الفيلم الوثائقي (أيام التحرير) لمحمد منصور: الفيلم الذي حدد الهدف وعرف الطريق
كان فيلم (أيام التحرير) رسالة بالغة الذكاء عن المعنى الحقيقي للتحرير الذي لا ثأر فيه، ونموذجا للفيلم الذي يسير نحو غايته بثقة وتفرد

ياسر الظاهر- العربي القديم
قد تكونُ المَشاهدُ التي عرضها الفيلم الوثائقي (أيام التحرير) لمعده كاتب السيناريو والمخرج الإعلامي محمد منصور، والذي أنتجته وزارة الثقافة، ليست جديدةً في أغلبها من حيث بينتها الخبرية المتناثرة، ولاسيما بالنسبة للسوريين في الداخل والخارج، الذين تابعوا بكل اهتمام وترقب أحداثَ معركةِ العدوان على الهواء مباشرةً ثانيةً وراء ثانيةٍ، حيث كانت قلوبهم تستذكرُ قول حافظ إبراهيم:
دقات قلب المرء قائلة له. إن الحياة (النصر) دقائق وثوانِ
نعم إنّ هذه المعركةَ التي بدأتّ من إدلبَ بقيادة هيئة تحرير الشام كانت تقول لنا إنّ النصرَ والتحريرَ سيكونان بعد سويعاتٍ، وربما بعد ثوانٍ معدوداتٍ. ولكن من يُشاهد هذا الفيلم لابدّ أنْ يغيّر رأيهُ المُسبق حين ظنَ أنّه سيرى ذات المشاهدِ التي رآها سابقاً وهي تُعرضُ على الفضائيات، وسيتأكدُ أنّ روح البحث الوثائقي الذكي والمعمق في هذا الفيلم، قد غاصت عميقاً، حتى ما وراء المشهد الظاهري، فالغايةَ من إخراج وإنتاج فيلم (أيامُ التحرير) ِليست مجردَ عرضِ مقتطفاتٍ مصورةٍ من معركةِ ردعِ العدوان، ومساراتها في تحرير المدن والبلدات بذلك الشكل الدراماتيكي الذي استأثر بقلوب السوريين وأثار الترقب والقلق والتفاؤل والبشري في نفوسهم وحسب… بل كانت هناك رسائلُ عديدةٌ أراد محمد منصور كاتبُ ومخرجُ الفيلم إيصالها إلى الجماهير السوريّة والعربيّة، وربما الأجنبيّة.، فيما لو كان الفيلم مترجماً إلى عدةِ لغاتٍ كما طالب بعض المتحدثين إثر عرض الفيلم في المكتبة الوطنية بدمشق اليوم، وهنا نستطيع أنْ نتبيّنَ عدةُ غاياتٍ ورسائلَ هَدَفَ إليها الفيلم نذكرُ منها:
1- إنّ الهدفَ النهائي لمن خطط وقاد هذه المعركةَ لم يكنّ تحرير مدينة أو مدينتان بل تحريرُ سوريةَ بأكملها من النظام السوري المجرم ومن لف لفيفه من الدول والمليشيات المحتلة.
2- تصويرُ مشاعرَ الناسِ والتي شاهدناها من خلال عرضِ الفيلم، حين رصَدتها كاميرا الإعلامي براء عثمان ووثقها بشهادات حيةٍ وواقعيةٍ، من خلال شهادة( المرأة العفوية) التي اطمأنت لدخول جنود الجيش، فزغردت وألقت بالحلوى فوق رؤوسهم مبتهجةً بالنصر.
3- إبراز الدور الإعلامي الكبير الذى وازى الدور العسكري لمعركة ردع العدوان… وتحليل مفردات ذلك الخطاب برؤية توثيقية وتحليلية استطاع مخرج الفيلم أن يجعلها جزءا من نسيج الأحداث وتضاريس المعركة، لا إطارا لها وحسب.
4- نفي ودحض تهمة التمييز بين مكوّن وآخر من مكوّنات الشعب السوري التي أطلقها بعض المتعلمنين والطائفيين الحاقدين، حيث أبرز الفيلم من خلال شهادة بعض أفراد الشعب من مكونات مختلفة، ووثق شهادات الإعلاميين الميدانيين الذين قدموه الشاهد البصري عن بطلان وكذب وزيف، ما ادعوه من تفرقةِ وتمييزٍ بين هذا المكوّن أو ذاك، وحدوث عمليات انتقام بحق أبنائهِ حدثت بدخول جيش هيئة التحرير إلى المدن التي حررها.
5- إظهار مشاعر السوريين الحقيقية في المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة النظام، من خلال توثيق مشاهدَ وشهادات حيةٍ لبعض السوريين الذين أقاموا في دمشق خلال سنوات الثورة، وعاشوا معركة التحرير من الضفة المقابلة… لا من ضفة القادمين من الشمال، فعَبَروا عن فرحتهِم الكبيرةِ والمُعللة، بانتصار الثورة السورية وخلاص السوريين من أعتى نظامٍ مافيوي طاغٍ دموي متوحشٍ لم يشهد له التاريخ مثيلا على مر عصوره. لقد كان فيلم (أيام التحرير) رسالة بالغة الذكاء عن المعنى الحقيقي للتحرير الذي لا ثأر فيه، ونموذجا للفيلم الذي يسير نحو غايته بثقة وتفرد، لأنه يعرف هدفه، ويعرف ما يريد أن يقول.