فنون وآداب

نصوص أدبية || حزنٌ يفترش الطريق

بقلم: فؤاد عزام

هل رأيتم قنديلا يسير لوحده؟

أنا رأيته في الدويلعة بدمشق، فقد كان متكئا بداية على جرن الكبة، من بين عفش بيت بعضه مكسر، يغطيه الغبار، كأنه حزن يفترش الطريق، ومنه صندوق خشبي، يحضن جهاز عرس الأم، يمسك به غطاؤه، بينما ظلال زخارفه النافرة يرسمها ضوء القنديل على وجه العسكري، الجالس خلفه، ويلقي بساقه المسكورة على حافته، وتُظهر دغل لحيته، وتضاريس وجهه، وكأنها تسأله: ماذا فعلت؟

جمد ضوء القنديل عيني، ومازلت أحدق به، وقد اشتد دلفُ المساء حزينا ضريرا، إلا من بهجة أطفال ترقص من خلال شعاعه، الملقي على العفش، وهم يلعبون تحت شجرة التين في صحن الديار، والأم تلملم في مطلع الخريف كل الغلال وحنطتهم، وتهددهم بأبيهم، حين ينتهي من جمع “القمر الدين”:  بات الطير .. حاج تنطوطوا انتبهوا للدست.

بدا القنديل يحول بيني وبين الصندوق الخشبي، وأنا أتفحص الأواني، فبينما بدا يحلق، جلست القرفصاء، وأدركت أن ضوءه هو من غير لون ذاك الفستان الأبيض..جال في خاطري أن العريس تأخر، ولكن صوت كارتطام مطرقة جرن الكبة الخشبية أسمعني صوتا آخر: الله لا يردها ولا يردو إرهابيين، وكان صوت العسكري وهو يضع القنديل أمام وجهي وأضاف ..خده بميئة ليرة وخلصني، وعلا صوته: بدك هاللي بالصندوق خدهم كلهم بخمسمية..

توقفت سيارة السوزوكي المليئة بالعفش وأنزل منها عسكري آخر إمرأة وابنتها وبدتا وكأنهما خارجتان من القبر، وقهقه مخاطبا زميله الآخر:

– هدول جبناهم من الغوطة تعفيش كمان بيعهم إذا بدك!

سقط القنديل من يدي وتدحرج ثم مشى بين العفش يشعله.

زر الذهاب إلى الأعلى