علم النفس والسلوك

بين الفتنة والحب: ميرا وأحمد ورسالة أمل لسوريا الجديدة

الفتن لا تقتصر تأثيراتها على الانقسام الاجتماعي فقط، بل تمتد أيضًا إلى الجانب النفسي للأفراد

كمال صوان – العربي القديم

في ظل التحديات العظيمة التي تمر بها سوريا، تبرز قصة ميرا وأحمد كرمز أمل في زمن يواجه فيه الوطن الكثير من الفتن التي تهدد تماسكه. هذه القصة هي قصة حب بين شاب وفتاة من خلفيات دينية وطائفية مختلفة، وتُظهر لنا كيف يمكن للقلوب الطاهرة أن تتجاوز الفتن وتبني جسور التفاهم والوحدة. ورغم أن هذه القصة قد تكون قريبة للواقع، إلا أنها تفتح الباب لفهم أعمق حول ضرورة التعايش المشترك وتغليب قيم الحب والاحترام بعيدًا عن الفتن.

الأثر النفسي للفتن

الفتن لا تقتصر تأثيراتها على الانقسام الاجتماعي فقط، بل تمتد أيضًا إلى الجانب النفسي للأفراد. إن الشعور بالانقسامات والاضطرابات المستمرة يمكن أن يتسبب في حالة من التوتر المزمن، ويؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية. في الإسلام، يُعلمنا أن “العقل السليم في الجسم السليم”، وهذا يعني أن تماسك الأفراد ورفاهيتهم النفسية لا يمكن أن يتحقق في أجواء مليئة بالفتن.

أولى هذه الآثار هو زيادة مشاعر القلق والخوف، التي تنتج عن شعور الفرد بعدم الاستقرار أو الأمان. عندما يتفشى الانقسام وتزداد الفتن، يصبح الناس أكثر عرضة لتفسير الأحداث بشكل سلبي، مما يؤدي إلى زيادة مشاعر الشك وعدم الثقة بين أفراد المجتمع. وهذا يخلق حلقة مفرغة من التوتر والضغط النفسي، وهو ما يعطل القدرة على التعايش السلمي.

إضافة إلى ذلك، قد يؤدي الشعور بالضغوط الاجتماعية إلى تبني الفرد مواقف عدائية تجاه الآخرين، خاصة إذا كان يعتقد أن هذه المواقف قد تحميه من التهديدات المتصورة. وفي بعض الأحيان، تنشأ مشاعر الكراهية والعنف نتيجة لهذه الضغوط، وهو ما يتناقض تمامًا مع المبادئ الإسلامية التي تدعو إلى الرحمة والتسامح،هذا يعني أن الإنسان يجب أن يكون مصدرًا للسلام والمحبة.

دور الحب في مواجهة الفتن

في هذا السياق، قصة ميرا وأحمد تُعتبر مثالاً حيًّا على أن الحب الذي يقوم أساسًا على الاحترام المتبادل يمكن أن يتجاوز أي حدود أو انقسامات. ورغم اختلاف الخلفيات الطائفية والدينية، اختار أحمد وميرا أن يكون حبهما مبنيًا على الأخلاق والقيم الإنسانية، وهذا ما يحقق الهدف الإسلامي الأسمى..

هذه القصة تعكس أنه يمكن لنا جميعًا، بغض النظر عن خلفياتنا، أن نعيش معًا بسلام وتآلف. إن الحب الذي ينبع من نية طاهرة ليس محصورًا في إطار طائفة معينة بل هو قيمة إنسانية تشترك فيها جميع المخلوقات. وتُعلمنا هذه القصة أن نغلب قواطع الفتن التي تسعى إلى تفرقة الصفوف.

دور الإعلام والمروجين للفتن

لكن كيف نواجه الفتن إذا كانت وسائل الإعلام تساهم في نشرها؟ للأسف، بعض وسائل الإعلام لا تتحرى الدقة وتروج للأخبار غير المؤكدة التي تُغذي الأحقاد وتُشعل فتيل الفتن. ولكن، علينا أن نعود إلى ما علمنا إياه ديننا الحنيف من ضرورة التحقق من الأخبار وعدم الانجرار وراء الشائعات، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع (مسلم).

الإعلام يمكن أن يكون سلاحًا ذو حدين، إما أن يساهم في زيادة الانقسام، أو أن يعزز من قيم الأخوة والتسامح. علينا أن نُدرك أن الإعلام الذي يسعى إلى نشر الفتن إنما يُسهم في تدمير المجتمعات، بينما الإعلام الذي يروج للوعي والوحدة يمكن أن يكون عاملاً فاعلاً في بناء مجتمع يسوده السلام.

الحلول الفعّالة لتجاوز الفتن وبناء سوريا جديدة

في ظل هذه الظروف، هناك خطوات عملية يجب أن نتخذها لمواجهة الفتن، وتأكيدًا على ما جاء في ديننا من التعاون والإصلاح بين الناس، نقدم بعض الحلول التي يمكن أن تساهم في تخطي هذه الفتن:

  1. تعليم الوعي الإعلامي: يجب أن نُدرك أهمية التأكد من صحة المعلومات قبل نشرها، وهذا يتماشى مع تعليمات الإسلام في التثبت من الأخبار، خاصة عندما يكون في ذلك خطر على الوحدة.
  2. تعزيز الحوار بين أفراد المجتمع: الإسلام حثنا على الحوار والتفاهم، حيث يقول تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا (البقرة: 83). ينبغي أن نُشجع على الحوار بين السوريين من مختلف الطوائف والمناطق، وهذا يسهم في بناء الثقة والتفاهم.
  3. دعم المبادرات المجتمعية: يجب أن نعمل على إطلاق مشاريع ومبادرات تساهم في تعزيز الروابط بين جميع أفراد المجتمع، بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية أو العرقية. الإسلام يقدر التعاون والإنسانية، وهذا يُظهر أهمية العمل المشترك من أجل المصلحة العامة.
  4. إعادة بناء الثقة: إعادة بناء الثقة بين أفراد المجتمع يتطلب منا جميعًا أن نعمل بنية صافية ونتعاون معًا لبناء وطن يسوده التسامح. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، .. تتمة الحديث ,,,

خاتمة:

في الختام، يمكننا أن نرى في قصة ميرا وأحمد رسالة أمل حقيقية، وأن حبهم يتجاوز حدود الفتن والطوائف. إذا كان لدينا الوعي الكافي ونتعاون من أجل وحدة وطننا، فسنتمكن من تجاوز هذه الفتن، ونبني سوريا جديدة تتسم بالسلام والتفاهم. فالتفرقة لا تخدم إلا أعداء الأمة، بينما الوحدة والتضامن هما السبيل لبناء مستقبل مشرق.

لذا، دعونا نتحلى بالوعي، ونعمل جميعًا معًا لبناء وطن يعم فيه الأمن والسلام، ويحتفل فيه الجميع بتنوعهم وتعاونهم في إطار الأخوة والمحبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى