الميليشيات الشيعية وحماس وداعش: أعداء وهميون لأمريكا
رودي حسو- العربي القديم
تعتبر ميليشيات حزب الله والميليشيات الشيعية الإيرانية في المنطقة جزءاً كبيراً من المشاكل الإقليمية، وليس فقط المحلية. يُنظر إلى هذه الجماعات على أنهم “أعداء وهميون” لأمريكا، حيث تستخدم هذه الصورة لتبرير زيادة التواجد العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، وتوجيه مزيد من الموارد لمواجهة ما يتم تصويره كتهديدات. التضخيم الإعلامي الفج يلعب دورا كبيرا في تعزيز هذه التهديدات الوهمية.
منذ فترة طويلة، استخدمت الولايات المتحدة “خطر التمدد الشيعي” كذريعة لتعزيز وجودها العسكري في الشرق الأوسط. يتم تقديم هذه الميليشيات، بما في ذلك حماس، كتهديد كبير للأمن القومي الأمريكي وحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، مثل المملكة العربية السعودية وإسرائيل.مع العلم أن هذه الإجراءات تتكلف أموالًا ضخمة تأتي من الدول الخليجية. يزعم المسؤولون الأمريكيون أن تعزيز الحضور العسكري يعد ضروريًا لمواجهة التهديدات التي تشكلها إيران وميليشياتها، بينما يمكن اعتبار هذه السياسات جزءًا من استراتيجية أوسع للهيمنة على المنطقة. إلا أن الكثير من المحللين يرون أن هذا التصوير مبالغ فيه، وأنه يستخدم كوسيلة لتبرير التدخل العسكري ونشر القوات.
عندما ضخمت الولايات المتحدة من خطر هذه الميليشيات، استندت إلى عدة أحداث وتطورات أمنية، لكن العديد من تلك الأحداث كانت متعلقة بتوترات محلية أو اشتباكات عابرة وليست تهديدات وجودية. لذا، يُنظر إلى هذا التكتيك على أنه جزء من استراتيجية أوسع لكسب دعم شعبي داخلي للحرب أو التدخلات العسكرية، مما يساعد الإدارة الأمريكية على تبرير ميزانيات الدفاع العسكرية الكبيرة.
تعزيز القوات الأمريكية في الشرق الأوسط
تعمد الولايات المتحدة إلى إرسال تعزيزات عسكرية إلى الشرق الأوسط عند ظهور أي نوع من التوترات التي تعتبرها تهديدًا. فعند الحديث عن الميليشيات الشيعية، تتجلى هذه السياسات بوضوح، حيث فتحت واشنطن الباب لإرسال قوات إضافية ومعدات عسكرية إلى المنطقة، مستفيدةً من الصور النمطية حول هذه الجماعات.
على مر السنين، شهدت المنطقة تواجدًا متزايدًا لقوات البحرية الأمريكية والأساطيل الموجهة من قبل الولايات المتحدة على خلفية هجمات أو تهديدات تُنسب إلى هذه الميليشيات التي تعتبر قوتها اوهن من بيت العنكبوت. على سبيل المثال، بعد كل تصعيد بين إيران وأحد حلفاء الولايات المتحدة، يتم الإعراب عن القلق وتوجيه حاملة طائرات أو زيادة عدد السفن الحربية في الخليج، مما يزيد من تواجد القوات الأمريكية إلى حد كبير.
تصفية هنية في طهران
إن الحديث عن مقتل إسماعيل هنية في إيران يثير نقاشًا عميقًا حول طبيعة العلاقات الدولية وما يُعرف بـ”العداء الوهمي”. يبدو أن هذا الحادث قد تم استثماره بشكل كبير لإظهار خلاف زائف بين الولايات المتحدة وإيران، حيث تتشابك المصالح بين الطرفين بشكل أكثر تعقيدًا مما يبدو للوهلة الأولى. وفقًا لهذه الرواية، كان هناك توافق ضمني على التخلص من هنية بين الجانبين، ولكن تم تقديم ذلك على أنه تعبير عن التوتر بين أمريكا مع حلفيتها إسرائيل وميليشيا حماس.
إن الولايات المتحدة تدرك أهمية كسب رأي العام المحلي لتبرير استمرار وجود قواتها في الشرق الأوسط، وهو ما يتطلب ضغوطًا مستمرة على المتطوعين للانضمام إلى صفوف الجيش. من ناحية أخرى، تُحاول إيران إقناع مريديها بأنهم في حالة عداء دائم مع أمريكا، مما يساهم في تعزيز روح القومية والتماسك الاجتماعي في وجه المنافس الخارجي.
في نهاية المطاف، يستفيد الطرفان من هذا النوع من العداوات الافتراضية، حيث تستخدم الولايات المتحدة الصراعات كمبرر لبقاء قواتها، بينما تسعى إيران إلى تعزيز ولاء قطيعها من خلال الترويج لفكرة التهديد الأمريكي. يصبح كل من تصفية الأشخاص والمعارك الوهمية أدوات فعالة في تحقيق أهداف سياسية، مما يعكس مدى تعقيد العلاقات الدولية والمشاهد السياسية في المنطقة.
عداء حماس لإسرائيل: الوهم والاستراتيجية
تعتبر حركة حماس من أبرز الفصائل الفلسطينية التي ترفع شعار مقاومتها للاحتلال الإسرائيلي، لكن هناك من يرى أن هذا العداء الذي انطلق من ضرورة تحرير الأرض ورفع الظلم عن الشعب الفلسطيني، أصبح بعد أن دخلت عليه الأجندة الإيرانية شيئاً آخر… يمكن أن يكون نتاجاً لعدة عوامل سياسية واستراتيجية أكثر تعقيداً مما يبدو للوهلة الأولى. في هذا السياق، يمكن القول إن العداء بين حماس وإسرائيل، بشكل أو بآخر، يتسم بجوانب من الوهم والضرورات السياسية.
من الممكن أن يكون العداء الظاهر لحماس لإسرائيل نتاجًا لضرورات سياسية أكثر من كونه تعبيرًا عن أيديولوجية راسخة. فحركة حماس بحاجة إلى تأكيد وجودها كممثل للحقوق الفلسطينية، مما يجعلها تعلن عن مواقف قوية ضد الاحتلال. هذا الموقف يعزز من دعمها الشعبي ويؤسس لشرعيتها كحركة مقاومة في نظر الكثير من الفلسطينيين.
تعتمد حماس بشكل كبير على فكرة المقاومة كاستراتيجية للبقاء، ليس فقط ضد إسرائيل ولكن أيضاً في مواجهة الخصوم الداخليين. إن تقديم حركة حماس كحركة مقاومة تعزز من مكانتها في الساحة الفلسطينية، حيث يمكنها أن تستغل هذا العداء لكسب الدعم المحلي والدولي. في هذا الصدد، يصبح التصريح العلني عن العداء لإسرائيل جزءاً من استراتيجية البقاء والوجود.
الهدنات والمفاوضات
تاريخياً، شهد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فترات هدوء حيث كانت حماس تشارك في محادثات غير مباشرة مع إسرائيل، بل وتوصلت لعدد من الاتفاقيات. هذه الهدنات يمكن أن تُفسر على أنها تناقض مع العداء المعلن، ما يثير الشكوك حول حقيقة هذا الصراع. في بعض الحالات، يمكن أن يكون سلوك حماس متماشيًا مع حسابات سياسية أكثر من كونه مقاومة عميقة الجذور للاحتلال.
المصالح الإيرانية
من المفيد أن نفهم كيف أن تحالف حماس مع إيران يأتي أيضًا مع دوافع سياسية. إن تصوير حماس كحركة مقاومة يجذب الدعم الإيراني، مما يساعد طهران على توسيع نطاق نفوذها في المنطقة. فعندما يتم تضخيم صورة حماس كعدو للمصالح الأمريكية والإسرائيلية، يُستخدم هذا التصوير من قبل إيران كمبرر لدعمها المالي والعسكري للحركة. هنا، يظهر العداء كأداة تخدم المصالح السياسية لأكثر من جانب.
في نهاية المطاف، بينما تحاول حركة حماس تقديم نفسها كحركة مقاومة قوية ضد الاحتلال الإسرائيلي، تظهر جوانب من هذا العداء كجزء من استراتيجية أكبر تتعلق بالشرعية السياسية والبقاء. العداء لإسرائيل قد لا يكون سوى وجه من الوجوه
تداخل هذه التفاعلات مع قضايا مثل الدعم الخارجي، التحالفات الإقليمية، والتغيرات السياسية، مما يجعل صورة الصراع أكثر تعقيدًا من مجرد عداء أحادي الجانب. وبالتالي، فإن فهم العلاقة بين حماس وإسرائيل يتطلب تناول هذه العوامل بعناية، حيث أن العداء قد يخفي وراءه مواقف واستراتيجيات تتجاوز ما هو معلن.
داعش: تدمير المنطقة تحت ذريعة الإرهاب
تعتبر تنظيم داعش من الجماعات الإرهابية التي برزت كأحد أبرز التهديدات الأمنية ليس فقط للشرق الأوسط بل للعالم بأسره. ومع ذلك، هناك من يتساءل عن مدى مبالغة الولايات المتحدة في تصوير هذا التنظيم كخطر وجودي، خاصةً بالنظر إلى النتائج المدمرة على المنطقة. إذ يُنظر إلى استجابة أمريكا لداعش كجزء من استراتيجية أكبر ساهمت في المزيد من الفوضى والتدمير.
منذ ظهور داعش، اتخذت الولايات المتحدة خطوة غير مسبوقة في التدخل العسكري، حيث قامت بشن ضربات جوية وأسقطت قوات على الأرض تحت جناح التحالف الدولي في العراق وسوريا. و استخدمت الولايات المتحدة “الحرب على داعش” كذريعة لتبرير تدخلات عسكرية واسعة النطاق، ما أدى إلى تدمير المدن والبنية التحتية والآثار الثقافية في الرقة ودير الزور،-الأنبار -الموصل- في العراق، كان بالإمكان معالجة التهديدات المحددة التي شكلها داعش بطرق أقل تفجيراً، إلا أن التقييمات الأمنية والتحركات العسكرية الأميركية تسببت في تكاليف بشرية ومادية كبيرة.
مخيم الهول: قنابل موقوتة تحت إشراف مباشر
تحتجز قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، المدعومة من الولايات المتحدة، آلاف المواطنين في مخيم الهول الواقع شرقي محافظة الحسكة في شمال شرق سوريا. يُعتبر هذا المخيم مجموعة من القنابل الموقوتة التي تحت إشراف مباشر من القوات الغربية، حيث يضم أكثر من 20,000 قاطن، بما في ذلك نساء وأطفال من عائلات الدواعش. المؤشرات تشير إلى أن هؤلاء القاطنين يعيشون في ظروف قاسية، مما يثير القلق حول إمكانية تطرفهم أو انخراطهم في أعمال عنف مستقبلية.
يتعامل المخيم مع واقع مضطرب، حيث يُعتبر الاستقرار فيه أمرًا بعيد المنال. وقد ارتفعت أصوات تطالب بإغلاق المخيم، لكن الواقع المعقد يحول دون إيجاد حلول مستدامة. بينما تتواجد القوات الأمريكية في المنطقة، تستمر التوترات مع المجتمعات المحلية، مما يزيد من حالة عدم الاستقرار.
المعادلة الاستراتيجية
عملت الولايات المتحدة على تصوير الميليشيات الشيعية وحماس وداعش كاعداء ووحوش يستدعي استجابة عسكرية قوية، لكن معظم التحليلات تشير إلى أن تلك الاستجابة لم تكن ضرورية في كثير من الأحيان. وفي ظل ذلك، يبدو أن التصوير الإعلامي لهذه الميليشيات كأعداء لا يمكن السيطرة عليه ساهم في دعم أجندة التدخل العسكري وتعزيز وجود القوات الأمريكية في المنطقة، مما زاد من حدة الصراعات التاريخية والاجتماعية والعسكرية، وهو ما يحمل في طياته العديد من المخاطر والتحديات. بحاجة المنطقة إلى استراتيجيات شاملة تعالج الجذور الحقيقية للصراعات، ولا تعتمد فقط على الحلول العسكرية.