العربي الآن

هوية إسلامية تفرض واجباً وترفض التجييش الطائفي

العلوي بعقلية الغالبية من السنة مسلم بسيط، يعيش بصدقه رغم تعقيدات الحياة من حوله

مصطفى عبد الوهاب العيسى – العربي القديم

قبل أن تتفرق المدارس الفكرية والطرائق المسلكية للإسلام عن بعضها بهذا المشهد المُفزع الذي نراه اليوم يطبع ويصبغ بيوت الله بألوان وأسماء مختلفة كمسجد الصوفية، أو مسجد الأشاعرة، أو مسجد السلفية.. الخ، بدأت تتشكل هويتي الإسلامية من سنوات الطفولة في الحي والمرحلة الابتدائية حين كان حفظ ودراسة القرآن الكريم سعياً وواجباً مفروضاً على جميع المسلمين قبل معرفتهم لمشاربهم، ولأن المساجد كانت تعج بمختلف المذاهب الفقهية أذكر جيداً رفضي منذ نعومة أظفاري الكثير من توجيهات من يكبرني عمراً في تفاصيل الجلوس أو التشهد أو الوضوء أو.. الخ، والتي كان هدفها جذب المراهق المسلم لمذاهبهم الفقهية، وكان دليلي الذي تمسكت به هو رحمة الاختلاف، وهذا ما جعل حينها بعض ما يخص العبادات والعادات الإسلامية عندي خليطاً من تعاليم الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة.

قبل أعوام من الآن، وبعد أن تبلورت هويتي الإسلامية التي يستمر التجديد فيها ببعض التفاصيل الثانوية بين الحين والآخر، توقفت عن الغوص في الجدالات والنقاشات الدينية بشكل كامل تقريباً.

لستُ سُنيَّاً ولستُ شيعيَّاً، وعندما أقررت بذلك بعد أحاديث طويلة تارة أمام شيخ سني، وتارة أمام معمم شيعي – لا أملك ما لديهما من علم وفقه بالدين – كانت الابتسامة فقط هي الإجابة المشتركة التي حصلت عليها منهما، وكان تفسيري لهذه الابتسامة هو الخجل أو الأجندة أو الضرورة التي لم تسمح لهما بمباركة قولي علناً وصراحة.

نشأتُ في بيئة سنية لها الأثر والفضل الكبير علي، ودينٌ برقبتي أحاول سدَّ جزء منه في هذا المقال.

ما عرفته عن علم وخبرة بحقيقة السنة، هو الذي استفزني بشدة لرفض واستنكار محاولات البعض عن طريق التجييش الطائفي إلى ربط المجازر التي حصلت بحق العلويين في الساحل السوري بصورة السنة ومنهجهم.

العلوي بعقلية الغالبية من السنة مسلم بسيط، يعيش بصدقه رغم تعقيدات الحياة من حوله، ومحب بجوهره ومخلص في علاقاته، وقد أخذ مثل جميع من سكنوا الجبال صفات عديدة تميزه عن غيره ولا يمكن حصرها، ويجمع في شخصيته الكثير من مكارم الأخلاق، ومعاناة معظم أفراد ملته كانت شبيهة بمعاناة باقي السوريين من فقر وحرمان وقمع وتسلط، وكانت الضريبة مضاعفة عليه والعقوبة أشد في السنوات الأخيرة للنظام السابق عندما كان يرفض المشاركة بجرائمه، وينحاز لإخوته السوريين أو حتى إذا وقف في موقف الحياد.

لم يسلم الطفل الصغير أو الطاعن في السن من العنف والتنكيل في الساحل خلال الأيام الماضية، ولم تسلم حتى عائلة سنية أو طالبة كردية مثلا من فوضى القتل والرصاص، ولكن الجميع يعلم بأن الفاتورة الباهظة كانت من نصيب أبناء وبنات العلويين بالدرجة الأولى.

نشعر بالقوة اليوم عندما علت أصواتنا رافضة هذه المجازر، ونرحب طبعاً بارتفاع سقف حرية التعبير قليلاً لينضم لنا ويستنكر معنا اليوم بشجاعة الكثير ممن سكتوا عن وحشية مماثلة قبل أعوام بسبب الذعر والخوف من بطش النظام السابق.

كنا نتألم ونغضب من سماع أحدهم يبرر مجازر الأنفال وحلبجة مثلاً، أو يدعو للحرب الأهلية هنا، أو يشجع على الصراعات الطائفية هناك ، ولكن الألم والغضب اليوم أكبر بكثير في زمن وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت المنبر متاحاً لكل المحرضين على القتل،  والمتعطشين من مرضى العنصرية المقيتة لرؤية الجرائم المروّعة

كم كان سهلاً علينا في عام 2011 نبذ صاحب خطاب عنصري يرغب بقتل الكُرد، أو طرد مُندسٍ من مظاهراتنا السلمية يدعو شعاره الطائفي لذبح العلويين، ولكن ما عسانا نفعل اليوم لنُسكت الآلاف من هذه الأصوات الشاذة.

أيام ثقيلة وصعبة تعيشها عند رؤية جاهل ظننته متعلماً لا يفقه سوى ثقافة الشتائم والتهديد للمختلف معه، أو يطالب بدفن الكُرد أحياء، أو يدعو بسفالة لحرق العلويين وغيرهم بمختلف أنواع المشتقات النفطية.

كلمة خير بحق المدنيين والأبرياء الذين قُتِلوا بدم بارد يراها الوضيع والسفيه نفاقاً للعلويين، وأراها دفاعاً عنهم وعن السنة وعن جميع الطوائف الإسلامية، والفتنة ذاتها – إن لم نحتويها ونضبطها ويُحاسب دعاتها – ستتسبب بكارثة مشابهة لأهل السنة غداً ممن سيبرر ذلك ويراه حقاً وثأراً وانتقاماً، لأن التاريخ أثبت لنا بأنه لا يمكن التنبؤ بتصرفات المجرمين والأغبياء من جميع الطوائف.

تفاؤل مشروع من تشكيل دمشق للجنة تحقيق في هذه الجرائم ومحاسبة المتورطين، ونتأمل خيراً من تحقيق العدالة بشكل يخفف من مصاب ذوي الضحايا، ويضمد قليلاً بعض جراحاتهم، وكم أتمنى – رغم صعوبة ذلك – قدر الإمكان أن تكون هناك ملاحقة قضائية وقانونية لجميع من كان ولا زال يدعو إلى الفتنة والأعمال التي تتنافى مع كل القيم الإنسانية والأخلاقية، ويرقص فرحاً على آلام وجراحات السوريين.

أن يتبع السني أو العلوي أو الشيعي فتاوى شيخه أو مرجعيته، ويسير وفق ما يُفرض عليه دينياً من فروض عين أو كفاية شأن خاص به، وشأني هو هويتي الإسلامية التي تفرض علي واجباً لا مناص من تأديته.

من الإسلام الذي عرفته هو أول ما نزل به الوحي على الرسول الكريم: اِقرأ، وكان هذا سبباً كافياً لأقرأ قدر المستطاع وأنا أتعرف على عقائد السنة والشيعة وو.. الخ، وعليه أرفض دوماً كما أجمع علماء وأساتذة المصادر في هذه العقائد بشكل عام – باستثناء بعض الفرق – على حرمة مثل هذه المجازر والانتهاكات والخطابات، وأرفض أيضاً الصورة النمطية السيئة للعلوي أو السني أو الشيعي التي يأخذها البعض ويتبناها بسبب أفعال شنيعة من أفراد أو ميلشيات لا تمثل أيديولوجياتهم طوائف الإسلام والمسلمين.

رسالة هويتي الإسلامية تقول بأن الحزن في قلوبنا أضعف الإيمان، وواجب العزاء الذي نتقدم به مع أقصى درجات التعاطف هو أقل ما يمكننا تقديمه لذوي الضحايا الذين قضوا حتفهم على يد الإجرام البارحة واليوم وغداً ، وفي كل وقت، وأياً كان مشرب هؤلاء الأبرياء.

رسالة هويتي الإسلامية واضحة في رؤية زهد وعدالة الفاروق عُمر مدرسة تخرج منها كبار المسلمين، والحُسين ثورة علمتنا أسمى المعاني النبيلة، وعلم وتقوى الإمام علي نهج نتمنى السير  والثبات عليه.

رسالة هويتي الإسلامية تفرض علي واجباً كمؤمن باليوم الآخر والحساب ، أن أبرأ إلى الله من مرتكبي هذه الفظائع، ومن عقيدة من يراها نصراً ويدعو لها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى