نصوص أدبية || حدثَ غداً... جثة كوهين ولغز مقبرة التضامن!
بقلم: فؤاد عزام
كتب لي: إنْ أدركتكَ رسالتي دون أن تجبني، فاعلم أني سأزيد، وسأبقى على هذه الحال حتى تقول كفى، وإن اشتد كلامي، فلأني أعلم منك بالحال هنا، وطالما أرى فقراتها تصلك سأواصل.
إنني يا صاحبي أعيش في دمشق التي تعمل عائلة الأسد والروس والإيرانيون على إدخال مرحلة العصور الوسطى المبكرة إليها، حيث يُجبرون الأهالي على الهجرة، فقلّت أعدادُهم، ويريدون مِمَّنْ تبقى أن يكونوا عبيداً وأسرى لديهم، فرأت الناس الموت أرحم إليهم من الحياة وأيسر، فنحن لم نخلق من حجارة أو حديد.
وصلت الخشية لدينا إلى حد نعجز فيه حتى عن وقف ما يحدث من تغيير لوقائع أقاليم الأمس وهي آخر ما تعتاش عليه رؤانا وأحلامنا، وتجتر منها مجدا نتلقفه ونلقيه على نهار آخر لاجديد فيه سوى الزمن، إذ حينها لا يتبقى لأحلامنها من زوادة في حلكة الليل، ويصير في الأفول ولا نرى في المنامات حتى عربيا كالمتنبي يقول: كُلَّ يَومٍ لَكَ اِحتِمالٌ جَديدُ وَمَسيرٌ لِلمَجدِ فيهِ مُقامُ.
وليس أدل على حال مستقبلنا أكثر من واقعنا، ودون أن تسألني عن غدنا سأروي لك تفاصيله:
شوارع منطقة التضامن بدمشق بدت هذه الأيام مغطاة بأعلام وصور جنرال روسي رفيع، حتى أن شريطا يعلقه شبان وشابات روس في الساحة الرئيسة، يحجب عن الناظر تماثيل علي الخامنئي، وحسن نصرالله، وقاسم سليماني، ويجعل الرجال الملتحون يحنون رؤوسهم حين يعبرونها، كذلك نساؤهم ممن لديهن طول فارع، فهن استغلن الانحناء ليحدقن من خلف حُجبهن بوجوه الروسيات الشقراوات.
وليس ببعيد عن الساحة يتجمع عمال غالبيتهم من الأقلية السورية إذ يغلب على المنطقة أكثرية من سكان جدد بملامح آسيوية، بينما تحمل واجهات المحلات المحيطة كتابات باللغتين الفارسية والروسية، وخلافا للسوريين، لا يحتاج رعايا الدولتين لتأشيرة من أجل الدخول إلى منطقة التضامن من جهة مقاطعة السيدة زينب، بعد أن فصلتها بلدية دمشق الكبرى عن “الحي السوري” وباتت تابعة لتلك المقاطعة.
أما لماذا صور الجنرال روسي؟ فلأن المنطقة ستشهد يوم غد السبت حفلا للإعلان رسميا عن اكتشاف رفات الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين التي قيل أنها مدفونة منذ أكثر من 100 عام في مقابر المنطقة، وبرر حافظ الثاني رئيس بلدية دمشق الكبرى هذا الحدث بقوله: هو قضية وطنية تنهي لغز مقبرة التضامن، الذي بقي دون حل منذ سنوات الحرب على سوريا، حين استغل الإرهابيون تنقيب الحلفاء الروس عن جثة كوهين آنذاك، وبحثوا خلفهم، ليكتشفوا كما قالوا جثثا ” لفلسطينيين وسوريين” واتهموا حينها زورا ولأجندات خارجية القائد الراحل بشار الأسد بقتلهم.
أما كيف سيحل اللغز فبأسلوب الطمر بحسب ما أعلن الحرس الثوري، إذ أنه سيقيم فوق المقبرة ساحة باسم ساحة الأئمة الإيرانيين، بعد رفض الحرس مقترح “القابسون الجدد”، وهم ورثة جمعية القبيسيات المنحلة بأن تسمى بساحة الخلفاء الراشدين، إذ ذكر أحد المعممين على التلفزيون أن هذه القضية أثارت جدلا حول تعريف الخلفاء الراشدين، إذ لا بد من ضم الحسن والحسين في قائمتهم فهم من آل البيت، أما إدخال عمر بن عبد العزيز فيجب أولا إثبات أنه الخليفة الخامس، وهذا لم يحدث حتى حين نبشنا قبره في معرة النعمان من أجل هذه الغاية لم نجد مثل هكذا إثبات.
وحول رفات الخليفة عمر بن عبد العزيز فقد نقلت لأكثر من مكان، دون أن تستقر، حتى أن جمعية محبي فيروز والرحابنة، فشلت في دفنها في منطقة الدويلعة، ولم تقبل المحكمة تبريرها بأنها كانت جزءا من بستان الخليفة هشام وهو أحد أقربائه، وبأن الجمعية لا تملك الصفة الشخصية الإعتبارية الكاملة لرفع دعوى وأغنية فيروز في ستينات القرن العشرين “أمويون وإن ضقت بهم ألحقوا الدنيا ببستان هشام”، ليست كافية لإثبات تلك الصفة، وربما كان المقصود بهشام هو “الحاج هشام الدين بن صفي الدين الملقب بأبي عباس الدين”، صاحب سلسلة مكاتب “الدين” العقارية الشهيرة في الدويلعة.
ومما قالته المحكمة: إن الخليفة عمر لديه سجل لدى فارس بتحريض غيلان الدمشقي على “نهب” خزانة بيت المال المسلمين وتوزيعها على عامة الناس أعداء آل البيت، بعد أن عينه مسؤولا عنها، وكان أن نال جزاءه بيد غيرنا بعد أن صلب في الباب الشرقي لدمشق، وعليه فقد اعتبرت الدعوى المقدمة من قبل الجمعية كيدية ولها أهداف تستهدف حلف شمال المقاومة والممانعة، وعليه فقد اتهمت أعضاء الجمعية بالاتصال بمنظمات سورية تدعو لانفصال ما يسمى بسوريا عن فارس، وبسعيهم لتهديم الدويلعة وإعادة المنطقة بستانا لأعداء آل البيت، وفي نهاية حكم المحكمة جاء أنها اتخذت قرارا بتسمية الغوطة الشرقية لدمشق ببستان روح الله بن مصطفى بن أحمد الموسوي الخميني قدس سره.
وحول ساحة الأمويين فقد بات اسمها الجديد ساحة المهدي المنتظر إذ ورد في أدبيات تنظيم حزب البعث الفارسي: أن المهدي المنتظر عجل الله فرجه، هو من كان أمر علي الخامنئي بأن يتم بناء منطقة بساتين خلف أبي بكر الرازي لإقامة السفارة الإيرانية، والتي هي حاليا القيادة القطرية الإيرانية، وجاء الأمر في اجتماع بينهما في سرداب قدم إليه مستخدمًا الصحن الطائر، وامتدت تلك المنطقة لتصل إلى “الحي السوري” بدمشق حيث مقام رقية مرورا بالميدان الفوقاني والتحتاني، بعد أن تم وصل الست زينب بمقام سكينة في داريا، التي زارها مطلع القرن الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد بأمر أيضا من الخامنئي ونكش قبرا مهملا أسماه قبر سكينة.
ونجاد هذا أقام له الفرس تمثالا كبيرا في ساحة الباب الشرقي لدمشق نكاية بمقترحات بعض وسائل الإعلام بأن يقام تمثال لغيلان الدمشقي في ذات الساحة، إذ ينسبون الفضل لنجاد بأنه أول من دق ناقوس الخطر حول سرقة أعداء بلاده الغيوم ومنعها من الوصول إلى إيران، على الرغم من تأكيد جيران إيران العرب أن الهدف من الاتهامات هو ابتزازهم، وبالفعل فقد تحدثت كتب التاريخ عن صفقة كبرى عقدت بين إيران والعرب قيل أن إيران قبضت بموجبها أموالا طائلة، بينما تولت شركات صينية نقل مئات ملايين الأطنان من تراب غوطة دمشق، لتشكيل جبال جاذبة للأمطار.
إن اتجهت من ساحة تمثال أحمدي نجاد باتجاه بستان الخميني فإنك سترى على جانبي الطريق منصات تعرض أعمالا تقول إنها من التراث والآن تعرض إحدى تلك المنصات مسرحية تاريخية هزلية يظهر فيها حوار بين كل من أبو نواس وأبو العتاهية وأبو تمام وبين الزمخشري يحاولون إقناعه بأن الهمبرغر أصله عربي، وأن كل الأسماء عربية كما قال الراحل معمر القذافي الذي يظهر ملكا عظيما وهو يخاطب الأمة بقوله: أوباما عربي واسمه بالأصل أبو عمامة.
إحدى الراقصات تعترض وهي تضحك وتقول للقذافي الذي بدا منتفضا: ومن شان هيك خوزقوك، ولكنه صرخ: ” طز بأمريكا”، أنا عربي أفريقي، ومناضل وأممي ومسلم وبعثت رسالة لبريجينيف قلت له فيها من أبو منيار معمر القذافي الى ليونيد ايلتش بريجنيف أسلم تسلم، هنا تبدو جلبة ترتفع بين صوتين تخوزق، لا ما تخوزق، ليظهر رجل معمم يقول: كان بودنا ذلك ولكن مجموعة المخوزقين أبت وعملت بما قاله المتنبي: وسوى الروم خلف ظهرك روم فعلى أي جانبيك تميل؟..
وعليه فإن الفرس كانوا يشكون بأن المتنبي كان يشير إليهم بأنهم خلف الروم، من خلال نصحه سيف الدولة بن حمدان، ولهذا فقد منعوا تداول معظم قصائده، أو حذفوا منها أبياتا محددة، حتى أنه تم طمس اسم طبريا التي شهدت ضفتها نزالا بين الأمير الطرابلسي الفارس بدر بن عمار، وبين أسد ضخم، إذ كان صور المتنبي المعركة كفيلم سينمائي سبق شاعر فرنسا شارل بودلير فيه بما يتعلق بالصور التي تحفل فيها قصيدة النثر التي أسسها، وذلك من خلال قصيدته ومطلعها أمُعفّرَ الليثِ الهزبرِ بسوطه لمن ادّخرت الصارمَ المصقولا، وللتاريخ فإن طمس اسم طبريا كان بالتشارك بين فارس ومملكة جيشور التي تضم الجولان حتى مشارف دمشق شرقا، والعقبة جنوبا، وشمالا حتى جبل لبنان.
وأوجد إعلام فارس رواية أخرى عن مكان واقعة بدر بن عمار وروج بأنها كانت في شعب بوان في فارس، حيث كتب المتنبي قصيدته فيها حين كان عائدا من زيارته إلى عضد الدولة الملك، وعليه أيضا فإنهم رفضوا ما ذكرته بعض المصادر العربية من أن المتنبي قتل على يد الملك البويهي” الإيراني” وادعوا أيضا أن عضد الدولة الملك لم يستدعه إلى شعب بوان، كي يعطيه رشى ليتوقف عن تشكيل تحالف عربي مع أبو حيان التوحيدي ومحمد البصري، ضد البويهيين، وقالوا ليس صحيحا أن كلامه استفز عضد الدولة الملك بعد أن قال لابن العميد والصاحب بن عباد الوزيران البويهيان: الملوك كالقردة يشبهون بعضهم بعضا، وأيضا فإنه لم يكن تحديا للبويهيين ما قاله حين وصل بغداد: ولما أنخنا ركزنا رماحنا بين مكارمنا والعلا، وعليه فإن عضد الدولة لم يقل: هو ذا جاء المتنبي يتهددنا..
من مملكة جيشور، حيث تأخر عن موعده، سيصل الجنرال الروسي إلى حي التضامن والناس يصطفون على جانبي الطريق عند مدخل دمشق الغربي وهم يحملون أعلام فارس وروسيا لاستقباله، وفي مقدمتهم رئيس البلدية حافظ الثاني، وسبب تأخره هو أنه توقف في مدينة دونالد ترامب، التي بنيت على أنقاض قلعة خسفين تخليدا له بوصفه أول رئيس يعترف بسيادة إسرائيل على ماكان يعرف بالجولان.
وجيشور هذه أكتشفت استنادا للتوراة، على الرغم من أن جميع النقوش أو الحجارة التي قالت إسرائيل حينها إنها تدل على وجود المملكة كانت مزورة، إلا أنه وبعد إنهائها ماكان يعرف بالقضية الفلسطينية آنذاك، فرضت تلك المملكة وأعادتها للحياة، وتحتفل في كل عام بتحالفها الجديد معها كما قبل ثلاثة آلاف عام بحسب ما تقول.
وخلافا لبرنامج زيارته فقد أراد الجنرال الروسي هذه المرة زيارة الحي السوري بدمشق، حيث تجول فيه لمشاهدة محلات أثرية ومازالت قائمة، وبدا الحي شبه خال من الناس وإن وجد عدد قليل لا يتجاز العشرين فإن وجوههم كأنهم خارجون من القبر..
احتفاء بالجنرال الروسي فقد أعد حافظ الثاني حفلا في الشارع حيث بدت غادة التي وجدت نفسها بلا عمل بعد حل جمعية القبيسات ترقص على أنغام بديعة مصابني “قطعني حتت أنا ملك ايديك”
وحين سألها الجنرال لماذا تلبس الأسود ردت نكاية بأحلام مستغانمي إذ قالت إنه يليق بها مئة بالمئة..
لم يضحك سوى حافظ الثاني، وحين سأله الجنرال عن المقصود بمستغانمي أجاب حافظ الثاني إنها راقصة أخرى منافسة لها..
وهنا سأل الجنرال ولماذا لم تحضر مستغانمي؟
رد حافظ الثاني: هاجرت مع الشعب الإرهابي
وهنا تدخل أحد مرافقيه ليوضح: نعم فقد توزع الشعب الإرهابي في أوروبا وأميركا وأصبحوا بعد حصولهم على الجنسيات يعملون إما ألمانيين أو فرنسيين أو هولنديين، ويخلفون كثيرا حفاظا على النسل
الهوية أصبحت مهن؟
المرافق: هكذا يردون حين يسألون عن مهنتهم ويبررون بأن هدفهم هو المحافظة على أصولهم، فقد نقلوا عاداتهم وتقاليدهم معهم، ومنهم مثقفون يقودون حملة في البرلمان الفرنسي الآن لتعليق أشعار أدونيس الابن الشعري غير الشرعي لبودلير في مكة.
وكثيرون منهم مازالوا يصدرون كتبا حول تاريخ الحل السياسي بما كان يعرف بسوريا، لكن منهم من اجتهد ووصل البرلمانات ومناصب أخرى تعمل على تقديم مساعدات إنسانية للحي السوري بدمشق..
إلى ساحة الخلفاء الإيرانيين المزمعة في حي التضامن يصل الجنرال الروسي وتبدو وسائل إعلام فارس وإسرائيل ومملكة جيشور تنتشر في الشوارع وعلى أسطح الأبنية لتغطية الحدث.
ولكن ماكان لافتا هو مهرجان اللطم الذي ظهر فقد بات من تقاليد المنطقة خلال مراسم الاستقبال، إذ أكثر ما شد الجنرال الروسي ومرافقوه، هو مواطنيه الروس وهم يشاركون في اللطم..
ألقى الجنرال الروسي كلمة في الاحتفال قال فيها:
أنا شديد الحماس للإعلان عن اكتشاف رفات إيلي كوهين، فلطالما وعدت إسرائيل بأنني لن يرتاح حتى أصل إليها، لأقدمها هدية لها أسوة بجثث الجنود الإسرائيليين الثلاثة وبينهم جثة زخاري بوميل، الذين أسرتهم منظمات فلسطينية في معركة السلطان في العام 1982. وقتلوهم ودفنوهم في هذه المقبرة.
هدية نعم.. كما هدية كتاب حروب يهودا ضد الرومان للمؤرخ اليهودي يوسيف بن متتياهو وألفه في العام 73 قبل الميلاد
كما ألقى جنرال إيراني كلمة قال فيها:
نحن سعداء بهذا الحدث ونذكر بعلاقاتنا الطيبة مع اليهود عبر التاريخ فقد أنقذتهم فارس ثلاث مرات وهذا مثبت في كتاب استر وهو أحد كتب الأسفار في الديانة اليهودية كيف انقذ الملك خشايار اليهود من مؤامرة هامان؛ ومرة أخرى انقذ ملك ايران كوروش اليهود من أسر بابل، وفي المرة الثالثة حين أنهت فارس ما كان يعرف بالقضية الفلسطينية التي كان أصحابها يريدون إبادة إسرائيل.
أعطى الجنرال الذي وقف على منصة إشارة البدء في مراسم انتشال رفات إيلي كوهين، ظهرت رافعة وإلى جانبها عدد من العمال يربطون تابوتا بالحبال، فيما لم يقطع الصمت الذي ساد المكان سوى انقطاع الحبال وسقوط التابوت ولكن الأنظار تركزت على ما أخرجته الرافعة من القبر إذ مازال أحد الحبال ممسكا بها، وبدا حافظ الثاني مندهشا، إذ رأى تمثال والده، بشار حافظ الأسد يتدلى من الرافعة.
وبدت الدهشة على وجوه الحضور، خلافا لجنرالي روسيا وإيران.
المرافقون أقتربوا أكثر من الجنرال الذي بدا يتشاور معهم، ويُسمع صوت أحدهم يقول له: هناك شبه لا أكثر، فأومأ له الجنرال بالموافقة، وقال بصوت عال: هنيئا لإسرائيل وجيشور وشكرا لفارس.