إيران “هزمت بشكل واضح” في سوريا… يعترف جنرال إيراني
تصريحات الجنرال بهروز أصباطي تثير دهشة الإيرانيين، نظراً لمحتواها الصريح، وبسبب مكانته أيضاً
فرناز فصيحي – ترجمة: د. حسام عتال
خَالفَ الضابط الأعلى رتبة في سوريا، الخط الرسمي الذي تبناه قادة إيران بشأن السقوط المفاجئ لحليفهم بشار الأسد في خطاب صريح الأسبوع الماضي، قال فيه إن إيران قد تعرضت لهزيمة كبيرة، لكنها ستستمر في محاولة العمل في سوريا.
في تسجيل صوتي للخطاب، الذي ألقاه الجنرال بهروز أصباطي الأسبوع الماضي في مسجد بطهران، والذي أعلن عنه يوم الإثنين في وسائل الإعلام الإيرانية، كان على تناقض ملحوظ مع تصريحات الرئيس الإيراني ووزير الخارجية وبعض القادة آخرين. فقد خفف هؤلاء، وعلى مدى أسابيع، من حجم الخسارة الاستراتيجية لإيران في سوريا الشهر الماضي، عندما أطاح المتمردون بالأسد خارج السلطة، وقالوا إن إيران ستحترم أي نتيجة سياسية يقررها الشعب السوري.
وقال الجنرال أصباطي وفقاً للتسجيل الصوتي يوم الاثنين، والذي نشره موقع “عبدي ميديا”، وهو موقع إخباري مقره جنيف يركز على أخبار إيران: “لا أعتبر خسارة سوريا شيئاً نفخر به. لقد هُزمنا، وهزمنا بشدة، لقد تلقينا ضربة كبيرة جداً وكان الأمر صعباً علينا للغاية.”
وكشف الجنرال أصباطي أن علاقات إيران مع الأسد كانت قد توترت لعدة أشهر قبل الإطاحة به، مشيراً إلى أن الرئيس السوري كان قد رفض طلباتٍ عدة من الميليشيات المدعومة من إيران (في أعقاب هجوم 7 أكتوبر 2023 بقيادة حماس) لفتح جبهة ضد إسرائيل من سوريا.
وقال إن إيران قدمت للأسد خططًا عسكرية شاملة، باستخدام الموارد العسكرية الإيرانية في سوريا، لمهاجمة إسرائيل. كما اتهم الجنرال روسيا، التي تعتبر حليفاً رئيسياً لسوريا، بتضليل إيران من خلال إبلاغها بأن الطائرات الروسية كانت تقصف المتمردين السوريين، بينما كانت في الواقع تقصف أراض غير مأهولة. وأضاف أنه خلال العام الماضي، بينما كانت إسرائيل تضرب أهدافًا إيرانية في سوريا، قامت روسيا “بإغلاق راداراتها”، مما جعل هذه الهجمات محققة.
لقد دعمت إيران الأسد، لأكثر من عقد، بإرسال قادة وجنوداً لمساعدته في القتال ضد المتمردين المعارضين، وجماعة تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابية. وكانت سوريا تحت حكم الأسد مركز القيادة الإقليمي لإيران، حيث زودت من خلاله بالأسلحة وبالأموال شبكتها من الميليشيات الإقليمية، بما في ذلك حزب الله في لبنان، والمسلحين الفلسطينيين في الضفة الغربية. كما سيطرت إيران على المطارات والمستودعات وشغّلت قواعد تصنيع الصواريخ والطائرات المسيرة في سوريا.
قال الجنرال أصباطي في خطابه إن التحالف ضد الأسد قد استولى الآن على معظم أنحاء سوريا وهو يحاول تشكيل حكومة. وأضاف أن إيران ستبحث عن طرق لاستقطاب وتجنيد متمردين على النظام الجديد، بغض النظر عن التركيبة الذي ستتخذها سوريا الجديدة.
وقال: “يمكننا تفعيل جميع الشبكات التي عملنا معها على مدى السنوات الماضية. ويمكننا تفعيل الطبقات الاجتماعية التي عاش رجالنا بين أفرادها لسنوات، ويمكننا أن نكون نشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، ويمكننا تشكيل خلايا مقاومة.” وأضاف: “يمكننا العمل هناك كما نفعل في ساحات دولية أخرى، وقد بدأنا بالفعل.”
وقد أثارت تصريحات الجنرال بهروز أصباطي دهشة الإيرانيين، نظراً لمحتواها الصريح، وبسبب مكانته أيضاً، فهو يُعد قائدًا بارزًا في القوات المسلحة الإيرانية، التي تشمل الجيش والحرس الثوري، وله سجل حافل بأدوار هامة، بما في ذلك قائد سلاح “العالم الاكتروني” للأركان العامة في أ لقوات المسلحة الإيرانية.
وكان قد أشرف في سوريا على العمليات العسكرية الإيرانية، وتعاون بشكل وثيق مع الوزراء والمسؤولين الدفاعيين السوريين والجنرالات الروس، متفوقًا حتى على قائد فيلق القدس، الجنرال إسماعيل قائاني، الذي يشرف على شبكة الميليشيات الإقليمية المدعومة من إيران.
أشار المحلل البارز في طهران والخبير في الشؤون السورية، مهدي رحمتي، في مقابلة هاتفية، إلى أن خطاب الجنرال أصباطي كان مهمًا لأنه أظهر أن بعض المسؤولين الكبار بدأوا يبتعدون عن الدعاية الحكومية، ويتحدثون بصراحة مع الشعب.
وقال رحمتي: “الجميع يتحدثون عن الخطاب في الاجتماعات ويتساءلون لماذا قال ذلك، خاصة انه فعل ذلك في مكان عام. لقد أوضح بجلاء ما حدث لإيران وموقعها الحالي. بطريقة ما يمكن اعتبار ذلك إنذاراً لما سيحدث في الساحة الداخلية.”
لقد أوضح الجنرال أصباطي أن سقوط نظام الأسد كان حتميًا نظرًا للفساد المستشري، والقمع السياسي، والصعوبات الاقتصادية التي واجهها الشعب السوري، من نقص الكهرباء والوقود، إلى تدني مستويات الدخل. وأضاف أن الأسد تجاهل التحذيرات بضرورة الإصلاح. وأشار المحلل رحمتي إلى أن المقارنة مع الوضع الحالي في إيران كانت واضحة ولا يمكن تجاهلها.
تجدر الإشارة إلى أن هذه التصريحات أثارت جدلاً واسعًا في الأوساط الإيرانية، حيث اعتبرها البعض مؤشرًا على التوتر المتزايد بين إيران وروسيا في سياق الأحداث المتسارعة في المنطقة. كما أنها تسلط الضوء على التحديات الداخلية التي تواجهها إيران، خاصة فيما يتعلق بالفساد والضغوط الاقتصادية، مما يجعل المقارنة مع الوضع السوري ملحاً. في هذا السياق، قد تكون تصريحات الجنرال أصباطي بمثابة دعوة للمراجعة والتفكير في السياسات الداخلية والخارجية لإيران، بهدف تجنب مصير مشابه لما حدث في سوريا.
من المهم أن نلاحظ أن هذه التصريحات لم تصدر بشكل رسمي، وإنما تم تسريبها عبر وسائل الإعلام، مما يثير تساؤلات حول الدوافع وراء هذا التسريب والتأثير المحتمل لها على الساحة السياسية الإيرانية. وفي النهاية، تعكس هذه التطورات تعقيدات المشهد السياسي في المنطقة، والتحديات التي تواجهها الدول في التعامل مع التحولات السريعة والتغيرات في موازين القوى. ويبقى أن نرى كيف ستؤثر هذه التصريحات على العلاقات بين إيران وروسيا، وكذلك على السياسة الداخلية الإيرانية في المستقبل القريب.
على الرغم من تأكيدات الجنرال إصباطي بشأن تفعيل الشبكات الإيرانية، لا يزال من غير الواضح ما الذي تستطيع إيران عمله فعليًا في سوريا، نظرًا للمعارضة العامة التي تواجهها في البلاد، والتحديات المتعلقة بالوصول البري والجوي. وقد حذرت إسرائيل من أنها ستدمر أي جهود إيرانية تكتشفها على الأرض في سوريا.
وبينما تتمتع إيران بخبرة في العمل في العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003، بما في ذلك خلق الاضطرابات، فإن الجغرافيا والمشهد السياسي في سوريا يختلفان الآن كثيرًا، مما يطرح المزيد من التحديات على تحقيق نفس النتيجة.
وفي مكالمة هاتفية، قال عضو إيراني بارز في الحرس الثوري، و كان قد الذي قضى سنوات في العراق كاستراتيجي عسكري بجانب كبار القادة، إن تعليقات الجنرال أصباطي، بشأن تجنيد إيران لمعارضين مسلحين، قد تكون طموحة لكنها ليست عملية في هذه المرحلة. وأضاف أنه رغم أن الجنرال إصباطي قد اعترف بهزيمة كبيرة، إلا أنه سعى أيضًا لتعزيز المعنويات وتهدئة المحافظين الذين يطالبون بأن تتصرف إيران بقوة أكبر. وقال المسؤول في الحرس الثوري، والذي طلب عدم الكشف عن اسمه لأنه كان يناقش قضايا حساسة، أن سياسة إيران لم تُحدد بعد (تجاه سوريا)، لكن هناك توافقًا قد ظهر في الاجتماعات التي حضرها حيث تم مناقشة الاستراتيجية لأن إيران ستستفيد إذا انزلقت سوريا إلى الفوضى، فهي تعرف كيف تزدهر وتحمي مصالحها في بيئات مضطربة. في إيران، يتمتع الحرس الثوري بسلطة تحديد السياسة الإقليمية، ويتجاوز بذلك وزارة الخارجية.
وقد أكد المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، الذي له الكلمة الأخيرة في القضايا الرئيسية للدولة، في عدة خطابات ألقاها منذ سقوط بشار الأسد، أن المقاومة لم تنتهِ في سوريا، مشيرًا إلى أن شباب سوريا سيستعيدون بلادهم من الثوار الحاكمين، الذين وصفهم بأنهم عملاء لإسرائيل والولايات المتحدة.
من ناحية أخرى، كانت تصريحات الرئيس مسعود بزشكيان ووزير الخارجية عباس عراقجي أقل حدة، حيث أعربا عن تفضيلهما للاستقرار في سوريا والعلاقات الدبلوماسية مع الحكومة الجديدة.
أثار القلق الناتج عن هذه الآراء المتغايرة حول سوريا انتباه المسؤولين الإيرانيين بدرجة كافية فبدأوا بحملة للسيطرة على العواقب لدى الشعب الأسبوع الماضي، فألقى كبار القادة العسكريين والمحللين المقربين من الحكومة خطبًا وعقدوا جلسات أسئلة وأجوبة مع الجمهور في المساجد والمراكز المجتمعية في عدة مدن.
من ضمنها ألقى الجنرال أصباطي خطابًا في 31 ديسمبر في مسجد ڤاليسار بوسط طهران، حيث تحدث إلى صفوف العسكريين ورواد المسجد بندوة عن الحدث بعنوان “الإجابة على الأسئلة حول انهيار سوريا”. بدأت الجلسة بإخبار الجنرال أصباطي الحضور بأنه غادر سوريا على متن آخر طائرة عسكرية إلى طهران في الليلة التي سبقت سقوط دمشق في أيدي المتمردين. وانتهت الجلسة بإجابته على أسئلة من الحضور، وقدم تقييمًا جادًا لقدرة إيران العسكرية في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة.
عند سؤاله عما إذا كانت إيران ستنتقم لمقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله، أجاب بأن إيران قد فعلت ذلك بالفعل، في إشارة إلى قصف إسرائيل بالصواريخ في الخريف الماضي. وعند سؤاله عما إذا كانت إيران تخطط لشن جولة ثالثة من الضربات المباشرة على إسرائيل، قال إن “الوضع” لا يمكنه حاليًا تحمل هجوم آخر على إسرائيل.
وعند سؤاله عن سبب عدم إطلاق إيران صواريخ على القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة، قال إن ذلك سيستدعي هجمات انتقامية أكبر على إيران وحلفائها من قبل الولايات المتحدة، مضيفًا أن الصواريخ الإيرانية العادية – وليست المتقدمة منها – لا يمكنها اختراق أنظمة الدفاع الأمريكية المتقدمة.
على الرغم من هذه التقييمات، أكد الجنرال إصباطي أنه يريد طمأنة الجميع وعدم الشعور بالقلق: إيران وحلفاؤها، على حد قوله، لا يزالون يتمتعون باليد العليا على الأرض في المنطقة.
تجدر الإشارة إلى أن هذه التصريحات تأتي في وقت حساس بالنسبة لإيران، حيث تواجه تحديات إقليمية ودولية متزايدة، مما يجعل من الضروري تقييم استراتيجياتها بعناية لضمان حماية مصالحها الوطنية.
_______________________________________
المصدر: صحيفة (نيو يورك تايمز) الأمريكية: ٩ كانون الثاني ٢٠٢٥