بمكيال واحد | عن اللباس الذي عرى المثقف السوري المأزوم!
كاظم آل طوقان – العربي القديم
من وظائف اللباس، أي لباس كان، تغطية الجسد. لكن لوحظ مؤخراً أن اللباس عوضاً عن أن يستر، عرّى “المثقف” السوري المأزوم أخلاقياً والمهزوم فكرياً، والبداية حين قام أحدهم بنشر صورة فتاة جرى تتويجها (مع أخريات) خلال تخرجها من إحدى جامعات الشمال السوري وتعمد طبعاً اقتصاص فتاتين إلى جانبها كانتا تلبسان النقاب، ثم قارنها بصورة تعمد هنا أيضاً إظهارها بدقة ضعيفة، لفتيات منقبات احتُفي بحفظهن القرآن الكريم في الزمان والمكان عينه، ثم ذهب هذا المثقف العتيد للقول: ما الفائدة التي سيجنيها المجتمع من حفظ القرآن الكريم مستدركاً: “طبعاً أنا مو ضد حفظ القرآن” وهذه “لازمة” باتت معروفاً لدى مثقفي اليوم كأن تقول لأحد “مع احترامي إلك” ثم تبدأ بتقريعه وشتمه وتسفيهه بما يحلو لك. والدليل أنك في تتبعك تعليقات نظرائه المثقفين تعرف ما يبطن، حيث بدأ كيف يغامزهم بتعليقاتهم السخيفة التي تجاوزت حتى فكرته التي طرحتها ووصل بعضها للطعن بالإسلام ذاته؛ وهذا ما حملنا على كتابة هذا المقال بمعنى أنه رد على اتجاه جمعي لكثيرين، وليست حالة فردية… ولو كانت كذلك لقلنا يمكن تجاهلها!
التناقض الأول الذي وقع به مثقفنا الرصين أنه جعل المقارنة بين فتاتين على أساس اللباس، وهذا يتنافى مع المبدأ العام الذي يقول إن المرأة فكر وروح وليست جسداً، وإذا بمثقفنا اليوم يضع نفسه فيما حاول وصم الآخرين به “جماعة تسليع وتجسيد المرأة”.
ثم إنه قارن بين تخريج طالبات من جامعات أكاديمية، وبين مراكز مخصصة أساساً لحفظ القرآن الكريم ربما يكن منهن “أي الحافظات” من تخرج من الجامعات ذاتها وهذا لا يتعارض مع ذاك… وهذا دليل آخر على سطحية في الطرح كتلك الشبهة السمجة التي عفّ عنها وعفى من هم قبله، كأن تقول: انظروا للغرب يخترع الذرة بينما الشيوخ لدينا يحكون في أحكام الوضوء، بدل أن يقارن تسهيلات الغرب للعلم واستقطاب العقول، مقارنةً بأنظمة الاستبداد التي تهجر العقول وتعتقل الطلاب من داخل الحرم الجامعي وترمي براميل الاستبداد التي ذبحت الطلبة وهجرتهم.
واللافت في الأمر أيضاً أن صاحب الطرح تخندق في صف إعلاميي البراميل الذين طالما دأبوا على تبرير سحق المحرر ووصف أهله بـ “الحواضن” فهو يشيطن السوريين ويقول إنهم يقومون بهذه الخطوة تنفيذاً لما أراده “الراديكاليون” فهنيئاً لك بهذه المنزلة صراحة.
وفيما يتعلق بمحاولة “تبرير” طرحه بالقول ما الفائدة التي سيجنيها المجتمع من تخريج آلاف حفظة القرآن، بداية ما هو المطلوب من حفظة القرآن؟ هل هم مناطون بالإعمار مثلاً؟ أو مقارعة النظام على الجبهات؟ طرح كهذا كأنك تقول على المهندس أن يعالج مريض قلب مادام حفظ القرآن وتطبيقه جانب روحي، ثم أظن أن ألف باء العلمانية تعني وتنص على احترام حرية الآخر “ولا إيه” على قولة إخوتنا المصريين؟!
ثم أليس منطق العلمانية احترام الآخر، وأليس الفتاة التي تخرجت من الجامعة وحفظت القرآن في منطقة تعاني ما تعانيه من قصف ونزوح وحصار أليس ذلك مدعاة فخر لها وإشادة؟ إن لم يكن ذلك فعلى الأقل السكوت ، ولماذا لا يرى مثقف اليوم أن الصورتين لا تشكلان تعارضاً بل إنها تعطي دليلاً على حالة التنوع التي يعيشها الشمال المحرر، فهو في الوقت الذي حاول فيه الغمز أن الناس ينفذون ما يملى عليهم من “الراديكاليين” يناقض نفسه وينشر صورة فتيات بلباس وحالة معينة وفي المنطقة التي يقول إنها خاضعة للراديكاليين.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، متى كان الناس في المحرر حواضن لـ “الراديكاليين”؟ ألم يأتك حديث مظاهرات الشمال السوري ضد الجولاني؟ وقبله حين قاوموا تنظيم داعش حتى قبل ظهور “التحالف الدولي”، وحين استقبلوا ملايين السوريين من كل المحافظات وشكلوا مجالس محلية ومحطات إذاعة ولافتات تجاوزت طرح الوجع السوري إلى التضامن مع حوادث عالمية كفلسطين والطفل ريان وحتى جورج فلويد.
الخلاصة فإن المتطرف العلمنجي السوري لا يرى العلم والتعليم إلا من زاوية تخريج حفظة القرآن، ولا يرى الجوعى إلا وقت الحج، وهو ذاته من يسكت أمام حرق المصحف من قبل شرطة السويد وخطف الأطفال في البلد ذاته، وتعميد الطائرات الروسية بما وصف يوماً بالماء المقدس حتى تتبارك بذبح السوريين وغيرها من ممارسات على أساس ديني ضد المسلمين، لأنه يعلم أنه سيسحل من لسانه ويخسر تسوله إذا تجاوز سقف الانسحاق المخصص له.