حراك السويداء في عامه الأول: سجل التحديات والاتهامات والإنجازات!
أنس محمد – العربي القديم
أيام قليلة تفصلنا عن الذكرى السنوية الأول لـ “انتفاضة السويداء” وما زال الحراك كيومه الأول بل اشتد وانغرس في وجدان أهل السويداء أكثر، رغم الصعوبات والتحديات التي واجهها؛ وقد تجلت تلك الصعوبات بعوامل داخلية وخارجية وانقسمت الداخلية منها إلى شقين.
الأول وهو الرئيسي: كيف تعامل النظام مع الحراك؟
بدايةً بدأ النظام بالتجييش الإعلامي ضد الحراك وأهل السويداء وكانت التهمة القديمة الجديدة هي الانفصال وقد لعب النظام عليها بكل الطرق الممكنة ثم حاول شق صف الحراك واختراقه وإطلاق يد أبواقه الذين وصفوا المتظاهرين بشتى الأوصاف السلبية فاتهموهم أنهم جياع ثم اتهموهم بالارتهان للخارج وتنفيذ أجندة خارجية وكذلك الاعتداء وتخريب الممتلكات العامة (المقصود هنا بدقة تمزيق المتظاهرين صور وتماثيل وأصنام العائلة الحاكمة).
وبعد فشله في كل ما ذكر حاول إحداث شرخ اجتماعي بين أهل السويداء ثم كشف عن وجهه الدموي والمعتاد عندما لوح بالتدخل العسكري الذي بدا واضحاً في الأشهر الأخيرة من خلال إرسال الأرتال العسكرية المتتالية إلى المدينة.
أما الشق الآخر فهو جمهور الثورة والمعارضة السورية:
واجه الحراك بدايةً تشكيك جمهور الثورة بقدرته على الاستمرار ثم التشكيك بقدرته على تحقيق أهدافه. بعد صموده عدة أشهر وجِهت للحراك انتقادات واسعة بسبب غياب علم الثورة السورية وظهور علم “الطائفة الدرزية” على نطاق واسع، ووصل بالبعض إلى إطلاق التهم الطائفية جذافاً. ولأن الحراك يحاول منذ البداية التعبير عن مشروع وطني فقد تم تلافي تلك الهفوة، وبدأت تظهر أعلام الثورة في مظاهرات واعتصامات “ساحة الكرامة” وغيرها.
أما العوامل الخارجية فكانت أشد وأخطر… فلم يمضِ على الحراك شهرين حتى بدأت الحرب الإسرائيلية على غزة على خلفية أحداث 7 أكتوبر وتوغل حماس للمرة الأولى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. وليس خافياً على أحد أن الحرب حولت الرأي العام العربي والدولي بشكل كامل عن أي حدث سياسي أو شعبي في المنطقة، ما وضِعَ الحراك على مفترق طرق لا يحسد عليه.
كما ساهم أيضاً التقارب العربي مع النظام في التشويش نفسياً على الحراك وما خلفه ذلك التقارب من خطوات متتابعة أفسحت المجال لمعارضي الحراك للتقليل من أهميته. ومهد التقارب العربي مع النظام للتقارب التركي (المهرول) إلى النظام والحديث بشكل علني بين أوساط المعارضة السورية عن تصفية الثورة بشكل نهائي.
هذه أبرز العوامل الداخلية و الخارجية التي تتعابعت على حراك السويداء والحق أن إحداها فقط كان كفيل بإنهاء الانتفاضة وإخمادها لكن صمود أهل السويداء كان مُلهِم وأسطوري وقد تجلى في عدة عوامل:
1.دعم “مشايخ العقل” (المؤسسة الدينية للدروز): متمثل بأعلى المستويات الشيخ “حكمت الهجري” والشيخ “الحناوي” للحراك والدفاع عنه ما وفر منصة موثوقة قادرة على مخاطبة المتظاهرين والتواصل باسم الحراك مع الأطراف والجهات الدولية.
2.دعم مغتربي السويداء: والكثير من السوريين للحراك والقيام بعدة زيارات واتصالات هامة على المستوى الدولي لدعم الحراك ما ساعد في بناء ثقة متبادلة بين أهل السويداء في الداخل والخارج وبين السوريين عامةً.
3.اطلاق عدة مبادرات سياسية واجتاعية لدعم الحراك: بالرغم من فشل معظمها لكنها حفزت عقل الثائر وزادت ثقة الشارع بمشروعية مطالبه ونذكر منها مبادرة المناطق الأربعة (درعا، السويداء، ادلب، حلب)؛ ومبادرة قسد وتولى الترويج لها “سمير متيني” ومبادرة ابن السويداء “ماهر شرف الدين”؛ ومبادرة “كمال اللبواني” الذي انقلب على الحراك وهاجمه بشراسة بعد فشل مبادرته.
4.توازن القوى الذي صنعه “لواء الجبل” (الجناح العسكري غير الرسمي للحراك) مع النظام وما قدمه من تحرير العديد من معتقلي السويداء من سجون الأجهزة الأمنية الدموة وهذا ما شهدناه في أكثر من مناسبة.
5.الحالة الوطنية المتصاعدة بين أبناء الحراك وأبناء السويداء في الداخل والخارج: والنضوج السياسي لدى جيل الشباب الداعم للحراك.
وفي الأسابيع القليلة الماضية قفز الحراك شوطاً كبيرا على المستوى السياسي بإجراء مشاورات واجتماعات لقياداته تكللت بانتخاب هيئة سياسية في السويداء في 26 تموز الماضي؛ كذلك قفز النظام بطريقة تعاطيه مع الحراك إلى مستوى أكثر دموية باغتيال قائد فصيل “لواء الجبل” (مرهج الجرماني) في منزله في مشهد يعيد للأذهان حادثة اغتيال زعيم حركة “رجال الكرامة” (وحيد البلعوس)؛ وكذلك إطلاق النار بشكل مباشر على المتظاهرين في “ساحة الكرامة” وسط السويداء.
يطوي حراك السويداء عامه الأول وقد كشف عورة النظام العاجز عن التعامل مع هذا المد الثوري بطرق غير عسكرية، ولعل تلويحه بها ما هو إلا دليل ضعف عن إيجاد حلول، لربما من شأنها أن تمهد الطريق لمناطق أخرى للثورة عليه مجدداً؛ لذا يراهن النظام كعادته على الوقت وخلط الأوراق مستفيداً من التقارب العربي والتركي، بينما يراهن الحراك على مشروعيته ورصيده الوطني المشرف ضد الاستبداد.