فيلم "أرواح ضائعة": صور قيصر وأرواح الفوضى والقتل تطارد القتلة
في عام 2011، خرج الشعب السوري إلى الشوارع، للمطالبة بمزيد من الحرية والكرامة. وكان رد الرئيس بشار الأسد هو إطلاق العنان للعنف، ومنذ عام 2011، أصبحت الاعتقالات التعسفية حدثاً يومياً في سوريا. وعلى مدى خمسين عاماً، حكم حافظ الأسد، ومن ثم ابنه بشار سورية بقبضة من الحديد والنار، وتسلط الأجهزة الأمنية. تم إنشاء النظام الستاليني كنموذج للمعتقلات. التعذيب والاغتصاب والقتل، واختفاء آلاف المواطنين، دون أن يكون لدى عائلاتهم أي تفسير باتت سياسة ممنهجة لدى نظام الأسد.
صور قيصر
في عام 2014، أرسل أحد الفارين من الجيش ملفاً من الأرشيف السري للجيش خارج بلاده. قيصر هو الاسم الحركي لمنشق سوري كان يعمل مصوراً في المخابرات العسكرية السورية، كانت مهمته تصوير ضحايا الحوادث، والجرائم في القسم للتوثيق، وبعد انطلاق الاحتجاجات في البلد، تحوّل عمله إلى تصوير معتقلين قضوا تحت التعذيب، خلال فترة اعتقالهم في سجون النظام السوري. وتظهر الصور بعد جمعها، من قبل خبير في ألمانيا صدمة مفجعة تظهر جثث رجال ونساء عراة، يحملون أرقاماً، وعليهم آثار تعذيب.
المادة الفيلمية كانت غنية تضمنت كوادر تصوير بين سوريا وتركيا، وعدة بلدان أوربية؛ التقت خلالها الكاميرا مع عدد من الضحايا مثل عبيدة الدباغ، والمحامية أمل، وعدد من القضاة، والمحققين، والناشطين، والمحامين، والسياسيين.
أسلوب روائي
اعتمد الفيلم أسلوباً في الإخراج يقترب من الأسلوب الروائي، وبان ذلك في القصّ الحكائي، لناحية متابعته للشخصيات، وتطورات الأحداث المتعلقة بها، والمرتبطة بعنصر الفيلم الأول، وهو ملف قيصر.
كما تأكّد الاهتمام بتركيب المشهد اهتمامه العميق بإظهار انفعالات الشخصيات، وأثر الأحداث عليها، فقد كان هذا المشهد مبنياً ومدروساً في اختيار أمكنته وعناصرها، وشخصياته، ومظهرها، وتحركاتها، وهو ما قد يفاجئ المشاهد المطلع على الحدث، إذ يكون متوقعاً، لصرامة ما في الإخراج تتناسب مع هول الموضوع.
شكّل هذا الأرشيف مادة الفيلم الوثائقي من الإنتاج الفرنسي- الألماني المشترك “أرواح ضائعة من إخراج ستيفان مالتير، وسيناريو ومساعدة إخراج غارانس لي كيزن.
الكادر الأول من الفيلم يظهر عبيدة دباغ- مهندس سوري مقيم في فرنسا بعيداً عن سوريا التي أصبحت فريسة للظلم والفوضى. وكانت تلك الفوضى حاصدة لروح أخيه وابنه اللذين اعتقلتهما أجهزة الأمن والمخابرات السورية. أما المحامية السورية الإسبانية أمل، فالموت غيّب أخاها الذي يعمل سائقاً، بعد اعتقاله من نفس الجهة.
سبعة وعشرون ألف صورة لمعتقلين سوريين تم إعدامهم تحت التعذيب، أو تجويعهم حتى الموت. وحتى لا يختفي هؤلاء الضحايا إلى الأبد، ولتنبيه المجتمع الدولي، تكافح العائلات المغتربة، بمساعدة المحامين والناشطين، من أجل جمع الشهادات والأدلة، وبالتالي توثيق انتهاكات نظام بشار الأسد.
إرادة القمع الرسمية
من يقود؟ من يعطي الأوامر؟ ومن ينظم التعذيب والاغتصاب؟ ومن يتأكد من حدوث كل هذا؟
جمع الأدلة على الجرائم المرتكبة في سوريا، واستعادة التسلسل القيادي لعمليات القتل غير القانونية التي تنفذها الدولة، يقدم لنا تصوراً واضحاً على إرادة القمع الرسمية التي تشترك فيها كل الأجهزة.
أخيراً يقدم لنا الفيلم أدلة على انتهاك حقوق الإنسان، في مجموعة مكونة من ثلاثة آلاف صفحة، وأكثر من خمسين ألف صورة، لتقديم شكوى ضد النظام السوري، بتهمة الاختفاء القسري، والتعذيب والجرائم ضد الإنسانية.
“أرواح ضائعة” فيلم وثائقي مفيد وقوي بشكل لا يصدق، عن العمل المضني للجمعيات والأسر، والناشطين الذين يحملون إنسانيتهم على مسافة بعيدة، لمحاربة الهمجية التي يمارسها نظام القتل في سوريا.