عبد القادر الصالح: حجي مارع ورمز القيادة الشعبية
تعرّض لمحاولات اغتيال عدة، وأعلن النظام عن مكافأة مالية قدرها 200 ألف دولار لمن يأتي به حياً أو ميتاً
مصطفى الشحود – العربي القديم
في أذهان السوريين، يبقى اسم عبد القادر الصالح، المعروف بـ”حجي مارع”، حاضراً بقوة، ليس فقط كقائد عسكري مؤثر، بل كرمز شعبي يُجسد بساطة المواطن العادي وحلمه بالحرية والكرامة.
ولد عبد القادر الصالح عام 1979 في مدينة مارع، إحدى بلدات الريف الحلبي، ونشأ بين أزقتها كأحد أبناء الطبقة الكادحة، يعمل في تجارة الحبوب والمواد الغذائية، ويشارك بفعالية في النشاط الديني والاجتماعي، متنقلًا بين سوريا، وعدد من الدول الإسلامية كداعية.
من المظاهرات السلمية إلى العمل العسكري
عندما اندلعت شرارة الثورة السورية عام 2011، كان الصالح من أوائل المنظمين للتظاهرات السلمية في مارع، حيث التف حوله شباب المدينة، وأطلقوا عليه لقب “حجي مارع”، كناية عن الحكمة والتواضع التي تميز بها. لكنه، كحال الكثير من السوريين، وجد نفسه مضطرًا للانتقال إلى العمل المسلح بعد أشهر من القمع الوحشي للنظام.
في منتصف عام 2012، أسس عبد القادر الصالح “لواء التوحيد”، الذي سرعان ما أصبح القوة العسكرية الأكثر تأثيرًا في الشمال السوري. استطاع الصالح، بشخصيته القيادية وحنكته العسكرية، تجنيد الآلاف تحت راية اللواء، حيث تجاوز عدد مقاتليه 11 ألفًا. قاد اللواء معارك مفصلية عديدة في تاريخ الثورة السورية، أبرزها معركة حلب الشهيرة التي بسطت المعارضة من خلالها سيطرتها على 70% من المدينة خلال أيام معدودة.
قيادة ثورية خالصة
ما ميّز عبد القادر الصالح عن غيره من قادة المعارضة المسلحة، هو رفضه لأنصاف الحلول، وإصراره على نقاء الثورة. لم ينظر إلى الثورة كحركة مناطقية أو طائفية، بل كقضية وطنية شاملة، لهذا السبب، كان من بين القلة الذين لبّوا نداء الاستغاثة من مدينة القصير في ريف حمص عام 2013، في محاولة لدعم المعارضة هناك ضد هجوم النظام المدعوم من ميليشيا “حزب الله”.
رغم انشغاله بالمعارك، لم يغفل الصالح عن البُعد السياسي والاجتماعي للثورة. دعا مراراً إلى توحيد الفصائل المسلحة تحت راية واحدة، ساعياً لجعل الثورة أكثر تنظيمًا وفعالية. كان يؤكد في خطاباته أن الدولة الإسلامية لا يمكن أن تُفرض بالقوة، بل يجب أن تكون اختيارًا شعبيًا نابعًا من إرادة السوريين جميعًا.
استهداف مستمر ومحاولات اغتيال
أدرك النظام السوري خطورة عبد القادر الصالح، ليس فقط كقائد عسكري بارع، بل كشخصية ملهمة قادرة على استقطاب الشباب ورفع معنوياتهم. لذلك، تعرّض لمحاولات اغتيال عدة، وأعلن النظام عن مكافأة مالية قدرها 200 ألف دولار لمن يأتي به حيًا أو ميتًا.
في نهاية المطاف، استهدفت طائرات النظام اجتماعًا لقادة لواء التوحيد داخل مدرسة المشاة شمال شرقي حلب في 14 نوفمبر 2013، مما أدى إلى إصابة الصالح بجروح خطيرة. وبعد أربعة أيام، أُعلن عن استشهاده في المستشفى الميداني، ليُدفن في مسقط رأسه بمدينة مارع، داخل قبرٍ حفره بيده، وأوصى أن يُدفن فيه.
الإرث والرمزية
برحيل عبد القادر الصالح، فقدت الثورة السورية أحد أبرز قادتها وأكثرهم إخلاصًا، لكن إرثه لا يزال حيًا في ذاكرة السوريين، الذين يرونه رمزًا للبساطة والثبات على المبادئ. لم يكن “حجي مارع” مجرد قائد عسكري، بل أيقونة تجسد الحلم السوري بالحرية، ومرآة تعكس الروح الثورية للشعب السوري.
اليوم، يظل اسم عبد القادر الصالح علامة فارقة في تاريخ الثورة، يلهم الأجيال القادمة بضرورة التمسك بالقيم والمبادئ، مهما كانت التضحيات. في زمن مليء بالتشظي والخذلان، يظل “حجي مارع” الحاضر الغائب الذي يذكّر السوريين بمعنى الثورة الحقيقي وأهدافها السامية.
_________________________________________
من مقالات العدد الثامن عشر من (العربي القديم) عدد الاحتفال بالنصر، الخاص بشهداء ثورة القرن – كانون الأول/ ديسمبر 2024