الغاز الأذري إلى سوريا: دعم مرحلي أم تمرير غير مباشر لإسرائيل؟
إنّ استيراد الغاز من أذربيجان لا يُعد خيانة ولا مؤامرة

عدي شيخ صالح * العربي القديم
مع سقوط نظام الأسد وتشكيل الحكومة الانتقالية الجديدة، بدأت سوريا تخطو بحذر نحو استعادة جزء من نشاطها الاقتصادي وتخفيف أزمتها الخانقة في مجال الطاقة. وفي هذا السياق، برزت اتفاقيات استيراد الغاز من أذربيجان كأحد أهم التحركات الطارئة التي أثارت أسئلة مشروعة، وأخرى أكثر إثارة للجدل.
فمن جهة، تتساءل الأوساط السورية: لماذا تستورد الحكومة الغاز من الخارج، بينما تمتلك البلاد احتياطات ضخمة من الغاز الطبيعي؟ ومن جهة أخرى، يذهب البعض إلى أبعد من ذلك، ليطرح فرضية أن الهدف الحقيقي غير المعلن من إدخال الغاز الأذري إلى سوريا هو إمداد إسرائيل به، عبر ترتيبات إقليمية ملتوية!
فما حقيقة هذه التساؤلات؟ وما طبيعة هذا الغاز؟ وأين تقع المصلحة السورية في كل ذلك؟
أولاً: لماذا تستورد سوريا الغاز رغم امتلاكها احتياطيات ضخمة؟
صحيح أن سوريا تمتلك احتياطات غازية كبيرة، سواء في السواحل الغربية (البلوكات البحرية المقابلة لبانياس) أو في المناطق الشرقية (كونيكو، الشاعر، الجبسة)، لكن الواقع على الأرض لا يسمح باستثمار هذه الثروات حاليًا. فمعظم الحقول الكبرى في شمال شرق البلاد لا تزال تحت سيطرة “قسد” بدعم أميركي، بينما البنية التحتية للغاز مدمّرة بفعل الحرب.
أما الحقول البحرية، فلم تدخل بعد حيز الاستثمار الفعلي، رغم توقيع اتفاقيات مع شركات روسية. فهي بحاجة إلى سنوات من الاستكشاف والتجهيز، وتكنولوجيا متقدمة غير متوفرة محليًا.
يُضاف إلى ذلك أن قانون “قيصر” الأميركي لا يزال نافذًا أو قيد الدراسة، ما يجمّد شهية الشركات الغربية للدخول في قطاع الطاقة السوري، ويقيّد حتى الشركات الإقليمية.
لذلك، وجدت الحكومة الانتقالية نفسها مضطرة إلى البحث عن حلول إسعافية فورية لتأمين الغاز، خصوصًا لتشغيل محطات الكهرباء، وتأمين الخبز والماء في المدن المحررة، فكان الاستيراد من أذربيجان أحد الخيارات الواقعية والمؤقتة.
ثانياً: هل الغاز الأذري إلى سوريا مجرد تمرير لإسرائيل؟
يتداول بعض الناشطين والمراقبين فرضية مفادها أن الغاز الذي يصل إلى سوريا من أذربيجان لا يُراد به خدمة السوريين، بل يُراد تمريره لإسرائيل عبر ترتيبات إقليمية، باعتبار أن أذربيجان شريك طاقة استراتيجي لتل أبيب. هذه الفرضية تنطلق من مناخ شائك من الريبة السياسية ورفض أي تطبيع غير مباشر مع العدو الإسرائيلي، وهو موقف مفهوم ووطني.
لكن من حيث المعطيات الواقعية، فإن هذه الفرضية تفتقر إلى أساس متين:
- إسرائيل ليست بحاجة ماسة إلى الغاز الأذري، فهي تملك احتياطات ضخمة في المتوسط (تمار، ليفياثان)، وتصدّر لمصر والأردن أصلًا.
- لا توجد بنية تحتية ولا ممر مباشر حاليًا لنقل الغاز من سوريا إلى إسرائيل، ولا مؤشرات على نية الحكومة السورية الجديدة الذهاب إلى هذا الخيار.
- الغاز الأذري يُستورد إلى سوريا عبر اتفاقات سياسية – فنية مدروسة، وبدعم تركي أو خليجي، كحل طارئ في ظل غياب البنية المحلية الجاهزة.
بل يمكن القول إنّ الشكوك حول “تمرير الغاز لإسرائيل” تعكس في جوهرها خشية مشروعة من أن تُستخدم مشاريع الطاقة مستقبلًا كأدوات تطبيع ناعم، أو بوابات لاختراقات سياسية تحت غطاء اقتصادي، وهو ما يجب الانتباه له سياسيًا وشعبيًا دون الوقوع في فخ المبالغات أو نظريات المؤامرة غير المسنودة.
ختاماً: بين الحاجة والسيادة
إنّ استيراد الغاز من أذربيجان لا يُعد خيانة ولا مؤامرة، بل خطوة اضطرارية لسد العجز في الطاقة بمرحلة دقيقة من التحوّل الوطني. لكنه يجب أن يكون خاضعًا لرقابة وطنية صارمة، وخطاب سياسي واضح يؤكد أن أي تعاون اقتصادي لا يعني بأي حال المساس بالثوابت الوطنية، ولا التورط في ترتيبات إقليمية تهدف لدمج سوريا في خرائط الغاز الموجهة لإسرائيل.
فالسيادة لا تُختزل بالشعارات، بل تُبنى على يقظة دائمة، وعلى تحويل الضرورات إلى فرص بناء لا إلى مسارات استتباع.
________________________
*كاتب و باحث سوري مستقل في الفكر السياسي والاجتماعي، يهتم بقضايا الهوية السورية، وتحولات الدولة، وإشكالات الانتقال السياسي بعد النزاعات.