الرأي العام

فن لعب السياسة في سوريا: اللعب مع الإسرائيلي أم على الإسرائيلي؟

أصبح التوسل بالتدخل الدولي، بل وبالإسرائيلي تحديداً، مطلباً يومياً عند شريحة واسعة من بعض الأقليات، سواء كانوا جماعات أو أفراداً.

جميل الشبيب – العربي القديم

في وقت يحاول فيه كثيرون، سواء أفراداً أو جماعات، وتحت شعار “اللعب السياسي”، أن يُظهروا براعتهم في فهم دهاليز السياسة، نراهم يسعون إلى تقديم أوراق اعتمادهم لدى الإسرائيلي، طمعًا في مكاسب شخصية أو طائفية، ولو على حساب الوطن — سوريا. يرفعون راية الاحتلال، ويمجدون زعيمه، وينظمون فيه الأشعار، ويبحثون عن الظهور على قنواته الإعلامية.

لاعبو السياسة هؤلاء لا يملّون من ترديد مقولة أن “مربط فرس العرب في تل أبيب”، وأن من يريد أن يحكم سوريا لا بد له من قرار تعيين يصدر عن الكنيست الإسرائيلي! ولم يكتفِ البعض بالتملّق أو التوسّل، بل بلغ بهم الأمر إلى حد المطالبة الصريحة بأن تحتل إسرائيل مناطقهم، شرط ألا يحكمهم السوريون الثائرون. والغريب أن هذه الدعوات لم تبدأ حديثًا، بل ظهرت منذ اليوم الأول لوصول الثوار إلى دمشق، حتى قبل تعيين الشرع رئيسًا لسوريا.

وكانت الإدارة الجديدة قد أصدرت عفواً عاماً، وسعت لتخفيف التوتر الطائفي، وهو ما قوبل بإشادة دولية. غير أن أحداث الساحل في مارس الماضي، والتي بدأت بهجوم فلول النظام على حواجز الأمن العام وقتل عناصره والتمثيل بجثثهم، فجّرت الوضع مجددًا، وأدت إلى انتهاكات متبادلة: من جهة فصائل غير منضوية تحت راية وزارة الدفاع، ومن جهة أخرى بقايا النظام.

في هذا السياق، أصبح التوسل بالتدخل الدولي، بل وبالإسرائيلي تحديدًا، مطلبًا يوميًا عند شريحة واسعة من بعض الأقليات، سواء كانوا جماعات أو أفرادًا.

لكن السؤال الأهم: هل إسرائيل مستعدة فعلًا لحماية الأقليات أو حتى الأكثرية في سوريا؟ وهل لديها رغبة حقيقية في الاستثمار في الصراع السوري؟

لفهم ذلك، يجب أولًا أن نُدرك أن إسرائيل هي في الأصل كيان محمي من قبل الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، التي تؤمّن لها الغطاء العسكري والسياسي والدبلوماسي. تطبيع بعض الدول العربية معها لم يكن إلا بوساطة وضغط أمريكي، كما رأينا في حالات الإمارات والبحرين.

وبالنظر إلى الجغرافيا المحدودة لإسرائيل، فإنها لا تملك القدرة على التوسع وضم أجزاء كبيرة من دول أخرى، لما في ذلك من إرهاق سياسي وعسكري كبير، خاصة في ظل الحرب المستمرة في غزة، والتوتر القائم على الجبهة اللبنانية. ولو كانت لديها نوايا توسعية حالياً، لما انسحبت من جنوب لبنان، أو على الأقل، لكانت قد أنهت ملف الضفة الغربية منذ زمن.

وفي الوقت الذي ترى فيه إسرائيل أن إطالة أمد الحرب في سوريا بعد رحيل بشار الأسد تمثل فرصة ذهبية لتدمير ما تبقى من مقدرات الشعب السوري، سواء الاقتصادية أو العسكرية، فإنها تعتبر أن الاستثمار في الشرخ الطائفي هو الوسيلة الأمثل لإغراق سوريا في مستنقع الطائفية، تمامًا كما حدث في العراق، الذي لا يزال يعاني من هذا المستنقع حتى اليوم. وهذا – بلا شك – هو السيناريو الأمثل الذي تتمناه إسرائيل، لأنه يضمن لها تدمير سوريا بالكامل، وإبقاء السوريين في صراع طويل الأمد يمنعهم من النهوض مجددًا على أقدامهم.

لذا، أود أن أطمئن شركاءنا في الوطن، وخاصة أولئك الذين يستجدون الإسرائيلي، بأن يعيدوا النظر في مواقفهم قبل أن يجاهروا بخيانةٍ تُسجَّل عليهم إلى الأبد.

من جهة أخرى، هل من مصلحة إسرائيل أن تتعامل مع حلفاء ضعفاء، لا يملكون أي مقومات للصمود؟ أم أنها تُفضّل أن تكون على حدودها دولة قوية، قادرة على ضبط الأمن داخل أراضيها، وتستطيع التوصل إلى تفاهمات معها تضمن أمن الطرفين، من دون أن تتحمّل إسرائيل مسؤولية دعم تلك الدولة أو التدخل في شؤونها؟

خاصة أن الإدارة الجديدة في سوريا، على لسان الرئيس، أعلنت بوضوح أن “سوريا لا تريد حرباً مع أحد”.

سوريا بلد دمرت الحرب معظم قدراته العسكرية والاقتصادية والسياسية. ولهذا، فإن المرحلة القادمة تتطلب من الجميع مراجعة مواقفهم، لا سيما أولئك الذين ما زالوا يتطلعون إلى الخارج، بدلًا من مدّ أيديهم نحو وطنهم.

فهل آن أوان العودة إلى سوريا؟

أم أن بعض اللاعبين يفضّلون البقاء أسرى للعبة…

اللعب مع الإسرائيلي؟ أم على الإسرائيلي؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى