القتلة لم تطلهم يد العدالة: المحكمة الدولية في اغتيال الحريري تغلق أبوابها
العربي القديم- وسنان الأعسر
أعلن الأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيو غوتيريش) إنهاء عمل المحكمة الدولية التي تم إنشاؤها للتحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري في شباط من عام 2005 من خلال التفجير الذي أدى إلى مقتله مع 21 آخرين من مرافقيه وإصابة 226.
وكان غوتيريش في بداية عام 2023، قد مدد ولاية اللجنة حتى 31 كانون الأول / ديسمبر، بهدف “استكمال المهام غير القضائية المتبقية ومن أجل الإغلاق المنظم للمحكمة الخاصة”.
ولادة المحكمة: هجوم إعلام الأسد ومقاطعة حزب الله
ومنذ إنشائها عام 2007 شكلت المحكمة حالة شد وجذب بين أنصار حزب الله ونظام الأسد، الذين اعتبروا المحكمة صهيونية ومسيسة وتهدف إلى الإنقضاض على محور المقاومة بحجة اغتيال الحريري، وشن إعلام نظام الأسد هجوماً ديماغوجياً عليها ورفض حزب الله التعامل معها نهائياً، فيما رأى فيها أنصار تيار المستقبل والعديد من القوى السياسية اللبنانية حلماً بتحقيق العدالة!
وكانت الصدمة الأولى في آب/ أغسطس 2020 حين برأت المحكمة النظام السوري من المسؤولية والمشاركة في الجريمة، مما اعتبره كثير من الحقوقيين والمطلعين على مسار التحقيقات في القضية، متنافياً مع روح المسؤولية السياسية والجنائية تالياً عن الجريمة. وقد أصدرت المحكمة من مقرها في لاهاي بهولندا حينها، إدانات لثلاثة من أعضاء ميليشا حزب الله المتواطئة مع النظام السوري، وهم سليم جميل عياش، وحسن حبيب مرعي، وحسين حسن عنيسي.. وأحكاما بالسجن المؤبد على الثلاثة، إلا أنه لم ينفذ ولم تطلهم يد العدالة!
وخلصت المحكمة بعد ذلك إلى أن القيادي في حزب الله سليم جميل عياش هو المسؤول عن الخلية التي نفّذت عملية الاغتيال وشارك فيها شخصياً، عبر تفجير إجرامي استهدف موكب الحريري في العاصمة بيروت وأدى إلى دمار هائل واحتراق العديد من جثث الضحايا.
صدور قرارات المحكمة: وكأنه لم يصدر!
وعقب صدور قرارات المحكمة، في صيف عام 2020 أعلن أمين عام حزب الله أن الحزب سيتعامل مع قرار المحكمة “وكأنه لم يصدر”. فيما صرح سعد الحريري أنه “أصبح واضحاً أنّ شبكة القتلة خرجوا من صفوف حزب الله، ويعتقدون أنّه لهذا السبب لن يتسلموا إلى العدالة وينفذ فيهم القصاص… لذلك أكرّر: لن أستكين حتى يتم تسليمهم للعدالة ويتنفذ فيهم القصاص”. لكن الحريري الابن الذي انسحب من الحياة السياسية لاحقاً، لم يستطع أن يفعل شيئاً أبعد من هذا التصريح!
وفي حزيران عام 2021 أصدرت المحكمة بياناً أعلنت فيه توقف عملها مؤقتاً بسبب النقص في التمويل وجاء في البيان: “تواصل المحكمة جهودها الكثيفة لجمع الأموال اللازمة من أجل إكمال عملها المهم، وتكرر نداءها العاجل إلى المجتمع الدولي مناشدة إياه الاستمرار في دعمها مالياً”.
المهمة قد أنجزت
وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، في بيان أمس الأحد، إنه تم إنشاء المحكمة الخاصة لمحاكمة المسؤولين عن الهجوم، بعد اعتماد قرار مجلس الأمن عام 2007. وامتد اختصاص المحكمة أيضاً ليشمل هجمات أخرى تم تحديدها قضائياً على أنها “مرتبطة” باغتيال الحريري. وقال دوجاريك إن الأمين العام أشار، إلى أن هذه المهام أُنجزت معرباً عن تقديره العميق للتفاني والعمل الجاد الذي قام به القضاة والعاملون في المحكمة الخاصة على مر السنين”.
وأضاف أن غوتيريش أعرب عن تقديره أيضاً للدعم الذي قدمته الحكومة اللبنانية وحكومة هولندا، باعتبارها الدولة المضيفة، والدول الأعضاء التي شاركت في لجنة إدارة المحكمة.
العدالة النائمة في الأرشيف
من جهته، قال مساعد المدعي العام السابق للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، محمد علي اللجمي، إن نقل أرشيف المحكمة إلى مقر الأمم المتحدة في نيويورك تم بشكل كامل.
وأوضح اللجمي أن ما حصل لا يعني نهاية القضايا التي أنشئت من أجلها المحكمة، فإذا تمكنت السلطات اللبنانية من توقيف أي من الذين أدانتهم المحكمة، سيعاد تحريك الملف من قبل الأمم المتحدة وأجهزتها المختصة، بعد التشاور مع السلطات اللبنانية المختصة.
لكن اللجمي اعترف بوجود إشكالية قانونية فيما خص الجرائم الثلاث التي أضيفت لجريمة اغتيال الحريري، والتي لم تنجزها المحكمة (اغتيال حاوي ومحاولتا اغتيال إلياس المر ومروان حمادة)، موضحاً أن المحكمة طلبت من لبنان رفع اليد عن هذه القضايا، بعدما أصدر المدعي العام قراره الاتهامي الذي أقره قاضي الإجراءات التمهيدية، لكنها توقفت عن العمل قبل بدء المحاكمات. وأشار إلى أن لبنان لم يطلب استعادة هذه القضايا، والإشكالية التي ستواجهه أن هذا يستوجب موافقة هيئة قضائية من المحكمة، وهذه الهيئة لم تعد موجودة.
نهاية مخيبة!
ويكشف إغلاق محكمة الحريري دون الاقتصاص من الجناة الذين أدانتهم المحكمة، مع الاتجاه لتبرئة النظام السوري، غياب الجدية الحقيقية في إقرار العدالة الدولية، والتساهل مع القتلة لاعتبارات ومبازرات سياسية، كما يقول مراقبون عبروا عن أسفهم أن تكون هذه هي نهاية المحكمة، مشيرين في الوقت نفسه إلى أن فشل وتراخي الأمم المتحدة في تطبيق العدالة ليس مقتصراً على محكمة الحريري، فهناك العديد من الملفات والقضايا الكبرى التي تولت الأمم المتحدة التحقيق فيها، لكن القتلة والمجرمين بقوا طلقاء، وبقيت عدالة الأمم المتحدة عنواناً لغياب التطبيق الجدي والحقيقي للقانون الدولي، كما حدث في استخدام الأسلحة الكيماوية من قبل نظام بشار الأسد والعديد من الجرائم التي أدين بها، على سبيل المثال لا الحصر.