كفى يا د. برهان غليون: الشعب السوري ليس غطاءً لعسفكم القديم
نقد الدكتور غليون هنا ليس فقط لطرحه السياسي، بل لغيابه عن الواقع السوري

نوار الماغوط – العربي القديم
في كل مرة يخرج علينا الدكتور برهان غليون، تعود الذاكرة إلى التجربة المرّة التي خاضها السوريون حين وضعوا آمالهم في “المجلس الوطني السوري”، الذي شكّل أول محاولة تنظيمية للمعارضة. لكن بدلًا من أن تكون هذه التجربة نقطة انطلاق، تحوّلت إلى محطة انهيار مبكر للثقة، بسبب الأداء الفاشل، والعجز عن التمثيل الحقيقي، والانغماس في المساومات الإقليمية والدولية.
ورغم كل هذا الفشل، يصرّ الدكتور غليون على البقاء في الواجهة. ليس كمراجعٍ لتجربة سياسية عميقة، بل كمقدّم لحلول جديدة، يطرحها بمنطق الواثق، وكأن سوريا ما زالت تبحث عن وصيّ.
في لقائه الأخير على قناة “الإخبارية السورية”، والتي لا تُخفي ميلها لتسويق طروحات ما يُسمى “المعارضة الناعمة”، طرح د. غليون فكرة تشكيل مجلس تشريعي عبر انتخابات محلية تبدأ من الأحياء والقرى. فكرة براقة على السطح، لكن تنقصها كل مقوّمات الواقع.
كيف يمكن أن نتحدث عن انتخابات بلدية في مناطق مثل دير الزور، الرقة، وعفرين وريف حمص وحماه وحلب وإدلب والغوطة، وسكانها الأصليون إما مهجّرون، أو معتقلون، أو موزعون بين المنافي والمخيمات؟ كيف نثق بنتائج انتخابات تتحكم بها بقايا النظام السابق وتشرف عليها سلطات الادارة الجديدة، وتخضع لتوازنات السلاح والتمويل والمنظمات الأجنبية؟ من سيمثّل أهل الثورة؟ ومن يضمن ألّا يعاد إنتاج المجالس المحلية وفق نفس الآليات التي استخدمها النظام لعقود: التعيين الأمني، الولاءات العائلية، والفساد المنظم
ما يثير القلق أكثر من الطرح نفسه، هو التوقيت والتكرار. الدكتور غليون لا يظهر في الإعلام ليقدّم مراجعة صادقة، بل يتم استدعاؤه إعلامياً كصوت “معارض معتدل”، يُراد له أن يبرّر المشاريع المطروحة كـ”حلول وسط” بين النطام والثورة.
هذا الاستخدام لا يمكن فصله عن سياق إعادة تدوير المعارضة، وتلميع بعض الأسماء المحسوبة على “الثورة ”، لإقناع السوريين بأن هناك “شرعية جديدة” في الطريق، تُبنى عبر صيغ تنظيمية مفرغة من المعنى: مجالس، لجان، انتخابات… كلّها دون أي أساس قانوني، أو عدالة انتقالية، أو مساءلة.
الدكتور برهان غليون ليس وحده من يتحمّل مسؤولية الإخفاق. لكن كونه أول من تسلّم قيادة سياسية باسم الثورة، فإن عليه واجبًا أخلاقيًا واضحًا: التوقّف عن الظهور الإعلامي، والامتناع عن طرح مشاريع باسم السوريين، ما لم يكن مستندًا إلى شرعية ثورية حقيقية، لا إلى منصات إعلامية تموّلها أجندات خارجية.
إن الشعب السوري لا يحتاج إلى من يتحدث باسمه في صالات مكيفة، بل إلى من يخدم قضيته، بإخلاص واستقلالية بعيد عن المال السياسي أو الاجندات الخارجية . أما إعادة طرح الأفكار نفسها، من قبل الوجوه نفسها، بعد أكثر من عقد من الفشل، فهو استهتار بعقول الناس وذاكرتهم ودمائهم
إلى الدكتور غليون، نقولها بوضوح: كفى.
كفى تكرارًا لنفس الوصفات التي لم تُنتج إلا الفشل.
كفى ظهورًا إعلاميًا يوظَّف لتبرير أمر واقع لم يختَرْه الشعب، ولا يمثّله.
وإن لم يكن في الأمر أجندة خفية، فليكن الاعتزال فضيلة، .
نقد الدكتور غليون هنا ليس فقط لطرحه السياسي، بل لغيابه عن الواقع السوري، خاصة بعد فشل تجربته السابقة في قيادة المعارضة. الحديث عن اللامركزية والمجالس المحلية كأنه مفتاح الحل فيه قفز على مأساة ملايين المهجرين واللاجئين، الذين يُراد إقصاؤهم بحجة الواقعية، بينما على أرض الواقع تتحكم بقايا النظام وأمراء الحرب والمنظمات الدولية الفاسدة بمفاصل المجتمع المحلي
لا يمكن بناء أي شرعية جديدة على بقايا نظام مجرم، ولا على شبكة علاقات مموّلة ومصفّاة أمنياً. لذلك، فإن أي حديث عن انتخابات أو تمثيل سياسي قبل تحقيق عدالة انتقالية حقيقية، ومحاسبة رموز الفشل، ليس إلا غطاءً جديداً لعسف قديم.