طائعاً أو مكرهاً: هل يتجرّع خامنئي كأس السم النووي؟
هل حقاً التفاوض والتحدّث والتعامل مع العدو في مرحلة ما لا يعني الاستسلام له؟

الدكتور عاصم عبد الرحمن
في الآونة الأخيرة، عاد الحديث مجدداً حول احتمال إجراء مفاوضات بين الولايات المتحدة والنظام الإيراني بحيث لا تزال سياسة الضغط القصوى التي تتبعها واشنطن مستمرة، بهدف إجبار طهران على التراجع عن برنامجها النووي وإنهاء أنشطتها العدوانية المزعزعة للأمن وللاستقرار في المنطقة. وفي الوقت نفسه، حذرت إسرائيل من أنها ستتخذ إجراءات عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية في حال فشلت المفاوضات. حالٌ إنما تضع النظام الإيراني في موقف حرج، إذ إن أي قرار يتخذه ستكون له عواقب وخيمة.
الضغوط الأميركية والتهديد الإسرائيلي
في الوقت الذي يعلن فيه المسؤولون الأميركيون عن استعدادهم للتفاوض مع إيران، إلا أنهم يؤكدون على أن أي اتفاق لن يكون ممكناً إلا في حال تخلت طهران تماماً عن برنامجها النووي. في هذا السياق، أفادت صحيفة المونيتور أن واشنطن وتل أبيب قد توصلتا إلى تفاهم كامل بشأن إيران، وأنه في حال عدم التوصل إلى اتفاق، فإن إسرائيل ستتخذ إجراءات عسكرية.
كما ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن هناك احتمالًا قويًا بأن تستهدف إسرائيل منشآت فوردو ونطنز النووية في هجوم استباقي. وأكدت مصادر استخباراتية أميركية أن إسرائيل ستحتاج إلى دعم عسكري من الولايات المتحدة لتنفيذ هذا الهجوم.
من ناحية أخرى، تستمر العقوبات الأميركية في خنق الاقتصاد الإيراني. فقد أعلن وزير الخزانة الأميركي أن الهدف من هذه العقوبات هو خفض صادرات النفط الإيراني إلى 10% من مستواها الحالي. ووفقًا للتقارير، فقد انخفضت صادرات النفط الإيرانية إلى الصين إلى أقل من نصف مستواها السابق، ما أدى إلى انخفاض عائدات النظام وزيادة الأزمات الاقتصادية، الأمر الذي ينعكس مباشرةً على تصاعد السخط الشعبي.
النظام في مأزق سياسي إقليمي وداخلي
كان النظام الإيراني يعتمد على أذرعه الإقليمية مثل حزب الله والحوثيين والميليشيات العراقية كأوراق ضغط، إلا أن هذه الأدوات باتت أقل فاعلية اليوم بسبب الضغوط الاقتصادية والسياسية. كما أن التطورات الإقليمية تشير إلى تراجع النفوذ الإيراني في بعض المناطق. ففي سوريا، باتت روسيا وتركيا تلعبان دورًا أكثر تأثيرًا، وفي العراق تزايدت الأصوات المعارضة للتدخلات الإيرانية تحت وطأة الضغوط الأميركية الداعية إلى توحيد السلاح بيد الدولة حصراً.
أما على الصعيد الداخلي، فإن الأزمة الاقتصادية والتدهور المعيشي تلهبان الشارع الإيراني بحيث شهدت البلاد احتجاجات واسعة شملت المعلمين والعمال وقطاعات مختلفة من المجتمع. وعلى الرغم من القمع العنيف الذي تعرض له المحتجون وبالتالي القيام باعتقالهم، فلم يتمكن النظام من احتواء الغضب الشعبي.
وكان قد صرح أحد المسؤولين الإيرانيين في هذا السياق قائلاً: “إنَّ أي تفاوض في ظل هذه الظروف لا يعني سوى الاستسلام”. كما قال السيد هاشم حسيني بوشهري، إمام مسجد قم في خطبة الجمعة قائلاً: الولايات المتحدة تمدّ يدها للمفاوضات من جهة، وتهدّد من جهة أخرى، التفاوض معها يعني التفاوض مع دولة لا تفي بوعودها؛ فقد كان لديها التزامات في قضية إطلاق سراح الرهائن، لكنها لم تفِ بأيٍّ منها، وفي النهاية شدّدت العقوبات وهذه أسبابٌ كافيةٌ لعدم التفاوض مع الأميركيين”.
كما قال مرشد الجمهورية علي خامنئي: “إن التفاوض والتحدّث والتعامل مع العدو في مرحلة ما لا يعني الاستسلام له.”
تصريحات متعددة تعكس وجهات نظر كبار المسؤولين الإيرانيين بشأن التفاوض مع الولايات المتحدة، ومخاوفهم من تعهداتها وسلوكها السابق. وهذا يعكس إدراك النظام لحقيقة أن أي اتفاق جديد قد يؤدي إلى تصاعد الأزمة الداخلية واندلاع احتجاجات أوسع ربما لا يتمكن من احتوائها بعد نجاح السوريين الباهر في ثورتهم وتضرر مصالح الملالي في سوريا ولبنان.
خيارات خامنئي بين الاستسلام والمواجهة
يجد خامنئي نفسه اليوم أمام خيارين أحلاهما مرّ في حال دخوله في المفاوضات مع الولايات المتحدة والقبول باتفاق جديد، فسيكون مضطراً لتقديم تنازلات كبيرة ستضعف موقفه السياسي. كما أن ذلك سيمثل تراجعاً واضحاً واعترافاً بفشل سياساته السابقة، ما قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الداخلية وتصاعد الاحتجاجات.
أما إذا اختار الاستمرار في نهجه الحالي والإصرار على برنامجه النووي وسياساته الإقليمية، فسيواجه مزيداً من الضغوط الدولية. إذ يمكن للولايات المتحدة وأوروبا فرض عقوبات أشد، كما أن احتمال تنفيذ إسرائيل لعمل عسكري سيصبح أقرب من أي وقت مضى.
إضافة إلى ذلك، حذر المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، مؤخرًا من أن إيران تعتزم زيادة إنتاجها الشهري من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% بمعدل سبعة أضعاف. هذا التطور قد يدفع القوى العالمية إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد إيران. كما أن مجموعة الدول السبع الكبرى (G7) أدانت بشكل قاطع السياسات الإيرانية المزعزعة للاستقرار، ودعت طهران إلى وقف أنشطتها النووية والصاروخية، وإنهاء دعمها للجماعات الإرهابية.
إذاً، يقف خامنئي اليوم أمام مأزق تاريخي. من جهة قد تؤدي المفاوضات والتوصل لاتفاق جديد إلى استسلام النظام أمام الضغوط الدولية، ما قد يفتح الباب أمام ثورة داخلية. من جهة أخرى، فإن الاستمرار في السياسات الحالية سيزيد من عزلة إيران الدولية، وقد يقود إلى مواجهة عسكرية مدمرة. وفي ظل هذه المعادلة، قد يجد النظام الإيراني نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما: إما التراجع وشرب “كأس السم” بقبول اتفاق جديد قد يعجل بنهايته، أو الإصرار على تحدي المجتمع الدولي فيبلغ عتبة “الانتحار خوفًا من الموت”.