضات سياسية أسفرت عن إعادة توحيد ألمانيا الشرقية والغربية في الثالث من أكتوبر عام 1990، منهية بذلك فصلا مظلما من تاريخ المانيا ما بعد الحرب، دون إطلاق رصاصة واحدة. لقد أصبحت معجزة إعادة التوحيد السلمي ممكنة لأنها حظيت بدعم جيراننا في أوروبا الشرقية وحلفاء ألمانيا الغربيين، ونحن لا نزال ممتنين لهم حتى يومنا هذا.

تفعيل الثقل السياسي في المحافل الدولية

علاوة على ذلك، فإن الثالث من أكتوبر يرمز أيضا إلى حقبة جديدة في علاقاتنا الدولية: انطلاقا من شعورنا بالمسؤولية، فقد قمنا بتفعيل ثقلنا السياسي في المحافل الدولية، ورفعت ألمانيا الجديدة صوتها من أجل تخفيف الصراعات، ومحاربة الظلم، ودعم سيادة القانون، وتعزيز المساواة، والدفاع عن حقوق الإنسان، والتعاون الوثيق في جميع أنحاء العالم.

ولن تقف المانيا مكتوفة الأيدي في مواجهة العدوان: لهذا السبب نقف بثبات في الدفاع عن سيادة أوكرانيا ضد أي عدوان عسكري غير مبرر، كما وقفنا جنبا إلى جنب مع الكويت في الساعات المظلمة من عام 1990، عندما واجهت الغزو.

ومن مفارقات القدر، أنه عندما ابتهجت ألمانيا أخيرا بإعادة توحيد شطريها، كان وجود الكويت ذاته معلقا بخيط رفيع. لقد تغلب بلدانا على الأوقات المظلمة التي مرا بها من خلال مساعدة الآخرين لهما، وهذه الرؤى التاريخية هي أحد المصادر التي يتدفق منها إيماننا بالتضامن والمساعدة الإنسانية.

واليوم، لدى كل من ألمانيا والكويت قصة جديدة تبعث على التفاؤل لترويها: لقد صمدت صداقتنا أمام اختبار الزمن، وقد زاد ونما فهمنا لبعضنا البعض. سارعت ألمانيا إلى الاعتراف بالكويت بعد استقلالها، من خلال خطوات رسمية، تمثلت في إقامة علاقات ديبلوماسية بعد فترة وجيزة عام 1964. ومنذ ذلك الوقت، فإن علاقاتنا تزداد قوة وصلابة يوما بعد يوم.

تاريخ من العلاقات التجارية

يمكننا القول اليوم بكل فخر إن التجارة موجودة في الحمض النووي لكل من بلدينا، فقد بدأت العلاقات التجارية الأولى قبل فترة طويلة من استقلال الكويت، وخاصة في قطاع السيارات، حيث تم تسليم أول سيارة بورشه إلى الكويت عام 1954، وتبعتها السيارة الأسطورية 911 بعد عشر سنوات. واليوم، لا تزال ألمانيا أكبر مصدر أوروبي للسلع الاستهلاكية عالية الجودة إلى الكويت، في الوقت ذاته تعد الكويت مستثمرا رئيسيا في ألمانيا.

وفي المنتديات الدولية، تعاونت ألمانيا والكويت في الكثير من القضايا الهامة الملحة، بما في ذلك ما يتعلق بسورية واليمن وباعتبارهما عضوين غير دائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في عام 2019. وأصبحت الكويت، بتقاليدها الديموقراطية، شريكا دوليا موضع تقدير واحترام في المنطقة في سعينا من أجل الحصول على حلول عالمية للتحديات المعاصرة.

وماذا عن مواطنينا؟ لقد كان لي شرف أن أشهد بنفسي أن ألمانيا أصبحت بالنسبة للعديد من الكويتيين الوطن الثاني المفضل، على الأقل خلال فصل الصيف، حيث لا ينظر اليهم على انهم سياح بل أعضاء مهمون في الجاليات الألمانية هناك.

انطلاقا من هذه الخلفية، فقد أصبح الوقت مناسبا للغاية أن يسعى بلدانا الآن إلى رفع العلاقات إلى مستوى أكبر، ويسعدني أن أشير إلى أنه ـ في مايو 2024 ـ ستحتفل ألمانيا والكويت معا بمرور 60 عاما على العلاقات الديبلوماسية بينهما، ويمكننا الآن أن نقول بكل فخر: «لقد نضج فهمنا ووصل إلى الأعماق الإستراتيجية».

نحن نعمل الآن على إقامة شراكة استراتيجية أكبر من أجل المستقبل. كما أن هناك تقديرا متبادلا لصنع السياسات الرشيدة، والالتزام الإنساني على مستوى العالم، واتباع نهج مبدئي في التعامل مع مسائل السلام والأمن في مواجهة التحديات الدولية المشتركة من تغير المناخ، وأمن الطاقة، بالإضافة إلى مكافحة الفقر وسيادة القانون.

على إثر هذه التطورات، فإننا نهدف إلى خلق قنوات تواصل أكبر خاصة مع الشباب في بلدينا. وهنا أرى إمكانية كبيرة للتعاون في السنوات المقبلة.

نحتفل اليوم بمرور 60 عاما على العلاقات الديبلوماسية، فلدينا جذور عميقة وصداقة دائمة، وإنني أتطلع إلى الاحتفال المشترك بهذه المناسبة، وفتح فصل جديد من التعاون بين شعبينا.

زر الذهاب إلى الأعلى