فنون وآداب

عاش بشرف ومات بصمت: رحيل إياد حجازي يفجع الوسط الإعلامي والثقافي السوري

كان إنجاز إياد الأهم في كل ما عمل وأبدع، قدرته على الفهم وإيجاد الحلول، وتحويل كل تجربة يخوضها إلى مدرسة يتعلم منها كل من عمل معه

العربي القديم – محمد منصور:

فجع الوسط الإعلامي والثقافي السوري برحيل الإعلامي والمخرج البارز إياد حجازي، صباح اليوم الأحد في مدينة إسطنبول التركية، في الوقت الذي كان يرتب أوراقه للعودة إلى سوريا.

وكان إياد، وهو النجل الأكبر للأديب السوري الراحل عبد النبي حجازي، والمولود في جيرود بمنطقة القلمون، في السادس والعشرين من آذار/ مارس عام 1963 يعاني منذ سنوات من مضاعفات مرض السرطان.

سافر إياد حجازي في ثمانينات القرن العشرين في بعثة إلى روسيا لدراسة الإخراج السينمائي، ولدى عودته عين مخرجا في التلفزيون السوري في تسعينيات القرن العشرين، حيث أخرج لسنوات برنامج (مجلة التلفزيون) في القناة الثانية، وأنجز مجموعة من الأفلام الوثائقية والبرامج الخاصة.

من السهل القول إن إياد عمل مخرجا في التلفزيون في ظل وجود والده الأديب عبد النبي حجازي مديرا عاماً للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون… لكن من الصعب إثبات أي شبهة فساد ومحاباة على هذا الرجل الذي أذكر أنني اخترت التعامل معه كمخرج حين أعددت عام 1996 برنامجا نقديا للقناة الثانية في التلفزيون السوري عن دراما الجلاء بعنوان (ثمن الحرية) قدمه الممثل فارس حلو… لقد كاد البرنامج وجهدي وجهد إياد يرمى في سلة المهملات، لأن هناك من اتهمني ظلما أنني سرقت الفكرة منه، فأصدر الأستاذ عبد النبي قرارا بإيقاف البرنامج قبل أن يبث في الذكرى الخمسين لجلاء الفرنسيين عن سوريا، لمجرد أن مخرجه هو ابنه إياد… وأذكر أن الصديق المخرج بسام الملا تدخل لرد الاتهام عنا، مخاطبا الأستاذ عبد النبي بالقول: “يعني إذا ابنك مخرج البرنامج بتظلمه يا أستاذ… شكل لجنة وحقق بالموضوع بس مو هيك تظلم الشباب منشان ما يقولوا ابن المدير العام هو المخرج”!!!

 لكن إياد سرعان ما غادر التلفزيون السوري وأسس مع شقيقه مناع حجازي مركز الزهرة للدوبلاج في دمشق الذي كان النواة الذي قامت عليه قناة (سبيس تون)  للأطفال، وهناك أشرف على دوبلاج عشرات الأعمال ومئات الساعات التلفزيونية لصالح قناة سبيس تون… وشكل مدرسة متميزة في دوبلاج مسلسلات وافلام الكارتون، كما عمل خلال الدوبلاج على مراقبة القيم التربوية الغريبة عن قيم المجتمع العربي التي كانت تروج لها مسلسلات الكارتون اليابانية والكورية والأمريكية وقام بلفترة الكثير منها، عبر تعديل كامل أحيانا للخطوط الدرامية.

عمل إياد حجازي مع كبار فناني سوريا في مطبخ الدوبلاج… ويمكن اعتبار عمليات الدوبلاج التي أشرف عليها في الجزء الأول من الفيلم الأمريكي الشهير (ستيورات ليتل) نموذجا يحتذى ويستحق أن يدرس في الأكاديميات الفنية في النجاح الفني حيث تحولت عمليات الدوبلاج إلى أعادة إنتاج مبدعة لشخصيات الفيلم وأجوائه وروحه، بلمسة فنية أخاذة لا أثر فيه للصنعة أو الافتعال.

كان إنجاز إياد الأهم في كل ما عمل وأبدع، قدرته على الفهم وإيجاد الحلول، وتحويل كل تجربة يخوضها إلى مدرسة يتعلم منها كل من عمل معه فيها. فقد كانت لديه القدرة النظرية على شرح ورؤية نقاط القوة والضعف لدى كل فرد من الفريق، بصفاء وتواضع وحب، لم أره لدى كبار مخرجي الدراما في سوريا على هذا النحو. وهذا رأي أعبر عنه بعد سنوات من مواكبتي عمليات التصوير ومطابخ العمل الفني لدى مخرجين كبار أعتز بما أنتجوه، ولا أرمي للانتقاص من إنتاجهم، إنما كانت لدى إياد قدرة مختلفة على رؤية أجمل وأقوى لدى من يعمل تحت إمرته، ومساعدته على تجاوز نقاط ضعفه أيضا.

 التحق إياد حجازي بالثورة السورية منذ اندلاعها شأنه شأن أسرة حجازي النبيلة، التي اعتقل بعض أفرادها، وأبرزهم شقيقته الصغرى سلافة، مما ترك أثرا لدى عميد الأسرة الأديب عبد النبي حجازي، الذي رحل عام 2015 متوجا مسيرته الأدبية المتمردة بالانتماء الحقيقي والصادق لثورة الشعب السوري. كان إياد مهيئاً وجدانياً وإنسانيا لأن يكون وجها من وجوه الثورة بلا أي عناء أو محاولة إقناع… كيف لا وهو يملك هذا المخزون الدافق من النبل والإنسانية والثقافة والصفاء الذهني والروحي… وحين انتقل إلى تركيا عمل إياد في إدارة قناتي (الجسر) و(دار الإيمان)، كما عمل مخرجا في قناة تي آر تي التركية، ثم مستشارا لرئيس الائتلاف لشؤون الإعلام. وخلال عمله في إدارة المشاريع أو القنوات الإعلامية عرف إياد بنزاهته وموضوعيته ومهنيته العالية وتخرج على يديه عشرات من إعلاميي الثورة الذي كان ينقل لهم معارفه وخبراته بسلاسة واقتدار، ناهيك عن التعامل الأبوي الرفيع المستوى خلقاً وإنسانية الذي يقر الكثيرون أنه كان نادر الوجود في الوسط الإعلامي في بلدان اللجوء.

عدنان عبد الرزاق: المنصف والمعلم

العديد من الإعلاميين السوريين نعوا إياد حجازي اليوم بحرارة، فكتب الصحفي المخضرم عدنان عبد الرزاق على صفحته على فيسبوك يقول بمرارة:

حزين جدا اليوم، لموت الإعلامي المحترم والرجل السوري الأصيل، إياد حجازي.. كلما غيّب الموت وطنيا واعيا ونبيلا، يزداد يتمي وتتسع مساحة خساراتي. الرحمة لروح المنصف والمعلم أبو عبدو، وعزائي لأسرته ولمثقفي سوريا ورجالاتها.

هزار الحرك: معلما وصديقا نبيلا

وكتب الإعلامية هزار الحرك تروي جانبا من تجربتها معه: “في ناس بتشعر قديش الحياة كريمة لما بتجمعك فيهم، والأستاذ إياد حجازي واحد منهم. خبر رحيلك المفاجئ والمبكر، أحيا ذكريات ومشاعر كثيرة، حول أسرة كبيرة اسمها سبيستون ومركز الزهرة، ومن هناك كانت انطلاقتي نحو كل شيء.

شكرا يا (أبو عبدو) على كل لحظة دعمتني فيها في خطواتي الأولى. لقد كنت معلما وصديقا نبيلا. كنت بطمع الحياة تكون أكرم، ونرجع نعبي البوفيه حكي وضحك.

خالص التعازي للعائلة الجميلة، رزام وسلاف ومناع ورضوان، فلكم مثل هذا الفيض من المحبة والامتنان لابنه وزوجته العزيزة لينا وخالص التعازي لعائلتي في مركز الزهرة وداعا يا أبو عبدو Iyad Hijazi

بهراء حجازي: كيف يغيب من عاش حياته بكرامة؟

شقيقته بهراء حجازي، فقد كتبت في وداعه نصا مؤثرا على صفحتها الشخصية على فيسبوك جاء فيه:

“رحل إياد… كيف يرحل رجلٌ نجا من القمع والدكتاتورية و الحرب، ونجا من الزلزال، ونجا من السرطان ومن المرض؟ كيف يغيب من عاش حياته بكرامة، يحمل في قلبه وطناً، ويؤمن أن الحرية ليست شعاراً بل حقّ لا يُساوَم عليه؟

إياد عبد النبي حجازي، من مواليد دمشق ٢٦ آذار ١٩٦٣، كان رجلاً استثنائياً بكل معنى الكلمة. خرج من وطنه قسراً، كما خرج الكثير من الأحرار، لا خوفاً بل دفاعا ً عن الكرامة الإنسانية. كان مخرجاً، وإعلامياً مثقفاً، وصوتاً من أعمدة قناة سبيستون وصناعة الإعلام العربي. لكن الأهم من كل ذلك: كان أخاً كبيراً، وزوجاً مخلصاً، وأباً محباً، وجدّاً حنوناً، وصديقاً حقيقياً وصوتَ ضمير لا يتنازل عن الحق، مهما ساءت الأحوال. رجل لم يبع مواقفه، ولم يُبدّل مبادئه، ولم يتخلَّ عن إنسانيته.

كان يتصل بنا نحن عائلته الكبيرة الموزعة في الشتات جميعاً ليطمئن، يربت على كل تعب بكلمة، ويشعل فينا الأمل حين ننساه. عاش بشرف، ومات بصمت… لكن أثره سيبقى معنا ما حيينا. رحل إياد في ٨ حزيران ٢٠٢٥، لكن صوته، حكمته، أخلاقه، إنسانيته، ونُبله… لا يموت. سلام عليك يا أخي… يا من علمتنا أن تكون إنساناً يعني أن تبقى شامخاً، حتى وأنت مكسور”.

إيلاف ياسين: كيف نرثي الطيبين… كيف نرثي الذاكرة؟

وكتبت الإعلامية إيلاف ياسين في وداعه تقول:

“لم يعد لدي طاقة للصبر الجميل”

استعير عبارة الكاتب عبد النبي حجازي، حين اعتقل النظام السوري الجميلة ابنته بهراء لأرثي بها ابنه العزيز إياد حجازي.

لم يعد لدينا طاقة على الفقد ولا الصبر يا إياد، وكل من نحبهم ونعرفهم من سوريا التي أحببنا يتساقطون واحداً تلو الآخر ليتركونا دون ذاكرة خارجها أو فيها ..

أعرفك صغيرة ، من احاديث أبي بصوته الشجي، عن تشارككما الهم والأحلام، واعرفك طفلة من ضمن ملايين أطفال العرب تابعوا  سبيس تون وهي بدعتك الجميلة و مشروعك مع منّاع العزيز.. والتي عززت بنيتنا القيمية والأخلاقية، التي اخترتم فيها انتصار الخير دائماً، انتصار الحق ، انتصار المُثل .. انتصار نحلم به ولم نستطع أن نراه حقيقة كاملة إلا في حكايا أبطال مسلسلاتك المزينة بصوت رشا رزق وعاصم سكر

من سأرثي يا إياد؟ انت أم نحن وقد باغتك العمر بخذلانه وانكفىء القدر عن التدخل كي تبقى بين محبيك وبيننا..

تحررت الشام .. أكيد سمعت .. لم أرَ وجهاً أعرفه .. وحتى الذين نعرفهم لم يعودوا يشبهون انفسهم .. ولا الشام تشبهنا و لا تشبهك انت وأبي وأبوك و لا تشبه نفسها ..

أما التلفزيون، فهو أطلال ما بنيتموه، ولا يشبه الا من بقي فيه . بالمناسبة ، أتابع عبود بحب ، أحبه و أحب أنه ابنك وسليل هذه العائلة من خلف ما مات ياعزيز ..

كيف نرثي الطيبين؟ كيف نرثي الذاكرة؟ كيف نرثيك ياعزيز

كل التعازي لآل حجازي، لعبود وأمه، ولمناع وأنمار وسلافة وبهراء وباهلة ورزام ولجميع العائلة..

والرحمة لنا و لروحك الطيبة ولروح أبوينا.. ولقيم زرعتها في ضمائرنا، اندثرت ولم يبق منها إلا نذر قليل في مجتمع هشمه نظام الأسد الذي هجرك وهجرنا ومنعنا حتى من حضور جنازتك ..

كل الرحمة يا إياد.. وداعاً يا عزيز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى