العربي الآن

أكبر معضلة  تواجه سوريا: ألغام بلا خرائط والفرق الهندسية بالكاسحات ضرورة قصوى!

المسؤول عن عملية زراعة الألغام في سوريا "إدارة هندسة الميدان" التي تخرج مختصين في زراعة ونزع الألغام، إضافة للميليشيات الإيرانية والكردية والجيش الروسي

راني جابر- العربي القديم

الحرب السورية حرب فريدة من نوعها، فكمية الحقد العقائدي التي ينضح بها النظام ورجاله ورغبتهم الشديدة في تدمير كل شيء، دفعتهم للتطرف في استخدام القوة بشكل ندر مثيله تاريخياً.

كل الإحصاءات المتعلقة بالحرب السورية شديدة الارتفاع، بداية بمدة الحرب التي استمرت عقداً ونصف، وعدد الطلعات الجوية الهائل، وضخامة القصف المدفعي والصاروخي، وحتى عدد الهجمات الكيماوية وعدد شهداء الحرب من الرافضين للنظام وإجرامه وعدد المفقودين… لكت تبقى المعضلة الأهم: الألغام

خلال عقد ونصف من عمر الحرب السورية زرع النظام مساحات هائلة من سوريا بالألغام، التي لا يعرف عددها بشكل  دقيق  والذي  قد يصل لعدة ملايين  لغم، وعلى السوريين استيعاب أن تطهير سوريا من الألغام قد يستغرق فترة أطول من الحرب ذاتها!

حتى اللحظة حجم الكارثة الحقيقي في سوريا غير معروف والذي سوف يبدأ بالبروز للواجهة مع بداية عودة المهجرين لأراضيهم وعودتهم لاستثمارها، والتي ستكون واحدة من أكبر المشاكل أمام أي حكومة سورية قادمة.

خطوط دفاعية وعشوائية

فأكبر مشكلة تركها النظام بعد هرب رأسه وانفراط عقد جيشه وأفرع مخابراته، هي الألغام التي زرعها في مساحات واسعة جداً،  على النحو التالي:

  1. بشكل خطوط دفاعية أو ضمن الأسوار لحماية وحداته العسكرية
  2.  ضمن الممرات التي يتوقع أن تتسلل منها الفصائل لمهاجمته
  3. بشكل عشوائي غير منظم، قرب خطوط التماس

لقد زرع نظام الأسد الألغام بشكل هيستيري مبالغ فيه، حيث يبلغ عمق بعض حقول الألغام في سوريا أكثر من ألف متر؛ خاصة في منطقة خطوط التماس في شمال غرب سوريا قبل التحرير، والتي تعتبر المنطقة الأكثف بالألغام.

كذلك البادية السورية ومحيط المطارات والكثير من القطعات العسكرية، وكلها مناطق تعود ملكيتها للسكان والذين منعوا اليوم من دخول أراضيهم بسببها رغم أن معظمها أراضي زراعية.

خريطة تقريبية لمناطق تنتشر فيها الألغام ومخلفات الذخائر العنقودية كما شرتها الشبكة السورية لحقوق الإنسان

الألغام معيق كبير للتنمية في سوريا، وتمنع الكثير من المشاريع بداية بالزراعة وصولاً لمشاريع الاستفادة من الأراضي الأخرى، فضلاً عن التهديد الكبير لحياة وسلامة السوريين حيث تعتبر سوريا البلد الأعلى حالياً بعدد ضحايا الألغام في العالم بحوالي 4500 ضحية عدا عن عدد كبير من الإصابات تجاوز 10500 جريحاً حسب توثيق للشبكة السورية لحقوق الإنسان، علماً أن الأرقام الحقيقية أضعاف هذا الرقم بسبب استحالة توثيق الكثير من الحالات.

ألغام الروس والإيرانيين والميليشيات الكردية

تجارب بعض الدول في تفكيك الألغام مأساوية، فمصر لحد اليوم تعاني من الألغام التي زرعت خلال الحرب العالمية الثانية، ورغم تنظيف مساحات واسعة لكن ما تزال هناك حقول غير مطهرة، حيث تحتوي 20% من مساحة الدولة على حقول ألغام غير مطهرة بعدد تقريبي 20 مليون لغم.

ثلاثة أمور مهمة يجب معرفتها عن الألغام في سوريا:

 أولها: أن عددها غير معروف ولا يوجد أي مصدر حقيقي للاعتماد عليه في التقديرات.

 ثانيها: أنه لا توجد أي خرائط لحقول الألغام في سوريا.

ثالثها: أنها تعود للروس والإيرانيين والنظام والميليشيات الكردية، كل منهم لديه أنواع مختلفة من الألغام وطرق زرع مختلفة.

هذا يخلق مشكلة كبيرة عند التعامل مع الألغام، خاصة ما يتعلق بالنزع اليدوي لها، والذي يعتبر الحل الأول حالياً وشبه الوحيد، خاصة أن كاسحات الألغام الموصولة بالدبابات غير نافعة في الكثير من المناطق وهي مخصصة أساساً لفتح ممرات ضيقة لعبور القوات وليس لتنظيف مساحات واسعة بشكل كامل ودقيق.

تطهير  يدوي

التطهير اليدوي للألغام باستخدام كواشف المعادن: خطورة متوسطة وفعالية منخفضة

الحل المستخدم لتنظيف الألغام حالياً هو كواشف المعادن اليدوية المحمولة، والتي تكشف فقط 90% من الألغام إن كانت الأرض مناسبة، وأقل من 70% من الألغام في حال كانت الأرض غنية بالشوارد المعدنية .

وهذا يشكل نسبة عالية من عدد الألغام التي ستبقى بعد التطهير، خاصة في الحقول التي تكون تعرضت للتحرك بسبب الأمطار وتحرك التربة وانجرافها، والتي تعتبر تهديداً خطيراً للمزارعين وأصحاب الأراضي، وتهديداً مباشراً لحياة الأطقم العاملة في مجال إزالة الألغام.

تكلفة تطهير ضخمة

 مشكلة الألغام هو سعرها الرخيص الذي يسمح بنشر أعداد كبيرة منها حيث يبلغ وسطي سعر اللغم 5 إلى 75 دولاراً فقط وتصنيعها سهل جداً، وعمرها طويل خاصة للأنواع البلاستيكية التي لا تصداً  وتحركها مع التربة بسبب السيول وانجراف التربة، وتغير حساسيتها مع الزمن.

في حين تبلغ تكلفة نزع اللغم الواحد بين 300 إلى 1000 دولار على أقل تقدير، حسب البيئة وكثافة حقل الألغام وطبيعته، وترتفع التكلفة بارتفاع المساحة الواجب سبرها للبحث عن ألغام، والتي تبلغ عدة دولارات للمتر المربع الواحد حسب الظروف والأدوات المستخدمة وطبيعة الأرض.

المسؤول عن عملية زراعة الألغام في سوريا هي “إدارة هندسة الميدان” والتي تخرج مختصين في زراعة ونزع الألغام، إضافة للميليشيات الإيرانية والكردية وداعموها وحتى الجيش الروسي ، والتي يجب أن تتحمل مسؤولية نزع الألغام التي زرعتها، وعدم تقديم أي خرائط لها تساعد على نزعها.

عقاب عادل

 المطالبة بقانون يجبر عناصر النظام ومن دعمه على العمل في تطهير حقول الألغام، يجب أن يكون مطلباً شعبياً لا تنازل عنه، بسبب الخطورة الكبيرة التي تحيق بمن يعمل في هذا المجال، فحسب الكثير من التجارب التي تتعلق بإزالة الألغام يوجد ضحية واحدة بين العاملين على نزع الألغام لكل 5000 لغم مزروع، وهذا عند توفر الأدوات وظروف البحث الجيدة، ويتوقع أن ترتفع هذه النسبة كثيراً في سوريا بسبب انعدام الأدوات.

يعني لو كان هنالك خمسة ملايين لغم مزروع في سوريا فيتوقع أن يكون عدد الضحايا بين العاملين على تفكيك الألغام لا يقل عن ألف شخص، وفي الحالة السورية ستكون التكلفة أكبر بكثير بشرياً.

وقد تصل تكلفة نزع هذا العدد من الألغام في سوريا إلى ما لا يقل عن خمسة مليارات دولار، القطاعات التنموية أحق بها.

لذلك يجب المطالبة بإجبار عناصر النظام على العمل في تطهير حقول الألغام قبل إعطائهم صك براءة  يسمح لهم بالعودة إلى الحياة بين السوريين، وتحديد عدد من الألغام لا يقل عن عشرين ألف لغم عليه نزعها قبل العودة للحياة الطبيعية، وهذه هي أقل عقوبة يستحقونها نتيجة التهديد الذي تخلفه هذه الألغام والذي ستستغرق عملية التخلص منه فترة قد تزيد على مدة الحرب في سوريا.

نماذج لكاسحات ألغام يمكن لمهندسين سوريين تصنيعها إذا توفر لهم التمويل (العربي القديم)

فرصة للتطوير: تمويل صناعة كاسحات ألغام

يستطيع رجال الأعمال في سوريا الاستفادة من هذا الوضع عبر تمويل  فرق هندسية من المهندسين السوريين وطلاب الجامعات في التخصصات الهندسية لتصنيع حلول مناسبة للحالة السورية لتطهير الأراضي من الألغام وتصنيع عدد كافي من كاسحات الألغام التي تستطيع العمل في البيئات المختلفة وخاصة في البساتين التي زرع النظام مساحات هائلة منها بالألغام.

سوريا اليوم بحاجة إلى 20 كاسحة ألغام على أقل تقدير من هذا النوع، وهذا العدد مجرد بداية حتى تتضح الصورة كاملة، والسوريون من مهندسين وفنيين قادرون على تصنيع هذه الكاسحات وإدخال هذا النوع من التقنية إلى قائمة الصناعات المحلية عالية الكفاءة التي تنتجها محلياً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى