من قصص شهداء حماة: أبو شادي الذي استشهد مرتين
أذكر جيداً يوم أنقذ العشرات في جمعة أطفال الحرية، حينما نقل كتلة من الطوب (بلوك)، بجوار بناء قيد الإنشاء إلى وسط شارع المرابط، لقطع الطريق، ومنع الشبيحة من مطاردة المتظاهرين
ياسين أبو فاضل – العربي القديم
كيلا يثير العنوان الغرابة والتكهنات، فنحن هنا نتحدث عن شقيقين يحملان اللقب نفسه، أو بالأحرى استخدما الاسم الحركي نفسه، فبعد اجتياح الجيش لحماة مطلع رمضان 2011، تشكلت مجموعات صغيرة في المدينة لحماية المظاهرات، بما تيسّر من أسلحة فردية. ظهرت إحدى تلك المجموعات في الشيخ عنبر، وهو حي مرتفع، متداخل الأزقة، تتخلله أدراج حجرية مرصوفة ما جعله موقعاً مناسباً للمظاهرات، لصعوبة دخول السيارات إليه، واستحالة معرفة دروبه على غير أبنائه.
صادف أن واجهت الشهيد ناصر محمد دلال ملثماً، يحمي حي وادي الحوارنة المجاور، ميزت صوته بحكم معرفتي به. أبو شادي هذا شخص صاحب نكتة، بوجه بشوش، ومزاج عالٍ، يعشق المرح، سريع البديهة، أذكر جيداً يوم أنقذ عشرات الجرحى في جمعة أطفال الحرية، حينما بادر لنقل كتلة من الطوب (بلوك)، بجوار بناء قيد الإنشاء إلى وسط شارع المرابط، لقطع الطريق، ومنع الشبيحة من مطاردة المتظاهرين.
في الصباح عمل نجاراً، وفي المساء حرس المظاهرات، وكثيراً ما كان يخاطر بحياته في الليل، قاطعاً نحو 10 كيلومترات مشياً على الأقدام، بين الأراضي الزراعية، لجلب بعض الرصاص لباقي أفراد المجموعة.
طار فرحاً، عندما حصل على بندقية، وبات يُسمى بـ (القناص أبو شادي)، لأسابيع دب الرعب في صفوف الشبيحة، والقوات التي كانت تأتي للمداهمة مستغلاً موقع الحي أفضل استغلال، لاستهداف الحواجز التي في الأسفل كحاجز “الكوثر”.
زرته مباركاً، عندما رُزق بمولوده الأول، انتابني خاطر حينها بأن همته قد تبرد، لكن وبدلاً من الحديث عن الطفل ومشاعر الأبوة، فاجأني باقتراح لحشر قنبلة يدوية، داخل كوب زجاجي، من أجل إلقائها بسرعة على الحواجز، دون الحاجة لسحب مسمار الأمان.
في أوائل شهر أيلول 2012، طوقت إحدى المداهمات جزءاً من الحي، وفرضت حصاراً على مجموعة “دمر حلبية”، الذي طلب العون لكسر الحصار، لبى أبو شادي ومجموعته النداء، لتدور معركة شرسة على أسطح أبنية الحي، رفض خلالها أبو شادي التراجع، رغم مناشدات رفاقه، واستمر بالاشتباك إلى أن تمكن من فتح ثغرة للمجموعة المحاصرة، تاركاً على وجهه أمام سيل الرصاص ابتسامة نصر احتفظ بها محياه.
فرض انكشاف هوية (أبو شادي) على أخيه الأكبر حسان دلال مغادرة المدينة، ولاسيما مع مداهمة منزل العائلة مراراً. في حاس بريف إدلب الجنوبي، قرب مدينة معرة النعمان، شكل الأخ الأكبر كتيبة من أبناء الحي والمعارف، وثوار حماة النازحين، سرعان ما اتسعت كتيبة الشهيد ناصر، لتشمل 3 مقار، تحت إمرة قائدها الذي حمل معه لقب (أبو شادي).
خاضت هذه الكتيبة غمار جل معارك التحرير، تحت لواء فيلق الشام، لكن رفضها أوامر القتال والمشاركة في عملية درع الفرات، أدى إلى فصلها واستبعادها من الدعم. رغم ذلك واصلت الكتيبة الرباط على خطوط التماس، وفي الوقت نفسه، عمد أفرادها لإعالة أنفسهم بالعمل في معمل مجاور لأطباق البيض، قاموا بترميمه وصيانته، وإعادة تشغيله بعد استئذان صاحبه المقيم خارجاً.
أصيب أبو شادي مراراً، ودمر المعمل، قبل أن يرتقي بصحبة عدد من أفراد الكتيبة بغارة روسية، في أحلك مرحلة من عمر الثورة، أوائل عام 2020، حينما تقدمت قوات النظام بدعم روسي وإيراني، لتسيطر على ريف إدلب الجنوبي والشرقي.
رحم الله الشهيدين (أبو شادي)
_________________________________________
من مقالات العدد الثامن عشر من (العربي القديم) عدد الاحتفال بالنصر، الخاص بشهداء ثورة القرن – كانون الأول/ ديسمبر 2024