نوافذ الإثنين | كلاب ماردين وديوكها
يكتبها: ميخائيل سعد
قرأت الأسبوع المنصرم خبرين صحفيين أثارا انتباهي بشدة، أحدهما عن أخبار مهرجان كان السينمائي لهذا العام، وفيه أن الكلاب كانت على السجاد الأحمر مع أصحابها، والثاني أن بعض العلماء يحاولون فك شيفرة لغة الكلاب بواسطة الذكاء الاصطناعي، اعتمادا على شيفرة لغات البشر، وأن النتائج مبشرة. تذكرت جيراني؛ كلاب ماردين وديوكها وقصتي معهم، فقررت إلقاء الضوء على الظلم الكبير الذي تعانيه كلاب الشرق عامة، وكلاب ماردين خاصة، مقارنة مع كلاب الغرب والامتيازات الكبيرة التي يتمتعون بها من حيث حقوق السكن والطعام والصحة والحماية القانونية.
أسكن في ماردين الجديدة، في أحد الأحياء”الراقية“، كما قيل لي، في الطابق التاسع من بناية محاطة بعدد من البنايات المماثلة، أو الأكثر ارتفاعا منها. الحي هادئ بشكل عام، لا حوادث فيه، بسبب نوعية السكان الأغنياء، ولوجود بعض المقار الأمنية فيه، لذلك يتمتع السكان بنوع من الأمن، وفيه كل ما يحتاجه سكانه. وللأسباب المذكورة فإن الإيجارات مرتفعة مقارنة مع الأحياء الأخرى، ولكن اجار شقتي المفروشة معقول، وأنا احتفظ بها طوال العالم، رغم أنني لا أشغلها أكثر من ستة أشهر في العام.
في الفصل الدراسي السابق، كان الطقس قد تحسن وأصبحتُ ميالا لترك الباب والنوافذ مفتوحة طوال الليل، بسبب ارتفاع دراجات الحرارة مما جعلني أعاني كل ليلة من مشاكل لم تكن في الحسبان، وهي نباح الكلاب أغلب أوقات الليل، يضاف إليها صياح الديكة كل ليلة اعتبارا من الساعة الثانية بعد منتصف الليل وحتى السابعة صباحا. كنت في البداية أمازح نفسي وأقول: إنني من أصول فلاحية، ويجب أن لا أستغرب سماع نباح الكلاب وصياح الديكة، فهذه الأصوات جزء من ثقافتي الريفية، ويجب أن أفتخر بموروثي الثقافي، لا أن أتنكر له، على مبدأ ”من ينكر أصله لا أصل له“، ولكن الحالة لم تعد مقبولة، فأنا أولا أسكن في مدينة حديثة، وفي أحد أحيائها الراقية، لذلك فقد بدا لي أن اتفاقا قد عُقد بين الكلاب والديكة ينص على تبادل الأدوار لخلق سيمفونية كلابو-ديكية، تصمت فيها الكلاب عندما تبدا الديوك في الصياح، والعكس أيضا، مما جعلني أميل إلى الظن أن هناك مؤامرة ”حيوانية“ متعددة الأطراف تريد النيل من صمودي، وتمنعني عن الدراسة، كي يتراجع مستوى تحصيلي لصالح بعض المنافسين الذين يشتبه بارتباطهم بجهات أجنبية!
ولكي لا أذهب مذهب الأنظمة العربية في كيل الاتهامات لشعوبها الجائعة بالعمالة للأجنبي ”مقابل بعض السندويشات“، قررتُ الاستعانة بخبراء عالميين وباحثين كبار، لمعرفة أسباب نباح الكلاب بمناسبة وغير مناسبة، وصياح الديكة ابتداء من الساعة الثانية بعد منتصف الليل، على غير عادة الديوك في قريتنا، التي كانت تبدأ في بث موسيقاها مع الفجر.
كان ما توصل إليه خبراء الكلاب من نتائج مثيرة للاهتمام، صحيح أنها كلفتني غاليا، خاصة أنها كانت بالدولار، ولكن نتائج البحث والدراسات تستحق الثناء وتلبي الحاجة.
في الورقة الأولى المخصصة لسؤال: لماذا تنبح الكلاب؟ جاء فيها ما يلي:
هناك عدة أسباب رئيسية لقيام الكلاب بالنباح:
- التواصل والتنبيه:
- الكلاب تنبح للتواصل مع أفراد قطيعها أو مع البشر.
- النباح يعمل كوسيلة لتنبيه أصحابها أو الآخرين بوجود خطر أو طعام أو أي أمر يستدعي الانتباه.
- التعبير عن المشاعر:
- الكلاب تنبح للتعبير عن مشاعرها المختلفة كالفرح أو الخوف أو الغضب.
- النباح يُعد وسيلة للكلاب للتعبير عن حالتها الانفعالية.
- الحماية والسيطرة:
- الكلاب تنبح للإعلان عن سيطرتها على منطقة معينة أو للدفاع عن أنفسها أو قطيعها.
- النباح يُستخدم كوسيلة لإبعاد المتطفلين أو المهاجمين.
- الاستجابة للمنبهات:
- الكلاب قد تنبح استجابة لمنبهات معينة كأصوات غريبة أو حركات مفاجئة.
- النباح هنا يكون نتيجة لاستثارة الكلب وليس لغرض تواصلي محدد.
قرأت ما جاء في توصيات الخبراء، وكنت راضيا عنها، ولكنني ملت إلى نتيجة واحدة وهي ” النباح هنا يكون نتيجة لاستثارة الكلب وليس لغرض تواصلي محدد“. أو بالمعني الذي فهمته: إن استثارة الكلاب في حينا كان القصد منها هو ازعاجي، والنيل من صمودي، لقاء بعض العظام وبقايا الطعام المعفن.
***
أما اللجان التي كانت مكلفة للبحث عن أسباب صياح الديوك، فقد كانت، بدورها مفيدة، وقد جاء في تقاريرها، إن صياح الديوك يختلف من بيئة إلى أخرى، ومن قارة إلى أخرى، ومن زمن إلى آخر، ولكن ما يهمنا هو ديكة حينا بالدرجة الأولى، وبعد الدراسات المخبرية والتاريخية توصلنا إلى النتائج التالية:
الديوك هي من أقدم الطيور المرباة من قبل الإنسان. يعود تاريخ تربية الديوك إلى حوالي 5000 سنة مضت في جنوب شرق آسيا. كانت الديوك تُستخدم في الأساس للأغراض الزراعية والطقوسية والترفيهية.
في العصور القديمة، كان الديوك يتم تربيتهم لأغراض مختلفة في الثقافات المختلفة حول العالم:
- في الصين والهند، تم تربية الديوك لأغراض دينية وطقوسية.
- في اليونان والرومان، تم استخدام الديوك في مباريات المصارعة والرهانات.
- في إنجلترا وأوروبا الغربية، تم تربية الديوك لأغراض الترفيه والرياضة.
- في بلادنا تتم تربية الديوك للأكل، وخدمة الدجاجات البيّاضة، وفي الريف السوري كانت تخصص للضيوف وخاصة للدرك والشرطة.
أما صياح الديوك فيكون للأسباب التالية:
- التنبيه والإنذار: الديوك يستخدمون صيحاتهم كطريقة للتنبيه وإنذار القطيع بأي خطر قادم، مثل ظهور حيوانات مفترسة.
- التواصل: الديوك يستخدمون الصياح للتواصل مع الإناث والذكور الآخرين في القطيع. الصياح يساعد في المحافظة على وحدة القطيع ويعزز الترابط بينهم.
- السيطرة والسلطة: الديوك الذكور يستخدمون الصياح للتأكيد على سلطتهم ومكانتهم كقادة القطيع. الصياح يساعد في تحديد التسلسل الهرمي بين الذكور.
- التزاوج: في موسم التزاوج، يصيح الديوك للجذب والتودد إلى الإناث وللتنافس على حق التزاوج معهن.
- الاستجابة للإيقاعات البيولوجية: الديوك يصيحون استجابة للإيقاعات والتغيرات البيولوجية مثل شروق الشمس وطلوع الفجر. الصياح يساعد في تنظيم دورة نوم-يقظة للقطيع.
إذن يعكس صياح الديوك مجموعة متنوعة من السلوكيات الاجتماعية والفسيولوجية الهامة لهم. فهو ليس مجرد “صوت عشوائي” بل وسيلة مهمة للتواصل والسيطرة داخل القطيع.
***
بعد الاطلاع على نتاـئج البحوث المتعلقة بصياح الديوك تم رفضها لأنها تجاهلت الأسباب الحقيقية لصياحها المتواصل، ألا وهي إزعاجي، وصرفي عن التركيز على الدراسة، وتمكين المنافسين من الانتصار عليّ.
مونتريال: 15/7/2024