أرشيف المجلة الشهرية

مشاهدات من اللَّاذقيَّة 2006

مهنَّا بلال الرَّشيد – العربي القديم

لا أستطيع الحديث عن مشاهداتي في اللَّاذقيَّة عندما أمضيتُ فيها عاماً دراسيّاً كاملاً بين 2005-2006 قبل تحديد معنى أوجاريت من وجهة نظري أوًّلاً، ثمَّ الحديث عن سبب تسجيلي هذه المشاهدات ثانياً، وإن بدأتُ بأوجاريت، الَّتي استعان الآثاريُّون برُقم إيبلا لتحديد موقعها في رأس شمرا شمال اللَّاذقيَّة ودلالة اسهما على الحقل في اللُّغة الأكديَّة، أميل – بسبب انحدار الأوجاريتيِّين الوراثيِّ من أبناء إيبلا وبسبب اشتقاق لغتهم من لغة أجدادهم في إيبلا أيضًا- إلى أنَّ كلمة أوجاريت كلمة أموريَّة، والعرب الأموريُّون أنفسهم شكَّلوا غالبيَّة شعوب بلاد الرَّافدين وبلاد الشَّام والجزيرة الفراتيَّة والجزيرة العربيَّة، والأدلَّة الفيلولوجيَّة اللُّغويَّة والأدلَّة الوراثيَّة المرتبطة بتحليل الحمض النَّوويِّ لقبور الأجداد ودماء الأحفاد المعاصرين تؤكِّد يومًا بعد آخر الأصول الأموريَّة لمعظم شعوب هذه المنطقة، وفي الوقت ذاته تفتقر تسمية هذه الشُّعوب ولغاتها بالشُّعوب واللُّغات السَّاميَّة إلى أدلَّة كثيرة أخرى (فيلولوجيَّة ووراثيَّة) غير الأسطورة التَّوراتيَّة، الَّتي تشير إلى وجود شخصيَّة سام بن نوح وانحدار شعوب هذه المنطقة ولغاتها منه بوصفه جدًّا أعلى لمعظم سُكَّان الشَّرق الأوسط المعاصرين.

الأُور والبُور من أوجاريت حتَّى اللَّاذقيَّة

تنقسم أوجاريت -بوصفها كلمة أموريَّة إيبلاويَّة- من وجهة نظري إلى كلمتين هما: أُور؛ بمعنى مدينة أو قرية مأهولة بالسُّكَّان، مثل: أورفه في تركيا، وأور سالم أو أور سليم؛ وهو الاسم الأموريُّ القديم للقُدس أو بيت المقدس، وأورحلينا في أفاميا أو قلعة المضيق قُرب حماة، وأورم الجوز في إدلب وغيرها، وأورم الجوز في إدلب أصلها أور أمِّ الجوز؛ أي القرية المأهولة، الَّتي تُزرع فيها أشجار الجوز. ويقابل مصطلح (أُور) الأموريِّ مصطلح (بُور) الأموريِّ الآخر، وإن دلَّ مصطلح (الأُور) على القرية المأهولة وأرضها المزروعة، يدلُّ مصطلح (البُور) على الأرض المهجورة غير المسكونة وغير المزروعة أو غير المستصلحة للزِّراعة، وما زال سُكَّان إدلب يطلقون لفظة (البُور) و(البُورة) على كلِّ أرض غير مزروعة أو كلِّ أرض يفسد زرعها، ولا يستفيد منه مزارعه، وقد استخدم القرآن الكريم بعد أموريِّي إيبلا وأحفادهم من أموريِّي أوجاريت هذا المصطلح بالدَّلالة ذاتها؛ فقال سبحانه وتعالى في سورة فاطر: (من كان يريد العزَّة فللَّه العزَّة جميعًا إليه يصعد الكَلِم الطَّيِّب والعمل الصَّالح يرفعه والَّذين يمكرون السَّيِّئات لهم عذاب شديد ومكرُ أولئك هو يبور). [فاطر 10]. وقال-سبحانه وتعالى-في سورة الفرقان: (قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتَّخذ من دونك أولياء ولكن متَّعتَهُم وآباءَهم حتَّى نَسُوا الذِّكر وكانوا قومًا بورًا). [الفرقان 18].

وبعد الإشارة إلى الأصل الأموريِّ لكلمة أوجاريت صار واضحًا لدينا أنَّ هذه الكلمة تتألَّف من كلمتي: (أور) بمعنى الحقل المأهول والمزروع، و(جاريت) أو (غاريت) بمعنى كهف أو مغارة، وأصلُها: مَجَاريت أو مغارة، وسقطت منها الميم؛ لأنَّ نُطق أوجاريت أسهل من نطق أورمجاريت، وبالطَّريقة ذاته اختزل الأموريُّون اسم أور أمِّ الجوز في إدلب؛ فصارت مشهورة باسم أورِم الجوز؛ وبالمحصَّلة دلَّت كلمة أوجاريت على أرض المغارة أو الحقل المزروع في أرض المغارة. وتروي الأخبار التَّاريخيَّة أنَّ الملك سلوقس الأوَّل نيكاتور خليفة الإسكندر المقدونيِّ الأكبر على المشرق قد أطلق اسم والدته (لاوديكيا) على اللَّاذقيَّة بدلًا من اسمها القديم (راميتَّا)، الَّذي يدلُّ على الجبل المرتفع، كما غيَّر اسم قلعة المضيق، وسمَّاها باسم زوجته أباميا أو أفاميا.

مشاهدات على الطَّريق إلى اللَّاذقيَّة 20052006

في بداية العام الدِّراسيِّ 2006-2005 استيقظتُ في ساعات الفجر الأولى، وذهبتُ مع والدي -رحمه الله- إلى شمال غرب مدينة سراقب، ونزلت على تقاطع طريق دمشق -حلب الدُّوليِّ مع طريق حلب- اللَّاذقيَّة الدُّوليِّ؛ أي على تقاطع طريقي M5 مع M4 بمصطلحات الوقت الرَّاهن، ثمَّ ركبتُ أوَّل حافلة منطلقة من حلب إلى اللَّاذقيَّة، وعبرنا بين حقول الكرز في جبل الأربعين في مدينة أريحا على أطراف جبل الزَّاوية، ونزلنا بين سهل الرُّوج الممتدِّ شمالًا وسهل الغاب الممتدِّ جنوباً، حتَّى وصلنا إلى نهر العاصي؛ فعبرناه في جسر الشُّغور، وصعدنا منها بين جبال اللَّاذقيَّة أو جبال العلويِّين كما يسمِّيها ليون كاهون، أو سلسلة جبال السَّاحل السُّوريِّ الغربيَّة كما تسمِّيها مناهج الدِّراسة السُّوريَّة، وشاهدنا الفلَّاحين السُّوريِّين المحبِّين لأرضهم، وهم ينطلقون إلى العمل في حقولهم منذ ساعات الصَّباح الأولى؛ رأينا صبايا يجمعن محصول القطن، وشُبَّاناً ينقلون محاصيل البطاطا والعنب والتِّين والزَّيتون، رجالاً يحرثون الحقول، وآخرون يُقلِّمون الأشجار، شاهدتُ في عيون المسافرين نظرات الإعجاب بالسُّوريِّين عُمَّالاً وفلَّاحين من المنتشرين في الحقول كلِّها بين سهول إدلب ومرتفعات جبال اللَّاذقيَّة، حين استرحنا هناك قليلاً، وتناولنا خبز التَّنُّور وفطائر الجبن والفلفل الأحمر، وشربنا الشَّاي، وفي السَّاعة الثَّامنة وخمس دقائق طرقتُ باب القاعة الدِّراسيَّة المخصَّصة لطلَّاب الدِّراسات اللُّغويَّة في كلِّيّة الآداب، وفتحتُ الباب، وقبل أن أحكي كلمة واحدة، قال أستاذي مدرِّس فقه اللُّغة واللِّسانيَّات: “لقد تأخَّرتَ، وبدأ الدَّرسُ منذ خمس دقائق، يجب عليك أن تتعلَّم احترام المواعيد، أَغلق الباب واذهب بعيداً!

الانتفاضة الصُّوماليَّة

شعرتُ بحسرة وألم كبيرين، وانتظرتُ أستاذي عند الباب حتَّى انتهت محاضرته، سلَّمتُ عليه، واعتذرتُ منه، وأخبرته برحلتي الطَّويلة، وخروجي من بيتي منذ ساعات الفجر الأولى، وسفري من إدلب إلى اللَّاذقيَّة بأوَّل حافلة من حافلات السَّفر، تفهَّم أستاذي شيئًا من عذري، ووعدني بنقل موعد المحاضرة إلى السَّاعة العاشرة صباحاً، بعد تأكيده على أهمِّيَّة الدَّرس الَّذي تعلَّمتُه، وحفظته جيِّداً حول ضرورة الالتزام بالمواعيد، واحترام الأستاذ المحاضر واحترام هيبة القاعة الدَّرسيَّة وزملاء الدِّراسة أيضاً. وفي موقف آخر جمعني بأستاذي أذكرُ أنَّني كنتُ أنتظر قدومه مع زميلاتي وزملائي الآخرين في القاعة الدَّرسيَّة لمحاضرة يوم الثُّلاثاء في الرَّابع من نيسان 2006، ومع بداية الوقت المخصَّص للدَّرس دخل علينا أستاذنا، وكان يحمل بيده كتابًا لم نستطع قراءة عنوانه، وبعد التَّحيَّة قال: ماذا قرأتم في الأسبوع الماضي؟ وماذا حصل البارحة؟ فطلبتُ الحديثَ؛ وحين قلتُ: نُعزِّيكَ أستاذي الدُّكتور؛ استغربت زميلاتي، واستغربَ زملائي! لكنَّني تابعتُ حديثي؛ وقلتُ: نعزِّي سَلمية، ونعزِّي سوريا كلَّها؛ مات البارحة محمَّد الماغوط؛ ففتح الأستاذ كتابه على نصٍّ بعنوان: (الانتفاضة الصُّوماليَّة)، ووضع الكتاب أمامي؛ وقال لي: اقرأ! فقرأتُ وفكَّكنا النَّصَّ في دراسة لسانيَّة، ونظرنا إلى عنوان الكتاب المكتوب بالخطِّ الأحمر؛ فكان: (سأخون وطني) لمحمَّد الماغوط رحمه الله!

أيَّام في المدينة الجامعيَّة

بعد انتهاء أوَّل يوم من أيَّام الدِّراسة في كلِّيَّة الآداب في جامعة تشرين توجَّهتُ مساء نحو المدينة الجامعيَّة، وفي مخيِّلتي صورة المدينة الجامعيَّة في جامعة حلب، وما إن عبرتُ بين الوحدات السَّكنيَّة حتَّى اكتشفتُ الفرق التَّنظيميَّ والخدميَّ الكبير بين المدينتين الجامعيَّتين؛ في جامعة حلب وحدات مبنيَّة مثل عُلَب الكبريت، وغُرفها صغيرة جدًّا، ويعيش في الغرفة الواحدة ثلاثة طلَّاب أو أكثر، ولا مصاعد كهربائيَّة في الوحدات السَّكنيَّة، الَّتي يتولَّى تنظيفها أطفال مشرَّدون صغار، يجمعون من طُلَّاب المدينة الجامعيَّة ما يتبقَّى لديهم من الخبز، بعدما استيقاظهم على ندائهم وأصواتهم العالية: (يابيس.. خبز يابس!) كلَّ صباح!

الوحدات السَّكنيَّة في المدينة الجامعيَّة في جامعة تشرين جميلة وأنيقة، وممرَّاتها نظيفة، وغُرفها واسعة؛ لها نوافذ زجاجيَّة أنيقة وشُرفات كبيرة تطلُّ على بحر اللَّاذقيَّة، وفي كلِّ وحدة سكنيَّة مجموعة من الموظَّفات المسؤولات عن تنظيف البناء، تحصل كلُّ واحدة منهنَّ على معاشها أو راتبها الشَّهريِّ من ميزانيَّة الجامعة، وهنا بدأتُ أفهم بعض أسباب الفرق في النَّظافة بين مدينتين جامعيَّتين، وفهمتُ لماذا كانت كلُّ موظَّفة من موظَّفات كلِّيَّة الآداب في جامعة حلب تتذمَّر دائماً من الطُّلَّاب المراجعين، في حين كانت الموظَّفة في جامعة تشرين في اللَّاذقيَّة تستقبل الطَّالبَ المراجع بسرور وسعادة؛ ورَجَحَ عندي أنَّ أيَّ موظَّف أو موظَّفة سيتذمَّر حُكماً لو كلَّفه مديره بعمل كبير يحتاج إلى خمسة موظَّفين لإنجازه، وفهمتُ لماذا كانت الموظَّفات في كلِّيَّة الآداب في جامعة حلب يغلقن أبواب مكاتبهنَّ المخصَّصة للعمل ساعة أو ساعتين بحجَّة أداء صلاة الظُّهر؛ ولماذا كانت الموظَّفة تُنجز معاملات المراجعين من الطُّلَّاب بكلِّ سرور في جامعة تشرين في اللَّاذقيَّة، ثمَّ أسقطتُ ذلك على عنوان محمَّد الماغوط (سأخون وطني)، وتساءلتُ  خلال كتابة هذه الكلمات؛ لماذا فتح لي أستاذي كتابه على نصٍّ بعنوان: (الانتفاضة الصُّوماليَّة)؛ ولماذا بدأت انتفاضة الشَّعب السُّوريِّ ضدَّ عائلة الأسد الحاكمة سنة 2011؛ أي بعد درسنا وموت محمَّد الماغوط بخمس سنوات تماماً؟!

ليل اللَّاذقيَّة

لاذقيَّة العرب مدينة ساحرة، يعشقها كلُّ من درس في جامعتها، وكلُّ مَن عاش فيها، أو عبر في شارع من شوارعها، لا بدَّ لمن زارها أن يتذكَّر قوس النَّصر فيها، سيتذكَّر حيَّ الصَّليبة وحيَّ الزَّراعة، والكورنيش البحريَّ؛ وههنا أستغربُ جدًّا من شُعور حافظ الأسد بالوحشة فيها عندما نزل من القرداحة ليدرس فيها، ففي مدينتها الجامعيَّة شبَّان يشربون المتَّة، ويدرسون، ويشرّبوننا المتَّة أيضاً، وعلى الكورنيش البحريِّ مقاهٍ رائعة ومطاعم جميلة ومصايف وشاليهات ومنتجعات تُقدِّم المأكولات البحريَّة وسلطات الفاكهة اللَّذيذة، ويرحل صمتُ الذِّكريات بكثير من السُّوريِّين إلى ساحل اللَّاذقيَّة ومصايفها، يتذكَّرون أصدقاءهم من أبنائها، ولا يكسر صمت ليل اللَّاذقيَّة أو صمت مدينتها الجامعيَّة في معظم الأحيان إلَّا صوت فرامل السَّيَّارة أو صوت علي الدِّيك أو وفيق حبيب القادم من تلك السَّيَّارة الفارهة، الَّتي يقودها غلام من غلمان عائلة الأسد الحاكمة، بعدما جاء ليستعرض ثروته وسيَّارته وسُلطة عائلته على أبناء اللَّاذقيَّة أو أبناء وبنات المدينة الجامعيَّة من الطُّلَّاب القادمين للدِّراسة من هنا وهناك!

في طريق العودة إلى إدلب

في طريق العودة من اللَّاذقيَّة، وفي أربعينيَّة الشِّتاء المثلجة كنَّا نستقلُّ حافلات صغيرة، تنطلق من جبلة إلى بيت ياشوط، وتنزل منها إلى الهبيط وكفرنبودة وقلعة المضيق والسّقيلبيّة في سهل الغاب، هذا طريق جميل آخر، تشعر فيه بحبِّ الإنسان لأرضه وأرض أجداده، وأنت تشاهد السَّائق وهو يلفُّ عجلات السَّيَّارة المطَّاطيَّة بأزراد الحديد كيلا تنزلق السَّيَّارة، وهي تعبر الطُّرق الجبليَّة الوعرة بين القمم الجبليَّة العالية؛ تلك القمم الَّتي وقف عليها سلوقس الأوَّل نيكاتور كما تروي الأخبار، وقف بجوار زوجته أباميا الَّتي أحبَّها، وأطلق صقرًا من أعالي الجبال، وقال لها: سأبني لك مدينة حيثُ يقف هذا الصَّقر؛ فالصُّقور لا تعيش إلَّا في بيئة نظيفة؛ حيث الهواء العليل؛ وعندما وقف الصَّقر في حِصن قلعة المضيق على ضفاف نهر العاصي؛ جدَّد سلوقس لزوجته أباميا الحصن، وشيَّد القلعة، وأطلق عليها اسم زوجته؛ فصارت قلعة أفاميا.

إرهاصات الثَّورة

قبل صعود الجبال ونزولها نحو سهل الغاب ثمَّ إدلب وحلب، وقف السَّائق في مدينة جبلة؛ لتجهيز العجلات بسلاسل وأزراد الحديد للعبور الآمن فوق الجليد وثلج الشِّتاء، جلسنا بقربه نشرب بعض الشَّاي؛ لقتل البرد وتمرير الوقت؛ فعبر بجوارنا مجموعة من الرِّجال؛ لا يشبهوننا، أو لا نشبههم؛ لا يشبهون السُّوريِّين المقموعين في جبلة واللَّاذقيَّة وسائر المدن والمحافظات الأخرى؛ كانت أجسادهم ضخمة، وعضلاتهم مفتولة، وقد رسموا على أجسادهم صورًا لحافظ وباسل وبشَّار وماهر الأسد، وكتبوا عبارات التَّأييد، وبعد أن تجاوزونا بمسافة شعرتِ المسافرةُ معنا بجوار مقعدي في الحافلة بشيء من الأمان؛ وأخذتْ نفسًا عميقًا، وكأنَّها خرجت للحياة من جديد؛ وقالت: يا ربِّي دخيلك! عند هذا المشهد تحديدًا تذكَّرتُ قُرى الأطفال في قرى (SOS) في خان العسل بالقرب من مدينة حلب، حيث روى لي بعض الأصدقاء أنَّ معظم أطفال قرى (SOS) هم من الأطفال مجهولي النَّسب، يُعْثَرُ على كثير منهم مرميِّين في الشَّوارع بعد ولادتهم بساعات أو أيَّام قليلة؛ فينقلون إلى قُرى (SOS)؛ وتُشرف على تربيتهم استخبارات عائلة الأسد المجرمة، ويزورهم بشَّار الأسد وزوجته أسماء الأخرس بين الآونة والأخرى؛ فينشأ لديهم-بفعل التَّربية الخاصَّة-نقمة كبيرة على المجتمع وحبًّا غير مفهوم لبشَّار الأسد وعائلته المجرمة، ثمَّ ينقشون على أجسادهم صورًا لهم، ويكتبون عليها: الأسد أو نحرق البلد وجُملًا أُخرى تُشبه هذه العبارة، وبعد حديث صدقي تذكَّرتُ-فعلًا-أنَّ المجرم بشَّار الأسد قُبيل الثَّورة السُّوريَّة ضدَّه بوقت قليل، زار مع زوجته أسماء الأخرس قرى (SOS) في خان العسل قرب حلب، ولعب بعض ألعابه الشِّرِّيرة مع الأطفال الأبرياء قبل تحويلهم إلى وحوش وسجَّانين في تدمر وصيدنايا وهنا وهناك!

رفعت راجع

في طريق عودتني وعلى عمود الجسر عند مخرج مدينة جبلة لفتتْ انتباهي هذه العبارة (رفعتْ راجع)؛ يبدو لي أنَّ كاتبَها عنصرٌ قديم من عناصر سرايا الدِّفاع الَّتي دمَّرت مدينة حماة، وارتكبت فيها مجزرتها الشَّهيرة بأمر قائدها المجرم رفعت الأسد، ويبدو أنَّ كاتب هذه العبارة قد تذمَّر من إهمال حافظ الأسد وابنه بشَّار الأسد لهم، واعتمادهم على السَّجَّانين المدجَّنين من قرى (SOS) بدلًا من الاعتماد عليهم؛ فكتبوا له هذه العبارة، الَّتي طمستها أجهزة الأمن بعد وقت قليل! ولكن حقًّا، وبرغم جرائمه، عاد رفعت الأسد إلى سوريا، ولم يحاكمه أحد في فرنسا أو اللَّاذقيَّة أو حماة أو دمشق أو حلب أو جسر الشُّغور؛ عاد رفعت ولكن بعد أن انطلقت انتفاضة السُّوريِّين ضدَّ جلَّاديهم! عاد رفعت، وهجَّر بشَّار الأسد وأخوه ماهر كثيرًا من أبناء اللَّاذقيَّة وأبناء سوريا كلِّها، وقتلت، واعتقلت عائلة الأسد المجرمة وسجَّانوها كثيرين أيضًا.

برغم مزيج الذِّكريات يحدوني الأمل، وأنا أسترجع لحظاتي الجميلة في هذه المدينة، وأنا الإدلبيُّ المحبُّ للَّاذقيَّة وأهلها باستثناء مجرمي هذه العائلة، أكتب، وأنا واثق بأنَّ كثيرًا من القرَّاء يشتركون معي في مشاعري هذه تجاه لاذقيَّة العرب؛ هذه المدينة الجميلة، الَّتي نأمل لها ولأهلنا الكرام فيها وفي مدن سوريا الأخرى كلِّها ما يستحقُّونه من عيش حرٍّ كريم!

___________________________________

من مقالات العدد الثاني عشر من (العربي القديم) الخاص باللاذقية – حزيران/ يونيو 2024

لقراءة العدد كاملاً اضغط هنا.

زر الذهاب إلى الأعلى